كان العام المنصرم زاخرا بالحوادث التراجيدية الخطرة في معظمها ومن دون أسف ودعه العالم ليستقبل عاما جديدا لن يكون على الأرجح أفضل من سلفه
كان العام المنصرم زاخراً بالحوادث، التراجيدية الخطرة في معظمها. ومن دون أسف ودّعه العالم ليستقبل عاماً جديداً لن يكون، على الأرجح، أفضل من سلفه، بل في أحسن الأحوال، مجرد مستكمل ومكرس لمآسيه: تفجيرات إرهابية ضربت العالمين الإسلامي والغربي على حد سواء، مجازر في سوريا، أنظمة تزداد تشدداً، من روسيا إلى الصين مروراً بتركيا، بداية تفكك المنظومة الأوروبية على يد اليمين المتطرف والبريكست.. وأخيراً وليس آخراً مفاجأة انتخاب دونالد ترامب بعد حملة انتخابية تميزت ببذاءة العبارة ودنو المستوى وشعبوية الخطاب. ولم ينتظر الرئيس المنتخب طويلاً قبل أن يعين في قيادة إدارته سبع عشرة شخصية متطرفة تملك من المال ما يملكه ثلث الشعب الأمريكي أو ما يعادل الناتج الإجمالي الداخلي لسبعة عشر بلداً من الأفقر في العالم.
الإرث الذي يتركه العام 2016 ثقيل جداً. فالإرهاب انتشر كالسرطان في جسم عالم فقد البوصلة، والشعبوية استقرت في قمة السلطة في المزيد من الدول، في الفلبين مثلاً التي هدد رئيسها بإرسال مئة ألف شخص إلى القبور، أو بولونيا وهنغاريا اللتين تحتقر حكومتاهما حرية الصحافة واستقلالية القضاء ، وتنشران الحقد والعنصرية إزاء النازحين لاسيما المسلمين منهم. من ناحيتها انتشرت المخاطر البيئية مع ارتفاع الحرارة إلى مستويات غير مسبوقة، في وقت يعلن فيه دونالد ترامب بأن اتفاق باريس «كوب 21» حول المناخ مجرد ورقة سيمزقها.
أما عن العام الذي يفتح ذراعيه فمن الواضح، منذ اللحظة، أن الغلبة فيه ستكون للسفيه، وبأن القانون سيكون فيه إلى جانب الأقوى، أما الديمقراطية وحقوق الإنسان والتنظيم الدولي وما شابه فستكون محتقرة أو محاربة. بطلا المسرح الدولي المقبل معروفان منذ اليوم، بوتين وترامب اللذان يتقاسمان الرؤية نفسها للقوة والأنانية الوطنية، وعلى الأرجح أن يتفاهما على حساب الضعفاء في العالم. ترامب سيترك بوتين يستكمل دوره في سوريا، والاثنان يعلنان بأنهما سيزيدان من قدرات بلادهما النووية. وعلى مستوى أدنى فإن ستيفان بانون، اليميني المتطرف الذي عيّنه ترامب مستشاراً له، يحلم بفدرلة الأحزاب اليمينية المتطرفة في العالم الغربي.
في هذا العام الذي يحمل الرقم 2017 سيكون هناك انتخابات في ليبيريا ورواندا والسنغال ولبنان وغيرها، لكنها انتخابات لن تغير شيئاً في مسار العالم. الانتخابات التي من شأنها إحداث تغيير ما، هي تلك التي ستحدث في فرنسا في الربيع المقبل (الرئاسية وستتبعها التشريعية) وهولندا (في مارس/ آذار) وألمانيا( سبتمبر/ أيلول)، لأن التوقعات بفوز اليمين الشعبوي المتطرف، إذا ما تحققت، فإنها قد تغيّـر وجه أوروبا التي تستعد لمفاوضات صعبة ومريرة حول خروج بريطانيا من الاتحاد. هذا الأخير سيحتفل، في 25 مارس/ آذار المقبل، بمرور ستين عاماً على معاهدة روما التي تتطلع في مقدمتها إلى «اتحاد أكثر فأكثر وثوقاً بين الشعوب الأوروبية»، وإذا بها اليوم تعاني أخطر أزمة هوية وانقسام سياسي في تاريخها. وهكذا فمن الأرجح أن تبقى أوروبا في العام المقبل خارج السباق العالمي ومجرد قزم سياسي وعسكري. يوماً ما قال كيسنجر عنها «ما رقم هاتفها؟». لكن هذه المرة ليس من المؤكد أن يسعى ترامب أو بوتين إلى الاتصال بها.
على صعيد آخر من المؤكد بأن الإرهاب، لاسيما الداعشي منه، سوف يستمر في هذا العام وبوتيرة ربما أكثر وحشية مما عرفناه. فالمعلومات المسرّبة تشي بأنه بعد عملية إسطنبول الإرهابية خلال حفل رأس السنة، أصدر البغدادي أوامره لخلاياه الإرهابية في العالم، بالقيام بما يمكن من تفجيرات توقع العدد الأكبر من الضحايا. ومن المؤكد أن التنظيم الإرهابي سيعاني المزيد من الهزائم في معقليه السوري والعراقي، الأمر الذي سيدفعه إلى التركيز على العمليات الإرهابية حيث يمكن له أن يفعل.
رغم كل شيء يبقى دخول الرئيس الأمريكي الخامس والأربعين البيت الأبيض هو الحدث المنتظر الأبرز والذي عليه يترتب شكل النظام العالمي المقبل. لقد وعد بإعادة أمريكا إلى مجدها، وبالتحالف مع بوتين، وببناء جدار مع المكسيك، وبطرد الملايين من المهاجرين غير الشرعيين، وبإعادة النظر بالاتفاق النووي مع إيران وباتفاق باريس حول المناخ، وبفتح حرب تجارية مع الصين.. الخ. ولكن من المؤكد بأنه لن يستطيع الوفاء بكل وعوده، وقد بدأ بالفعل يتراجع عن بعضها ، ولمّا يتسلم السلطة بعد. لكن معه سيتعرف العالم إلى نمط جديد من الرؤساء لم يعرفه من قبل. ومن المؤكد أن نظاماً عالمياً جديداً سينبني في هذا العام نتيجة العلاقة الأمريكية - الروسية الجديدة والتي في أقل تقدير ستدعو بوتين إلى المفاضلة ما بين تحالفاته القديمة (الصين، إيران..) والحلف الجديد المعروض عليه. على الأرجح أن يختار دور الوسيط أو بيضة القبان في علاقات دولية جديدة سيكون له الدور الأفعل فيها.
لا حاجة للقول إن الخاسر الأكبر هذا العام، كما في الأعوام التي سبقت، ستكون القضية الفلسطينية، وإن أمام «إسرائيل» سنة ذهبية جديدة إزاء عالم عربي يتمزق، اللهم إلا إذا نفّذ ترامب وعده بنقل سفارته إلى القدس، عندها فإما أن يختلط الحابل بالنابل ويحدث ما ليس بالحسبان والتوقّع، وإما أن يمر الحدث مرور الكرام. في الحالتين سيحمل العام 2017 عندها عنوان «القدس» ويؤسس لتاريخ جديد لفلسطين والعرب والمسلمين.
* نقلا عن صحيفة الخليج
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة