استطاعت القوى الكبرى تجاوز إشكاليات تحديد الأولويات العالمية بعد جائحة "كوفيد-19" بشكل كبير.
وذلك باتخاذها موقفاً حازماً يقضي بتوجيه الطاقات وتسخير الإمكانات لتحقيق الأمن السيبراني، والاهتمام بقضايا التغير المناخي كضرورة قصوى يتبعها التعافي في القطاعين الأساسيين الاقتصادي والصحي.
إن الارتقاء بمنظومة الأمن السيبراني، وما يوفره من حماية لا غنى عنها لأنظمة الشبكات والبرامج والمواقع الاستراتيجية المهمة من التهديدات الرقمية الخطرة كافة، التي قد يتعرض لها، يعتبر إحدى الدعائم الهامة في حماية القطاعات والمجالات الحيوية للدول التي باتت الرقمنة والأتمتة هي النافذة الرحبة التي تسمح من خلالها بالنظر نحو الاستشرافات الذكية والسبّاقة نحو المستقبل.
إن السلاح الاستراتيجي المأمول، أي الأمن السيبراني، وعلى الرغم من مفهومه الفضفاض والواسع أحياناً، ينبني على تراكمات معقدة من الخبرات والمعارف والشبكات، إذ يبتدئ من أفراد المجتمع فيما يتعلق بحماية الهوية، والتصدي لكل عمليات الابتزاز، وإيقاف سرقة أو فقدان البيانات المهمة بجميع أشكالها.
كما تقوم على هذا النوع من الأمن الحيوي مؤسسات المجتمع المركزية، من مستشفيات وشركات مالية وغير ذلك، وصولا إلى قيام مظلة أمنية عالمية مبنية على إرهاصات جادة من أجل تعزيز ثقة المكونات المجتمعية في القدرة على امتلاك أدوات التعامل الرقمي الآمن، وعلى تعزيز الابتكار والإبداع في هذا المجال، وبث ثقافة الاستثمار في الأمن السيبراني، والتي ستساعد في انبثاق إقبال واسع وهام في ذات المجال، دافعةً بالشركات الصغيرة والناشئة نحو توعية ملزمة بالانضمام لمنظومة الأمن السيبراني، وبالتالي بناء جدار عازل صلب بين المعلومات الشخصية والحساسة، وعمليات الاختراق والسرقة، مما يعني تقدماً في المسار العالمي في الاتجاه الصحيح.
وأما في ما يتعلق بقضايا التغير المناخي والحفاظ على البيئة، فقد بات هذا الملف مليئاً بالمخاطر التي تشكل تهديداً محدقاً باستمرارية حياة الإنسان على سطح الكوكب، بل أصبحت معظم رهاناته في هذا المجال أقرب ما تكون إلى فقاعة مؤهلة في أي لحظة للانفجار! ذلك أنه ومنذ التنبيه الأول عبر انعقاد قمة الأرض في ريو دي جانيرو بالبرازيل عام 1992، طفقت معظم دول العالم مبادِرةً باتخاذ الإجراءات وإصدار القرارات التي سيكون لها الدور في تصويب ما أفسده الإنسان في جسد "أمنا الأرض"، التي نعيش على أنفاسها، ومع ذلك لا ننفك نستمر في إيذاء رئتيها بأنانية مفرطة، إذ لا يزال الخطر مستمراً إلى يومنا هذا، بل ربما أصبحت -وللأسف الشديد- في حال أسوأ مما كانت عليه، لأن معظم تلك القرارات التي انطلقت من ريو دي جانيرو لم تتعد عتبة قاعة تلك القمة العالمية المشهودة، ولم تلبث حبيسة لتحديات مالية وتعثرات تطبيقية، وبخاصة في مدن الدول الصناعية الكبرى اللاهثة طوال اليوم من أجل مضاعفة إنتاجها.
نقلا عن الاتحاد الإماراتية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة