هناك مؤشرات كثيرة، تدلّ على أن الساحة السياسية الدولية ستشهد تحولات دراماتيكية، خلال السنة الجديدة.
هناك مؤشرات كثيرة، تدلّ على أن الساحة السياسية الدولية ستشهد تحولات دراماتيكية، خلال السنة الجديدة. وربما ستكون لهذه التحولات، آثار كبرى على العلاقات الدولية وعلى توزيع المسؤوليات في القضايا التي هزت الاستقرار والسلام العالميين خلال السنوات الماضية.
الرئيس الأمريكي، الجديد الذي سيتم تنصيبه في العشرين من الشهر الجاري، تعهد باتخاذ خمسة إجراءات ذات أهمية، في اليوم الأول لتنصيبه، كرئيس جديد للولايات المتحدة. ومن بين هذه القرارات، التي تعهد بها ترامب، انسحاب بلاده من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي، والدخول في مفاوضات شراكة وتجارة جديدة. ومثل هذه الخطوة قد تنذر، بأن الاتفاقيات التجارية الدولية، لن تكون مستقرة في عهد الرئيس الجديد، بل ستشهد تغيرات هيكلية، خاصة أن ترامب، يوجه خطابات تبدو معادية للصين، وهذا ما سيجعل العلاقة بين أكبر قوتين اقتصاديتين، علاقة تنافس حاد وتجاذبات غير محدودة، ستؤثر طبعاً على العلاقات الدولية وستزيد من حدة الاصطفافات في هذا الطرف أو ذاك.
من التحولات المرتقبة كذلك ما قد يطرأ على الاقتصاد العالمي من اهتزازات عميقة نتيجة عدم وضوح الرؤية العالمية، لما قد تتخذه إدارة ترامب من قرارات اقتصادية غير محسوبة العواقب. ملف الطاقة سيكون أحد أكثر القطاعات اضطراباً بما أن واشنطن الجديدة قد تقرر استغلال احتياطيها بشكل غير مسبوق، وهو ما قد يؤثر في أسعار الطاقة العالمية.
وعلى خلاف ذلك تعهد ترامب، بأن تكون علاقات بلاده مع روسيا، أفضل مما كانت عليه في عهد أوباما. وربما ستكون لهذا التقارب، آثار واضحة على بعض الملفات الدولية الشائكة مثل الملف السوري والملف الأوكراني، وعلاقات الولايات المتحدة بالناتو، و بالصراع الدائر بين أوروبا وروسيا. وقد يكون الاتفاق الروسي التركي على تنظيم مفاوضات بين النظام السوري و المعارضة في كازاخستان، منتصف شهر يناير الجاري، و قبل خمسة أيام فقط من تنصيب ترامب، يأتي ضمن اتفاق مسبق بين أمريكا الجديدة وروسيا على أن الولايات المتحدة ستدعم مثل هكذا خطوات لإنهاء الأزمة السورية. وربما فهم أردوغان أن التغيير قادم لا محالة في ما يتعلق بنظرة واشنطن للأوضاع في سوريا، لذلك استبق هذا التغيير بالدعوة لمفاوضات قد تنهي الأزمة التي دامت نحو ست سنوات. ولكن هذا لا يعني أن الشرق الأوسط سيشهد، حالة استقرار بعد القضاء على تنظيم داعش. بل على العكس من ذلك فمن المرتقب أن تندلع أزمات جديدة تهدد أمن هذه المنطقة. فالرئيس الجديد يتوعد إيران وهو يعتبر أن ما قامت به إدارة أوباما خطأ استراتيجي، لأنها منحت إيران كل عناصر القوة. ولذلك استقدم ترامب مسؤولين معادين لإيران في مناصب مهمة وحساسة، ما يشي بدورة صراع جديدة بين طهران وواشنطن. ولكن الأخطر من هذا هو الوعيد الذي أطلقه ترامب بعد تصويت مجلس الأمن على إدانة الاستيطان «الإسرائيلي»، فقد دون ترامب على موقع تويتر «ابقي قوية يا «إسرائيل»، فعشرين يناير اقترب». وفي هذا تأكيد ل«إسرائيل» على دعم مطلق لأنشطتها الاستيطانية والعدوانية، بل إن الرئيس الجديد، يبدو أن علاقته بالعالم الإسلامي لن تكون جيدة، بما أنه تعهد بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، في تحد لمشاعر أكثر من مليار مسلم. وعليه فإن سنة 2017، ستكون معركة القدس بامتياز. وقد استهلها العدوان «الإسرائيلي» بعمليات اغتيال لقادة عسكريين في المقاومة الفلسطينية، محمد الزواري في ديسمبر 2016. ثمة عامل آخر سيخلق تطورات غير محسوبة العواقب، وهذا يتعلق بما ستؤول إليه نتائج الانتخابات في كل من فرنسا وألمانيا، الدولتان اللتان تصارعان من أجل الحفاظ على وحدة الكيان الأوروبي. فنتائج انتخابات فرنسا في أبريل نيسان ومايو أيار 2017، ونتائج الانتخابات الألمانية في سبتمبر/أيلول المقبل، ستكون محددة لمستقبل الاتحاد، الذي يجر خيبات اقتصادية ثقيلة، ويعاني من تصاعد اليمين الشعبوي الداعي إلى تنظيم استفتاءات الخروج من الاتحاد. ولعل أي تحول دراماتيكي في هاتين الدولتين، سيكون له أثر سلبي على مستقبل الاتحاد الأوروبي.
والسؤال الذي يطرح في هذا المستوى، أين العرب من كل هذه التحولات التي قد تحدث؟ وأي أفق لعمل عربي مشترك في خضم هذه التحولات؟ الحقيقة التي لا بد للجميع أن يعترفوا بها ودون أي خجل هي أن مؤسسة الجامعة العربية قد انتهت، وأصبحت حملاً ثقيلاً على الدول، وهي غير قادرة على أن تلعب أي دور مهماً كان أو بسيطاً في التأثير في القرار الدولي.
إن الوجود العربي صار مهدداً في الصميم، وتحولات السنوات الست الماضية تركت خدوشاً وندوباً يصعب علاجها في المستقبل، ولكن الخدوش والندوب قد تتعفن أكثر إن واصل العرب التعامل مع قضاياهم ومع خلافاتهم، بذات الآليات البالية. إن الوضع الدولي يتغير في كل الاتجاهات، والمطروح على العرب أن يتغيروا أيضاً، ولكن نحو أفق أرحب. وإن لم يتغيروا في هذه السنة الجديدة، فإنه لن يكون لهم أي مكان في السنوات المقبلة.
نقلا عن جريدة الخليج
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة