"فتح فاروشا" يغلق آمال فك عزلة أردوغان
قطع الرئيس التركي خيط أمل رفيعا مدته له الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مؤخرا، لفكّ عزلته الدولية، بفتحه ماضي مدينة فاروشا القبرصية.
الرئيس رجب طيب أردوغان لم يحمل التحذيرات الأوروبية الشهر الماضي من خطورة تنفيذ مشروعه لإعادة فتح مدينة فاروشا القبرصية، على محمل الجد، فأعلنت السلطات القبرصية الموالية له أمس الثلاثاء إعادة فتح جزئي للمدينة المهجورة تمهيدا لضمّها إلى الشطر المحتل.
وفتحت السلطات القبرصية التركية منطقة صغيرة للزيارات اليومية في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وقالت أمس الثلاثاء إن جزءا منها سيتم تحويله إلى الاستخدام المدني مع توفير آلية تمكن الناس من استعادة ممتلكاتهم، حسب تعبيرها.
عهد جديد.. وعزلة
فيما قام أردوغان بخطوة "استفزازية" بزيارة شمال قبرص أمس الثلاثاء، وإعلان "بدء عهد جديد" في فاروشا، "سيستفيد منه الجميع" مطلقا الاسم التركي للمدينة "ماراس".
هذه الخطوة فتحت على تركيا جبهات رفض كبرى من واشنطن وبروكسل وباريس ولندن، وأثينا المجاورة، تنسف التقارب الأخير بين أنقرة وهذه العواصم، تجعل أردوغان حبيس عزلة دولية كاد يخرج منها في اجتماعات مؤخرا مع تلك الأطراف.
خطوة أردوغان جاءت بالتزامن مع ذكرى مرور 47 عاما على الغزو التركي عام 1974 بعد انقلاب للقبارصة اليونانيين، دبره الجيش الذي كان يحكم اليونان آنذاك.
وبعد عام من التوترات، إثر الخلاف على استغلال الموارد البحرية في المتوسط عادت مؤخرا المحادثات بين تركيا وجارتها اليونان، حيث زار وزير الخارجية التركي أثينا، لكن نظيره لم يردّ الزيارة، بسبب استمرار خطوات أردوغان الاستفزازية، وتصريحات المسؤولين في حكومته، ما حال دون تقارب مستمر.
وتعيش علاقات الاتحاد الأوروبي وأنقرة منذ أعوام توترا بسبب الخلاف في ملفات مختلفة، أبرزها حقوق الإنسان، ومعاملة تركيا للمعارضين، منذ انقلاب يوليو/تموز 2016، وحملة التطهير التي شنها أردوغان في مفاصل الدولة، بل منذ انضمام قبرص إلى التكتل عام 2004.
كما أدت مهام التنقيب عن الغاز التي نفذتها أنقرة في المياه اليونانية والقبرصية بشرق البحر المتوسط ووجود الجنود الأتراك في ليبيا والتقارب بين تركيا وروسيا، إلى تفاقم هذه التوترات.
"تغيير الجلد"
وبعد سيل من تصريحاته الاستعراضية والعدائية ضد أوروبا في الأعوام الماضية، خفف أردوغان لهجته تجاه التكتل الأوروبي ودعا إلى أن يكون عام 2021 عام نجاحات في العلاقات مع بروكسل، وبدأ المسؤولون الأتراك في الحديث عن "صفحة جديدة".
وحاول أردوغان "تغيير جلده"، موزعا التهاني والاتصالات مع قادة الاتحاد الأوروبي، وتواصل مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لتخفيف آثار الإساءات المتكررة لشخصه، واستغل إصابة سيد قصر الإليزيه ورأس السنة الميلادية للتواصل الهاتفي بغية التقارب وتصحيح أخطاء الماضي.
تصحيح المسار
أما واشنطن التي بدأ فيها الرئيس جو بايدن علاقاته مع أنقرة باعتراف تاريخي بإبادة للأرمن، الأمر الذي شكل صدمة لأردوغان، الذي استدعى سفيره هناك، وندد بالقرار، وقالت الخارجية التركية، إن الاعتراف تسبب في "جرح في العلاقات سيكون من الصعب علاجه".
لكن الأيام سرعان ما حملت رغبة تركية لتصحيح المسار، فجمعت بروكسل على هامش قمة الناتو، منتصف الشهر الماضي الرئيس الأمريكي ونظيره التركي! ووصف أردوغان اللقاء"بالإيجابي والصريح"، وتعرضه لنقاش جميع ملفات التعاون المشترك، وآفاق التعاون المستقبلي.
لكن بايدن أبدى تجاهلا واضحا لنتائج اللقاء، مكتفيا عند سؤاله عن لقائه مع الرئيس أردوغان بالإشارة إلى تناول المناقشات المطولة بعد الملفات، وإن عبر عن شعوره بالرضا عن اللقاء، معطيا فرصة لأنقرة، لتصحيح الأخطاء، خصوصا مع تسمية الرئيس الأمريكي لسفير جديد لواشنطن في تركيا.
"فاروشا" تنسف الفرص
لكن مع هذا الجو المتاح لترميم علاقات أنقرة بالعواصم الغربية جاءت خطوة أردوغان في "فاروشا"، لينسف تلك الفرص، وهو ما ظهر في بيانات التنديد المتتالية شديدة اللهجة من تلك الدول.
فقد نددت وزارة الخارجية اليونانية بهذه الخطوة "بأشد العبارات"، بينما قالت بريطانيا، العضو الدائم في مجلس الأمن الدولي، إنها ستناقش القضية على وجه السرعة مع أعضاء المجلس الآخرين، موضحة أنها "تشعر بقلق عميق".
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية البريطانية إن "لندن تدعو جميع الأطراف إلى عدم اتخاذ أي إجراءات تقوض عملية التسوية القبرصية أو تزيد التوتر في الجزيرة".
وأبدى مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل قلقه العميق أمس الثلاثاء، وقال على تويتر إن "القرار الأحادي الذي أعلنه اليوم الرئيس أردوغان و(زعيم القبارصة الأتراك إرسين) تتار يخاطر بإثارة توترات في الجزيرة وتقويض العودة إلى المحادثات بشأن التوصل لتسوية شاملة للقضية القبرصية".
وفيما يعد ضربة للمساعي التركية الرامية نحو تقسيم قبرص إلى دولتين، أكد الاتحاد الأوروبي الخميس الماضي أيضاً رفضه القاطع لتلك الخطوة على لسان رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، التي زارت قبرص، وقالت: "أريد أن أكرر أننا لن نقبل على الإطلاق حل الدولتين. نحن مصرون على ذلك ومتفقون تماما".
واشنطن وجهت هي الأخرى في وقت مبكر من صباح اليوم الأربعاء، انتقادات لاذعة لمحاولات تركيا إعادة فتح مدينة فاروشا القبرصية؛ وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، إن الولايات المتحدة تدين "إعلانا صدر ونص على نقل أجزاء من بلدة مهجورة في قبرص إلى سيطرة القبارصة الأتراك".
وأضاف، في بيان، إن "الولايات المتحدة تعتبر ما يقوم به القبارصة الأتراك في فاروشا بدعم من تركيا استفزازياً وغير مقبول، ولا يتّفق مع الالتزامات التي قطعوها في الماضي، للمشاركة بطريقة بنّاءة في محادثات سلام".
وقسم الغزو التركي قبرص عام 1974 إلى قسم شمالي يسيطر عليه القبارصة الأتراك، ولا تعترف به سوى أنقرة، وقسم جنوبي غالبيته من القبارصة اليونانيين، وهو معترف به دوليا.
لكن الوضع الحالي للجزيرة الواقعة بالبحر المتوسط، لا يروق للرئيس التركي، الذي دعا إلى التفاوض من أجل حل الأزمة القبرصية على أساس دولتين، زاعما أن أسس التفاوض السابقة لم تعد ذات جدوى.
aXA6IDQ0LjIyMC4yNTUuMTQxIA== جزيرة ام اند امز