البكاء خارج الأرض.. رواد فضاء يروون تفاصيل التجربة المرعبة

في الأرض، البكاء رد فعل مألوف، تنهمر الدموع من أعيننا، تسيل على الخد، وربما تخفف عنا بعضا من ثقل المشاعر.
لكن ماذا لو خرجت إلى الفضاء، حيث لا جاذبية ولا هواء، وحاولت أن تبكي؟ هذا السؤال قد يبدو بسيطا في ظاهره، لكنه يكشف جانبا مذهلا من اختلاف الحياة بين كوكبنا وما خارجه.
رواد الفضاء الذين عاشوا التجربة بأنفسهم يؤكدون: البكاء في الفضاء ليس كما نعرفه على الأرض. فبدون وجود الجاذبية لسحب الدموع إلى الأسفل، لا تسيل الدموع من العين، بل تتجمّع في فقاعات على سطح العين، وتكبر شيئًا فشيئًا حتى تتحول إلى كرات مائية صغيرة عالقة، قد تعيق الرؤية، أو تطفو أمام الوجه.
وخاض رائد الفضاء الكندي "كريس هادفيلد"، الذي أمضى شهورا في محطة الفضاء الدولية، هذه التجربة بنفسه، وأجاب على هذا السؤال الغريب من أحد الأطفال خلال لقاء مباشر من الفضاء.
أوضح هادفيلد أنه عندما بكى، أو بالأحرى، عندما سالت دموعه بسبب تهيّج العين، لم تنهمر كما هو معتاد، بل التصقت بعينه وكونت كرة مائية.
هذه الكرة، في ظل انعدام الجاذبية، لا تجد طريقا للنزول، بل تبقى مكانها حتى تصبح مزعجة. وفي بعض الأحيان، قد تحتاج إلى أن تمسحها بقطعة قماش خاصة أو تمتصها باستخدام الهواء.
وهذه الظاهرة ليست مجرد فضول علمي، بل تحمل أبعادا حيوية مهمة. فعلى سبيل المثال، تؤدي تغيرات توزيع السوائل في الجسم في بيئة الفضاء إلى ضغط زائد على العين والرأس، ما قد يسبب مشاكل بصرية لدى بعض رواد الفضاء، وهي ظاهرة تُعرف باسم "متلازمة اعتلال الرؤية داخل الجمجمة المرتبط بالرحلات الفضائية".
والدموع، مثلها مثل أي سائل آخر في الفضاء، تخضع لقوانين مختلفة، وهو ما يجعل التعامل مع أبسط الوظائف الجسدية أمرا يحتاج إلى دراسة وتخطيط.
ورغم أن بكاء الحزن في الفضاء لم يتم توثيقه كثيرا، فإن رواد الفضاء يمرون بأحاسيس معقدة خلال مهماتهم الطويلة والمعزولة، فالوحدة، الشوق، وحتى رهبة المجهول، كلها مشاعر حقيقية، لكن التعبير عنها على شكل دموع قد يتحول في الفضاء من لحظة انفعال إنساني إلى تجربة علمية محضة.
والمفارقة أن البكاء، هذا الفعل البشري العميق والبسيط في آنٍ واحد، يتحول في غياب الجاذبية إلى حدث غريب وغير مريح. كأن الفضاء يقول لنا بلطف وصرامة: "حتى دموعكم، لا تنتمي إلى هنا".