"التمثل الثقافي".. وإعادة قراءة الخطابات النقدية المبكرة
يقدم الناقد سامي سليمان، في كتابه، قراءات نافذة وعميقة لخطابات نقد الرواية والمسرحية في الثقافة العربية في النصف الثاني من القرن الـ19
بالرغم من أن "النقد الثقافي" أو ما بات يعرف باسم "حقل الدراسات الثقافية المعاصرة" واحد من الاتجاهات النقدية الحديثة التي برزت على سطح المشهد النقدي في مصر والعالم العربي في العقدين الأخيرين، فإن ما ترجم من نصوص نظرية أو تطبيقية في "النقد الثقافي" يعد قليلا بالمقارنة بغيره من التيارات والاتجاهات النقدية الأخرى، وقياسا على ذلك أيضا تندر "المؤلفات" المكتوبة بالعربية المندرجة في إهابه.
في هذا الإطار، تأتي هذه الدراسة المهمة التي أنجزها الناقد والأكاديمي د. سامي سليمان أحمد، بعنوان "التمثل الثقافي وتلقي الأنواع الأدبية الحديثة - تجربة النقد العربي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر"، والصادرة أخيرا عن مكتبة الآداب بالقاهرة.
يندرج هذا الكتاب في إطار الدراسات الثقافية المعاصرة، ويسعى إلى ولوج مجالٍ جديد من مجالاتها وهو "القراءة الثقافية" للخطاب النقدي. ويقدم الكتاب قراءته لخطابات نقد الرواية والمسرحية في الثقافة العربية في مرحلة النصف الثاني من القرن التاسع عشر التي تعد أولى مراحل النهضة العربية الحديثة، ولذا تعامل الكتاب مع الخطاب النقدي على أنه أداة من أدوات مشروع النهضة العربية.
اعتمد المؤلف عددا من المفاهيم المحورية كالسياق الثقافي والعقبات الثقافية والنسق ومنظومة الأنواع الأدبية، أما مفهوم "التمثل الثقافي" فكان المفهوم المحوري الذي اشتغل عليه المؤلف، وقصد به الطرق والآليات التي تصوغها النخبة الثقافية لتقبُّل النظريات والمفاهيم والأفكار المنقولة عن ثقافة أخرى سعًيا لإثراء الثقافة القومية بما يجعلها قادرةً على مواجهة بعض المشكلات التي تعانيها أو الأوضاع الجديدة التي تمثل -بالنسبة لها- نوعاً من التحدي الذي يدفع نخبتَها إلى البحث عن الجديد الذي يلبِّي احتياجاتِهم الثقافية والفكرية والوجودية فيما أنتجته الثقافات الأخرى.
ومن منطلق هذه المفاهيم الجديدة التي صاغها المؤلف حلل الكتاب النقدَ الروائي والنقد المسرحي العربي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وذلك في 8 فصول تناول فيها المؤلف دور مؤسسات التحديث والحداثة في إنتاج النقد العربي، وبيَّن كيفية تغلب المؤسسة النقدية على مجموعة من العقبات الثقافية الموروثة، وتناول كيفية انتقال نظريات الرواية والمسرحية الأوربية إلى الثقافة العربية، ثم حلل باستفاضة الطرائق التي تلقى بها النقد العربي تلك النظريات، وكشف عن التحولات التي أدخلها النقاد العرب في النصف الثاني من القرن التاسع عشر على عدد من المفاهيم النقدية والبلاغية الموروثة؛ كي تستجيب لتلقي الرواية والمسرحية. وفي ختام الكتاب توقف المؤلف عند السمات التي ميزت خطابات النقد العربي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وبيَّن العلاقة بين الخطاب النقدي ومشروع النهضة العربية في القرن التاسع عشر.
مؤلف الكتاب، د. سامي سليمان أحمد، أستاذ الأدب والنقد العربي الحديث بقسم اللغة العربية بكلية الآداب، جامعة القاهرة. أصدر 10 كتب؛ منها: "الخطاب النقدي والأيديولوجيا: دراسة للنقد المسرحي عند نقاد الاتجاه الاجتماعي في مصر 1945 – 1967"، 2002، و"خطاب التجديد النقدي عند أحمد ضيف" مع النص الكامل لكتابه "مقدمة لدراسة بلاغة العرب"، 2003، و"مدخل إلى دراسة النص الأدبي المعاصر: قراءات نقدية تطبيقية" 2003، و"الذات وحلم تغيير الواقع: قراءة في قصيدة الجامعة لمحمد سليمان" 2004، كما نشر 50 بحثاً بالدوريات المحكمة، وشارك في 20 مؤلفاً جماعيّاً.