الفيلسوف ابن خلدون.. من غياهب السجن إلى قاضي قضاة مصر
ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع، صاحب كتاب "مقدمة ابن خلدون"، اعتلى كرسي القضاء في مصر.. وودعته القاهرة في وفاته عن 78 عاما
شهد يوم الـ27 من شهر مايو ذكرى ميلاد الفيلسوف والمؤرخ والعالم الاجتماعي الشهير عبدالرحمن بن محمد ابن خلدون أبو زيد، ذي الأصول الأندلسية، الذي ولد في تونس عام 1332م، وقضى معظم حياته في الترحال، ويعتبره الكثيرون الأب الروحي للعلوم الاجتماعية التي تشمل التاريخ وعلم الاجتماع والديموغرافيا والاقتصاد.
وكان ابن خلدون صادقا وفصيح اللسان وجميل المظهر وحسن الخلق وطموحا لنيل أعلى المراتب، وبدأ بحفظ القرآن وتجويده عندما وصل إلى سن التعلم، كما كان من أكثر الأشخاص المُثقفين في عصره، إذ كان يُخصص وقتا للكتابة والتأليف، وقدم للأجيال كل ما هو مفيد من خلال الاهتمام بتعليمهم.
وشهد ابن خلدون تقلبات كثيرة في عصره كالانكسارات والهزائم وانهيار حضارات في شرق العالم الإسلامي وغربه، وموت ونشأة دول، وتولّى العديد من المناصب فعندما أتم العشرين، حصل على وظيفة في محكمة تونس، ليصبح بعدها سكرتير عند سلطان المغرب، واستمر بذلك لعامين، حتى اشتبه بمشاركته في حركة تمرد فسجن لعامين، مر بعدها بحالة من الاستياء جعلته يقرر المغادرة إلى المغرب.
وفي العام الذي يليه تم إرساله إلى مدينة إشبيلية وذلك لإبرام معاهدة السلام مع بيدرو الأول في مدينة قشتالة، فلقي ابن خلدون ما لقي من ارتياح من قبل بيدرو الذي عرض عليه الوظيفة في خدمته، إلا أن ابن خلدون رفض ذلك بأدب.
كما كانت مصر إحدى محطات ابن خلدون المهمة فمكث في الاسكندرية لشهر ثم اتجه بعدها للقاهرة التي أخذ بجمال حضارتها وبنيانها، ووصف وقعها في نفسه وصفا رائعا، فقال: “فرأيت حضرة الدنيا، وبستان العالم، ومحشر الأمم، وكرسي الملك، تلوح القصور والأواوين في جوه، وتزهر الخوانك والمدارس بآفاقه، وتضيء البدور والكواكب من علمائه، وقد مثل بشاطئ بحر النيل نهر الجنة، ومدفع مياه السماء، يسقيهم النهل والعلل سيحه، ويحيي إليهم الثمرات والخيرات ثجة، ومررت في سكك المدينة تغص بزحام المارة، وأسواقها تزجر بالنعم…".
وحصل ابن خلدون في مصر على منصب قاضي قضاة المالكية، ولم يدخر وسعا في إصلاح ما لحق بالقضاء في ذلك العهد من فساد واضطراب، وأبدى صرامة وعدلا شهد له بهما كثير من المؤرخين.
مقدمة ابن خلدون
يعتبر ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع أو علم العمران البشري، ومن أشهر كتبه "مقدمة ابن خلدون" الذي ألفه كمقدمة لكتاب "العبر" وجمع فيه ميادين من المعرفة في مجالات كثيرة من العلوم، وتناول فيه أحوال البشر وطبائعهم والبيئة وأثرها على الإنسان، ويمكن تلخيص المقدمة في مجموعه نظريات وأسس وضعها ابن خلدون لتجعل منه المؤسس الحقيقي لعلم الاجتماع.
كما ألف ابن خلدون كتاب "العبر"، الذي كان يتكلم بالأصل عن تاريخ البربر، كما ميز بين "الربح" و "القوت"، وهي في الاقتصاد السياسي الحديث الفائض والمطلوب لإعادة إنتاج الطبقات على التوالي، كما أكد ابن خلدون على نظام النقد الإسلامي قائلًا أن العملة أو المال يجب أن يكون له قيمة جوهرية.
وفي عام 1406م، توفي ابن خلدون في مصر، عن عمر يناهز 78 عاما، وتم دفنه في مقابر الصوفية، وسارت القاهرة في وداعه العامة والعلماء والقضاة والأمراء.
aXA6IDE4LjE4OS4xNzAuMjI3IA== جزيرة ام اند امز