انتهاكات مروعة.. منظمة دولية تكشف فساد "مليشيات الدبيبة"
انتهاكات "مروعة" لحقوق الإنسان، ترتكبها مليشيات غربي ليبيا، والتي تتخذ من حكومة عبدالحميد الدبيبة المقالة، غطاء قانونيا للتستر وراءها.
تلك المليشيات والتي تمولها الحكومة الرافضة لتسليم السلطة، تقتات على معاناة الليبيين والمهاجرين على حد سواء، ما دفع منظمة العفو الدولية، إلى المطالبة بضرورة محاسبة تلك العناصر المسلحة والتي ينضوي معظمها تحت لواء مليشيا "جهاز دعم الاستقرار".
وقالت منظمة العفو الدولية -في تقرير اطلعت "العين الإخبارية" على نسخة منه- إن ترسُّخ الإفلات من العقاب في ليبيا شجَّع مليشيات دعم الاستقرار، على ارتكاب عمليات قتل غير مشروع، واحتجاز الأفراد تعسفيًا، واعتراض طرق المهاجرين واللاجئين واحتجازهم تعسفيًا بعد ذلك، وممارسة التعذيب وفرض العمل القسري، وغير ذلك من الانتهاكات المروعة لحقوق الإنسان وجرائم مشمولة في القانون الدولي.
"سحق" الأفراد
من جانبها، قالت ديانا الطحاوي نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى منظمة العفو الدولية، إنّ تأكيد شرعية قادة المليشيات الذين يرتكبون الانتهاكات وتقليدهم مناصب في الدولة، يمكّنهم من مُواصلة سحقهم لحقوق المزيد من الأفراد، وسط إفلات تامّ من العقاب.
وأشارت إلى أن المليشيات تحت قيادة الككلي دأبت على إرهاب الأفراد في حي أبوسليم بطرابلس لأكثر من عقد، بممارسة الإخفاء القسري والتعذيب وتنفيذ عمليات القتل غير المشروع وغيرها من الجرائم المشمولة في القانون الدولي، مطالبة بمقاضاته في إطار محاكمة عادلة، إذا توفرت أدلة كافية مقبولة.
وأرسلت منظمة العفو الدولية السلطات الليبية بشأن البلاغات التي تلقتها ضد عبدالغني الككلي ونائبه السابق لطفي الحراري في 19 أبريل/نيسان 2022، مُطالبة السلطات بإقالتهما من منصبَيْهما، دون جدوى.
وأجرى وفد من منظمة العفو الدولية زيارة إلى ليبيا في فبراير/شباط 2022، وتحدث إلى 9 أشخاص أفادوا بتعرُّضهم لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان على أيدي عناصر مليشيا دعم الاستقرار، وكذلك ثمانية من أفراد أسرهم وثلاثة نشطاء.
اعتراض المهاجرين
وأخبر 3 مهاجرين منظمة العفو الدولية بأنهم كانوا يُحتجَزون مع مئات الأشخاص الآخرين في فبراير/شباط 2022 بمركز احتجاز الماية المُكتَظ، والذي يفتقر إلى التهوية الكافية ويقع تحت سيطرة مليشيا دعم الاستقرار.
وأكد المهاجرون الثلاثة الذين اضطروا للشرب من مياه المرحاض، أنهم رأوا الحُرَّاس يعتدون بصورة منتظمة على المهاجرين واللاجئين المُحتجَزين بالضرب، ويُجبِرونهم على العمل القسري، ويغتصبونهم ويمارسون بحقهم ضروبًا أخرى من العنف الجنسي، بما في ذلك البغاء القسري.
وأكدت ديانا الطحاوي أن "ما يتعرَّض له اللاجئون والمهاجرون من احتجاز جماعي تعسفي وتعذيب وعمل قسري واغتصاب وغير ذلك من انتهاكات شنيعة على أيدي أفراد مليشيا دعم الاستقرار، يأتي بمثابة تذكير أليم بأنه لا ينبغي إعادة اللاجئين أو المهاجرين الذين يُعتَرضون في عرض البحر إلى ليبيا؛ فينبغي على الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء تعليق أي عمليات مشتركة مع ليبيا بشأن الهجرة ومراقبة الحدود على جناح السرعة، ويجب عليهم العمل على رهن أي تعاون مستقبلي مع ليبيا بإنهاء السلطات الليبية سياسة الاحتجاز التعسفي للمهاجرين واللاجئين، وإجراء تحقيقات فعَّالة بشأن الجرائم المُرتكَبة بحقهم".
الإخفاء القسري
ووثقت منظمة العفو الدولية جرائم اُرتُكِبَت مؤخرًا، بينها حالات إخفاء قسري وأعمال قتل على أيدي أفراد مليشيا دعم الاستقرار تحت قيادة غنيوة، بينها العثور على جثة رجل يبلغ من العمر 34 عامًا، في أغسطس/آب 2021، وظهرت عليها بوضوح علامات تعذيب، بعد أن اختطفه المليشيا قبل ذلك بأيام في طرابلس.
وعلى مدى الأعوام العشرة الماضية، وثّقت منظمة العفو الدولية حالات احتجاز تعسفي وإخفاء قسري وأعمال تعذيب وقتل غير مشروع وجرائم أخرى مشمولة في القانون الدولي على أيدي عناصر مليشيا الأمن المركزي في أبوسليم وقبله المجلس العسكري بالحي تحت قيادة غنيوة ونائبه ورئيس وحدة التحقيقات آنذاك، لطفي الحراري، الذي يترأس حاليًا جهاز الأمن الداخلي في طرابلس؛ وهو مليشيا أخرى متورطة في جرائم وانتهاكات لحقوق الإنسان.
وقائع "مأساوية"
وقال 6 أشخاص لمنظمة العفو الدولية، كانوا مُحتجَزين بين عامَيْ 2016 و2019، في منشأة احتجاز يُديرها الأمن المركزي بأبوسليم، حينما كان غنيوة يتولى القيادة، إنهم أُخضِعُوا لعمليات إعدام وهمية وحُرِموا من الطعام وتعرَّضوا للضرب والصعق بالصدمات الكهربائية وأعمال العنف الجنسي والحرمان من الرعاية الطبية في أثناء احتجازهم.
وأفاد رجل اُحتُجِز بين مايو/أيار وأكتوبر/تشرين الأول 2018، بأنه تعرَّض للضرب على نحو منتظم بمواسير المياه والعصِيّ وأعقاب البنادق، خلال احتجازه في غرفة صغيرة من دون مرحاض، مشيرًا إلى أن لطفي الحراري اعتدى عليه بالضرب، عدة مرات، وهدده بالاغتصاب وأطلق عليه الرصاص الحي.
وذكر رجل آخر اُحتُجِز خلال الفترة ذاتها تقريبًا لمنظمة العفو الدولية أن لطفي الحراري قد أمره هو ومُحتجَزين آخرين بالوقوف في مواجهة الحائط قبل إطلاق النيران عليهم بمسدسه، ما أدى إلى إصابة بعضهم في الأطراف.
وتعرَّض معظم المُحتجَزين للإخفاء القسري، بينما رفضت عناصر المليشيا إطلاع أسرهم على مصيرهم أو مكان وجودهم لمدة أشهر وأعوام في بعض الحالات.
ووفقًا للقانون الجنائي الدولي، يتحمل القادة العسكريون المسؤولية الجنائية الفردية، إذا عَلِموا أو توجَب عليهم العلم بأن تابعيهم يعتزمون ارتكاب أو كانوا يرتكبون جرائم، ولم يتخذوا جميع التدابير اللازمة والمعقولة في نطاق سلطتهم لمنع وقوعها، أو محاسبة الأشخاص المسؤولين في حالة ارتكاب هذه الجرائم بالفعل.
ما هي مليشيات دعم الاستقرار؟
يتولى عبدالغني الككلي، المعروف بـ"غنيوة" وهو أحد أكثر قادة المليشيات نفوذًا في طرابلس، قيادة مليشيا جهاز دعم الاستقرار، التي أُنشِئت بموجب قرار حكومي في يناير/كانون الثاني 2021؛ وتولى الككلي منصبه، رغم تاريخٍه الحافل بجرائم مشمولة في القانون الدولي وغيرها من الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان ارتكبتها المليشيات تحت قيادته، ووُثِّقت على نحو وافٍ.
وتكلَف بحماية أمن المباني الحكومية والمسؤولين الحكوميين، والمشاركة في عمليات القتال، واعتقال المُشتبَه في ارتكابهم جرائم تمس الأمن الوطني، والتعاون مع هيئات أمنية أخرى.
وخصصت الموازنة المُقترَحة لحكومة الدبيبة "المقالة" لعام 2021، 40 مليون دينار ليبي (8.9 مليون دولار أمريكي) لمليشيا دعم الاستقرار، يشمل 5 ملايين دينار ليبي (1.1 مليون دولار أمريكي) لرواتب العاملين بالجهاز، إلى جانب المدفوعات الإضافية الخاصة.
وفي فبراير/شباط 2022، وافق الدبيبة، على صرف 132 مليون دينار ليبي (حوالي 28 مليون دولار أمريكي) إلى مليشيا دعم الاستقرار، التي وسعت منذ تأسيسها، نطاق نفوذها بوتيرة متسارعة ليمتد خارج طرابلس إلى الزاوية وبلدات في غرب ليبيا.