من أجل بناء التعاون الدولي المنشود، علينا أن نمنح الدول الأخرى المزيد من المعلومات حول ثقافتنا وقيمنا
لقد منَّ الله تعالى علينا بالعيش في دولة يسودها الاستقرار والتفاؤل والازدهار، إلا أن الظروف الصعبة المحيطة في المنطقة، والطبيعة المتغيرة للعالم تضع دولة الإمارات العربية المتحدة في مواجهة العديد من التحديات، ولا يمكن تجاوز هذه التحديات إلا من خلال المزيد من التعاون والتضامن، ولكننا للأسف نعيش زمنًا تحل فيه الفرقة والريبة محل التضامن والاحترام المتبادل.
ومن هنا، يتحتم علينا العمل لبناء جسور الثقة والتفاهم مع الدول الأخرى وشعوبها. فسواء كنا نتحدث عن مواجهة التحديات العالمية كالتغير المناخي، أو التحديات الإقليمية كالتطرف، أو التحديات المحلية كتنويع مواردنا الاقتصادية؛ فإن جميعها يستدعي العمل يدا بيد مع المجتمع الدولي.
يجب علينا بذل كل ما في وسعنا لتوطيد علاقاتنا مع دول المنطقة، والعمل بشكل وثيق مع حلفائنا وشركائنا الثقات في منطقة الخليج العربي كالمملكة العربية السعودية. ومد يد العون لدول الجوار الاستراتيجيين كدولة العراق.
ومن أجل بناء التعاون الدولي المنشود، علينا أن نمنح الدول الأخرى المزيد من المعلومات حول ثقافتنا وقيمنا، حيث يشكل ذلك قاعدة متينة لشراكات طويلة الأمد في مواجهة القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية.
فمن خلال إيصال ثقافتنا المتقدمة وقيمنا العريقة للدول المختلفة، يمكننا منح شعوب المنطقة بصيص أمل يتطلعون إليه، وهو أمر تحتاجه نسبة كبيرة من شبابنا العربي بشدة. فعندما نبين لهم أن فخرنا واعتزازنا بإسلامنا وبموروثنا العربي الأصيل وبثقافتنا، يعكس تقدمنا وتحررنا، نمنحهم بديلًا إيجابياً ينظرون إليه.
ولهذا السبب، يشرفني تلقي أمر سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، بتأسيس مكتب خاص بالدبلوماسية الثقافية والعامة ضمن وزارة الخارجية والتعاون الدولي. حيث ستكون مهمتنا الأساسية التعاون الحثيث مع السلطات الاتحادية والثقافية المحلية في دولة الإمارات العربية المتحدة، لمساعدة شبكتنا الواسعة من البعثات الدبلوماسية حول العالم، على تحقيق تفهم وانجذاب دولي أكبر نحو ثقافة دولة الإمارات العربية المتحدة وقيمها، بالإضافة إلى تعزيز التعاون السياسي والاقتصادي والأمني بينها وبين غيرها من الدول.
والتبادل الثقافي هو أحد الطرق التي يمكننا اتباعها لتحقيق ذلك، سواء كان ذلك من خلال الفنون، الأفلام، الأدب أو الموسيقى. ولهذا يعد متحف اللوفر أبوظبي، ومعرض إكسبو 2020 غاية في الأهمية، إذ إنهما يعبران تعبيرا قويا عن إنسانيتنا المشتركة. ولهذا أيضا يتوجب علينا المساهمة في نشر فنَّانينا المبدعين والقطاع الإبداعي في دولة الإمارات العربية المتحدة في مختلف أنحاء العالم. إذ تعد الأعمال الفنية المبدعة وسيلة هامة لنقل ثقافتنا وقيمنا، فهي تخلق عملية تواصل ثنائية الجانب ما بين الشعوب، وتحرك المشاعر الإنسانية المشتركة، وتتجاوز حواجز اللغة.
ولا تعد الفنون الوسيلة الوحيدة لتثقيف الشعوب الأخرى حول قيمنا المشتركة، إذ يمكننا فعل ذلك من خلال دعوة الطلاب الأجانب للدراسة في جامعات دولة الإمارات العربية المتحدة، وتشجيع الجامعات الأجنبية على دراسة ثقافتنا، من خلال المشاركة في الفعاليات الرياضية العالمية، أو بابتكار المزيد من الطرق لإشراك ملايين الأفراد الذين يزورون دولة الإمارات العربية المتحدة سنويا في ذلك.
وسأعمل مع زملائي في وزارة الخارجية والتعاون الدولي وخارجها، على المزج ما بين نسيجنا الثقافي الغني وسياستنا الخارجية القوية، والتأكد من قيام سفارات دولة الإمارات العربية المتحدة بكل ما في وسعها لدعم هذه الجهود وتعزيزها.
وبالإضافة إلى ذلك، سنعمل على ابتكار المزيد من السبل لتعريف الشعوب بثقافة دولة الإمارات العربية المتحدة وقيمها. فعلى سبيل المثال، سنأخذ بالحسبان كيفية الإضافة على النموذج الناجح للحوار الثقافي الإماراتي الفرنسي الذي تم هذا العام، بحيث نشرك القادة الشباب من مختلف الدول في عملية التبادل الثقافي، ونعزز ظهور ثقافتنا في العواصم الأجنبية.
كما سنعمل على تطوير «صندوق أدوات» نزود به سفارات دولة الإمارات العربية المتحدة في مختلف الدول لتنفيذ المبادرات الثقافية، وسنتعاون مع أكاديمية الإمارات الدبلوماسية لتدريب دبلوماسيينا على الدبلوماسية الثقافية والعامة. ولا تقتصر الأولوية في ذلك على الحوار مع القادة السياسيين فحسب، بل مع قادة الرأي العام في مجالات الثقافة والإعلام والتجارة والتعليم والرياضة، بالإضافة إلى الشريحة الأعم من الشعب.
ولا ينبغي أن ينصب تركيزنا على الدول الغربية التي كانت تستهدفها دولة الإمارات العربية المتحدة عادة فحسب، على الرغم من احتفاظ تلك الدول كالولايات المتحدة الأميركية والمجموعة الأوروبية بأهميتها بالنسبة إلينا. ولكن يجب أن تتسع دائرة أولوياتنا لتشمل تمتين جسور التواصل والتفاهم الثقافي فيما بيننا وبين الدول الآسيوية الهامة كالصين والهند.
كما يجب علينا بذل كل ما في وسعنا لتوطيد علاقاتنا مع دول المنطقة، والعمل بشكل وثيق مع حلفائنا وشركائنا الثقات في منطقة الخليج العربي كالمملكة العربية السعودية. ومد يد العون لدول الجوار الاستراتيجيين كدولة العراق.
فعلى دبلوماسيتنا الثقافية أن تعكس قيم دولة الإمارات العربية المتحدة المتسامحة والبعيدة عن التطرف والطائفية، بحيث تعزز علاقة دولة الإمارات العربية المتحدة بكافة الشعوب العربية مهما كانت انتماءاتهم الدينية والطائفية.
على الرغم من التغير الملموس الذي شهدته دولتنا على مدى النصف قرن المنصرم، لم تتخل ثقافتنا عن قيمها المتجذرة الأصيلة: التزامنا بتمكين المرأة، والاستثمار في رفاه شعبنا، ومنح الزوار والوافدين بيئة منفتحة، جاذبة اقتصاديا وغنية ثقافيا، والاستمرار بالتقدم والابتكار، والتعاطف مع الأشخاص الأقل حظا، والتسامح مع الأديان والثقافات المختلفة، والاحترام المتبادل والأدب والأخلاق.
إن شعب دولة الإمارات العربية المتحدة يمارس هذه القيم باستمرار في حياته اليومية، سواء كنا نتحدث عن المواطنين أم الوافدين. وهذا ما يسهل عملنا، فما علينا سوى منح دول العالم نافذة يطلون من خلالها على هذه الثقافة الراقية، وأن نعزز سبل الحوار حول مجموعة القيم المشتركة. ففي عالم يغلق فيه الكثيرون الأبواب، ستستمر دولة الإمارات العربية المتحدة في فتح تلك الحواجز داعمة مصلحتها الوطنية وشخصيتها القومية.
نقلا عن "البيان"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة