مع نهاية فترة إدارة باراك أوباما، تمخض مجلس الأمن وولد قراراً أممياً يدين الاستيطان.
مع نهاية فترة إدارة باراك أوباما، تمخض مجلس الأمن وولد قراراً أممياً يدين الاستيطان، والذي هو غير شرعي بموجب القوانين والأعراف الدولية أصلاً أي أن قرار 2334 للعام 2016 هو تأكيد لحقيقة قائمة ليس إلا، وقد سمحت واشنطن بتمرير هذا القرار بموقف باهت ممثل بامتناعها عن التصويت وعدم رفعها الفيتو كالعادة لحماية إسرائيل، وقد سبق أن منعت هذه الإدارة تمرير قرار يدين الاستيطان في العام 2011 بممارسة حق النقض.
يأتي السؤال حول الذي استجد لجعل أوباما يصمت ويدع القرار يمر بسلام!
بالنسبة لحكومة نتنياهو، فإن القرار قرار أمريكي بامتياز، وإدارة أوباما هي كاتبة ومنتجة ومخرجة هذا القرار ولكن عبر دول أخرى، وقد أشار باراك ريفيد، كاتب عمود في الصحيفة الإسرائيلية «هاراتس» إلى وثيقة سربت أشارت إلى تعاون أمريكي - فلسطيني في استصدار قرار يدين بناء المستوطنات في أراضي 1967 المحتلة، وقد تعهدت واشنطن بعدم استخدام حق النقض ضد القرار، وجاء في الوثيقة أن اجتماعاً ضم وزير الخارجية جون كيري ومستشارة الأمن القومي سوزان رايس، وأن إدارة دونالد ترامب القادمة خطيرة جداً لأنها تختلف عن كل الإدارات السابقة وستنفذ وعدها بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس.
إذا كانت هذه الوثيقة المسربة صحيحة فهل حاولت إدارة أوباما قطع الطريق على ترامب بعدم الاعتراض على قرار يشير إلى القدس كأرض محتلة. وكما هو متوقع نفت الإدارة الاتهام جملة وتفصيلاً، ولسان حالها يقول هذا شرف لا ندعيه وتهمة لا ننكرها.
الغريب أن كثيراً من المراقبين يعدونه قراراً تاريخياً لجهة أن الولايات المتحدة لم تمارس حق الفيتو أو تعطل قراراً ينتقد إسرائيل، والحقيقة أن هذا كلام مجافي للواقع، ولا يشكل القرار الأخير سابقة، فالولايات المتحدة امتنعت عن التصويت لقرار 471 في العام 1980 يدين الاستيطان، بل ان الولايات المتحدة ذهبت ابعد من ذلك حيث ساندت قرارات تدين أعمالاً إسرائيلية ضد الفلسطينيين كمذبحة الحرم الإبراهيمي في 1994، كما صوتت للقرار 672 لعام 1990 والذي شجب قتل الفلسطينيين من قبل القوات الإسرائيلية.
قرارات مجلس الأمن تعتبر ملزمة قانونياً لأعضاء الأمم المتحدة حيث تشير المادة 25 من الفصل الخامس «يتعهد أعضاء الأمم المتحدة بقبول قرارات مجلس الأمن وتنفيذها وفق هذا الميثاق»، بينما تعتبر قرارات الجمعية العامة ملزمة أخلاقياً لأعضاء الأمم المتحدة، ولكن العبرة في إقرار آلية لتنفيذها وهو أمر لم ولن توافق الولايات المتحدة على اتخاذه.
إذن لماذا انزعجت حكومة نتنياهو من قرار رغم الزاميته القانونية في الوقت الذي لا يحمل آلية للتنفيذ؟ إدارة أوباما أقرت صفقة عسكرية كبرى غير مسبوقة لإسرائيل تقدر بـ38 مليار دولار للعشر السنوات القادمة، ولو كانت إدارة الرئيس أوباما جادة في مسألة الاستيطان لربطت على الأقل هذه الصفقة بالامتناع عن بناء مستوطنات جديدة.
ثم جاء خطاب جون كيري وزير الخارجية الأمريكية والذي استثمر كثيراً من رأس المال السياسي لإيجاد حل للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني وعاد بخفي حنين. وقد أشار احد الصحفيين إلى ان خطاب كيري جاء على خطى مقالة نشرها في العام 1977 وكيل وزارة الخارجية في إدارتي كيندي وجونسون جورج بول تحت عنوان «كيف تنقذ إسرائيل رغماً عنها؟».
وعند سماع خطاب كيري يتذكر السامع كلمات جورج بول الدبلوماسي المحنك والذي أنذر إدارة جونسون من التورط أكثر في فيتنام، ويسعى كيري في خطابه لإقناع الكثير بأن حل الدولتين يخدم مصالح الجميع وخاصة إسرائيل.
الواقع الديموغرافي والذي يشير إلى تساوي عدد الفلسطينيين العرب مع عدد الإسرائيليين اليهود في فلسطين التاريخية، أي الحدود ما بين نهر الأردن والبحر المتوسط، وإسرائيل ببنائها للمستوطنات ومصادرتها للأراضي الفلسطينية تقضي على حل الدولتين.
يرى كيري في هذه الحالة احتمالين لا ثالث لهما: إما أن تكون إسرائيل دولة يهودية أو دولة ديمقراطية، ولكن لا يمكن أن تكون الاثنين. فدولة نصفها من الفلسطينيين لا يمكن أن تكون يهودية إلا بإلغاء النظام الديمقراطي، أو أن تصبح ديمقراطية وتتخلى عن هويتها اليهودية.
لا شك في أن هذا الخطاب جاء متأخراً حيث لم يبق للإدارة إلا حوالي أسبوعين، ولكن حرص الإدارة على هذا التحرك الدبلوماسي في الوقت الضائع قد تكون له دلالات عميقة، أولاها حرص الولايات المتحدة على بقاء إسرائيل دولة يهودية، وموالية لها في وسط عربي إسلامي.
وثانيها، أن إدارة أوباما باتت مقتنعة أن الاستقطابات السياسية الداخلية في إسرائيل خلال العقدين السابقين حولت إسرائيل إلى دولة يمينية - دينية لا تقبل بفكرة الدولتين، وان على الولايات المتحدة ان ترمي بثقلها لتغيير الواقع والتخلص من نتنياهو وحكومته عندما يشعر الناخب الإسرائيلي بتدهور العلاقات مع الحليف الأهم الولايات المتحدة، وثالثها، ان القرار بالامتناع عن التصويت يشي بالغضب الذي يشعر به أوباما وكيري تجاه نتنياهو وما تحملاه من أذى ومراوغة من طرفه، وأخيراً، قد يكون القرار والخطاب نعي فعلي لحل الدولتين.
* نقلا عن البيان
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة