في إدانة القضاء البلجيكي للدبلوماسي الإيراني أسد الله أسدي بتهمة تدبير هجوم ضد تجمع للمعارضة قرب باريس عام 2018.
إقرار أوروبي بأن خطر نظام طهران لا يتوقف عند حدود الشرق الأوسط، ولا ينحصر في امتلاكها للقنبلة النووية. فالنظام الإيراني عدائي بعقليته التي يتعامل فيها مع الداخل والخارج على السواء. و"العدو"، أياً كانت ماهيته، هو أهم أسباب وجوده واستمراره.
"الدولة" التي خططت لهجوم أسدي هي إيران. وهي لا تمتلك حتى الآن سلاحاً نووياً، ولكنها تمتلك مليشيات ومرتزقة تعيث فساداً وخراباً وموتاً في أربع دول عربية، كما أن عصاباتها تمارس الجريمة والإرهاب في جميع القارات. هذه الحقيقة يدركها الجميع، ولكن هناك من يتخذ إجراء لحماية العالم من إيران، وهناك من يكابر أو يتغاضى "لغاية ما في نفس يعقوب".
إيران غير النووية ربما تكون خطيرة بما يكفي ليقف الجميع في مواجهة سلوكها العدائي. ومن يسعى لمنعها من امتلاك سلاح نووي بحجة أنه يحمي المنطقة والعالم، عليه أن يدرك أن رغبة النظام الإيراني في ذلك السلاح هي واحدة من تجليات هذا السلوك وليست مصدره. بمعنى أن حكام طهران اليوم يريدون القوة النووية للإمعان في عدائيتهم، والتصعيد في إرهابهم وترهيبهم للعالم ولشعبهم.
إن اختزال خطر النظام الإيراني بالقنبلة النووية هو إجحاف مقصود بحق الإيرانيين ودول المنطقة. ومحاكمة أسدي تؤكد خطأ النظرية التي تقول إن النظام الإيراني ليس إلا مجرد فزاعة للغرب تثير القلق والنزاعات في المنطقة لتنتعش تجارة السلاح، وبالتالي لن يطرق خطرهم أبواب أوروبا وأمريكا. محاكمة أسدي تقول باختصار إن الإرهاب الإيراني، كما الداعشي، يهدد جميع دول العالم.
عندما تخطط لقتل وتفجير واغتيال معارضين إيرانيين حول العالم، فأنت تهدد حقوق الإنسان وحرياته التي تفاخر دول الغرب بحمايتها. لا يمارس النظام الإيراني إجرامه هذا باستخدام القنبلة النووية، وإنما بعقلية يتبناها أشخاص مثل أسدي. وهي العقلية ذاتها التي تتعامل مع المعارضين داخل إيران وتدفعهم إلى الهرب واللجوء إلى الغرب.
خطر النظام الإيراني وقع أولاً على الرافضين له في الداخل، وكان يتوجب على المجتمع الدولي أن يمنع ذلك ويحمي حقوق الإنسان في إيران. ولأنه تقاعس عن ذلك مرارا، باتت البلاد تشهد أسبوعياً إعدامات بحق نشطاء ومناهضين للنظام، وأصبح النظام الإيراني يلاحق المعارضين له في القارة العجوز والعالم عموماً، حتى بلغت جرأته حد التخطيط لمجزرة كالتي كان ينوي تنفيذها أسدي.
عشرات النواب في البرلمان الأوروبي يطالبون حكوماتهم بعدم تجاهل تردي حقوق الإنسان في إيران، لأن ذلك هو ما يرسل إشارات خاطئة لنظام طهران ويدفعه إلى الإمعان في انتهاكاته داخل وخارج البلاد. يدرك هؤلاء النواب جيداً أن النظام الذي يقتل مواطناً يخالفه الرأي، يقتل جاراً لا يتفق معه في التوجه، ويدمر دولة من أجل أن يهيمن على مقدراتها وخيراتها ويسيطر على شعبها.
هذه اللغة المنقوصة في انتقاد النظام الإيراني ووصفه صراحة بالإرهاب والجريمة حتى دون أن يمتلك سلاحاً نووياً، هي التي سمحت لهم باستباحة حياة الإيرانيين وسكان المنطقة العربية. وإن تمسك المجتمع الدولي بهذا الخطاب أكثر، وبقي يحصر انتقاداته لطهران في برنامجها النووي، فإن السلام في الشرق الأوسط لن يتحقق أبداً، ولن تنعم المنطقة والعالم ككل بأمن وهدوء واستقرار أبداً.
ما تبوح به التسريبات، وتهمس به المصادر المجهولة في عواصم الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، لا يبعث على التفاؤل كثيراً بوجود تغيير جذري في لغة الأوروبيين والأمريكيين مع النظام الإيراني، ولكن بعضاً من الاختلاف يمضي إلى التحقق خلال المفاوضات المحتملة بين الغرب وطهران بشأن برنامجها النووي. ليس تكهناً بل تفكراً بما يصدر من مواقف وتصريحات.
عندما تنادي فرنسا، إحدى الدول الست الموقعة على اتفاق لوزان المبرم مع إيران في عام 2015، بمشاركة السعودية وإسرائيل في المفاوضات المقبلة مع طهران حول برنامجها النووي، تستنتج أن الغرب بات يتفهم مواقف دول المنطقة بشأن طهران، ويدرك الخطر الذي يشكله النظام الإيراني على هذه الدول. وهو ما يعني أن الأوروبيين والأمريكيين لن يمارسوا "الخبث" في الاتفاق مع طهران على حساب حلفائهم في الشرق الأوسط، أو على الأقل لن يمنحوا النظام الإيراني جوائز ترضية مقابل الاتفاق، كما فعل الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما.
التصريحات الفرنسية والألمانية والبريطانية التي تقول إن الاتفاق النووي المبرم مع طهران لم يعد كافياً، تدلل على ذات الاستنتاج. لن يكون الأمر سهلاً على النظام الإيراني كما كان قبل ست سنوات، ولن يتجاهل المفاوضون كل ما حملته السنون من متغيرات مثل إدراج أمريكا وأوروبا لأذرع إيران على قوائم الإرهاب، وتبدل التحالفات في المنطقة على ضوء اتفاقات السلام التي أبرمتها إسرائيل مع بعض الدول، وتلك التي تسعى لإبرامها قريباً تحت الرعاية الأمريكية.
اللقاء الذي جمع وزير الخارجية الأمريكي مع نظرائه في فرنسا وألمانيا وبريطانيا مؤخرا، أطلق العد التنازلي للتفاوض مجدداً مع إيران. ما خفي من خبايا اللقاء أعظم مما خرج إلى العلن، ولكن ما وصفه وزير الخارجية الفرنسي بالمباحثات المهمة للتعامل مع "التحدي النووي والأمني الإيراني"، يوحي بأن خطوطاً حمراء جديدة قد رسمت للإيرانيين. إن كان بينها ما يستهدف عدائيتهم تجاه الداخل قبل الخارج، استحق الأمر انتظاراً وتفاوضاً، وإن لم يكن فخطر إيران غير النووية سيبتلع كل جهد دولي قادم لإحلال السلام وبسط الأمن في المنطقة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة