شباب الجامعات من القاهرة إلى الخرطوم، ومن بيروت إلى درعا، ومن صنعاء إلى تونس هم "المركب الرئيسي لقوى التأييد أو الرفض".
يواجه العالم المضطرب الآن حالة من القلق السياسي الممزوج بالتوتر الاقتصادي، مما يُحدث حالات من الحراك الاجتماعي غير الممنهج الذي ينذر -في معظم الحالات- بمجالات من الفوضى.
تجربة هذا الرجل التي استمرت 4 سنوات من النجاح نحتاج إلى الاستفادة منها عربياً، ونحن نواجه مرة أخرى عواصف سياسية رعدية، تحاول العصف بالاستقرار في العالم العربي مرة أخرى.
وفي عالمنا العربي الذي يشكل فيه الشباب نسبة متوسط 62% من تعداد السكان (من 18 إلى 30 عاماً) تصبح المسألة أكثر صعوبة.
وتزداد المسألة تعقيداً إذا علمنا بأن 44% من هذا المعدل هم طلاب معاهد عليا وجامعات.
هذا كله يجعل دور الجامعات بالغ التأثير على عقول وسلوكيات هؤلاء، وتصبح مسألة كفاءة وحكمة ومدى استنارة إدارات هذه الجامعات والمعاهد العليا مسألة حياة أو موت بالنسبة إلى الجامعة، والشباب، والاستقرار السياسي على حد سواء.
ولوحظ أن "الربيع العربي"، بما له وما عليه، اعتمد في وقوده البشري على هذه المرحلة السِّنّية، وكانت الجامعات هي المنصة الرئيسية التي تتحرك أو تهدأ منها حركة الشارع.
وهكذا أصبحت المعادلة المفهومة والواضحة للمعارضة والحكم، للمثقفين وللعامة، لأجهزة الأمن الوطني أو لأجهزة الاستخبارات المعادية، أن من يتحكم في الجامعات يتحكم في الشباب، ومن يتحكم في الشباب يتحكم في الشارع، ومن يتحكم في هذا الشارع يتحكم في معدل التوتر أو الاستقرار.
ويلاحظ أيضاً أن شباب الجامعات من القاهرة إلى الخرطوم، ومن بيروت إلى درعا، ومن صنعاء إلى تونس، ومن بنغازي إلى الجزائر، هم "المركب الرئيسي لقوى التأييد أو الرفض للأوضاع".
ومَن تابع أحداث الجزائر في الآونة الأخيرة سوف يفهم أن محاولة تعطيل النشاط الجامعي في مرحلة الجدل السياسي في الشارع الجزائري حول انتخابات الرئاسة كانت قضية محورية ودخلت في صراع محتدم بين القوى المختلفة.
البعض يقول إنه في حالة انفلات طلاب الجامعات فلا أمل ولا إمكانية حقيقية للسيطرة على سلوكهم أو إجبارهم على عدم تجاوز حدود وأسوار جامعاتهم، وكثيراً ما يتحولون -دون وعي- إلى أدوات في يد قوى معادية للاستقرار.
في مصر هناك تجربة عظيمة تستحق الاحترام والتعمق فيها وفهمها ودراستها، وهي تجربة رئاسة الدكتور جابر جاد نصار الرئيس السابق لجامعة القاهرة وعميد كلية الحقوق.
تولى الدكتور جابر، وهو رجل القانون، والأستاذ المتعمق في علمه، مسؤولية رئاسة جامعة القاهرة في فترة شديدة الحساسية ومرحلة بالغة التعقيد كانت آثار شحنات تأثير الربيع العربي على عقول ونفوس الطلاب طاغية، ضاعت فيها الخطوط الفاصلة بين دور الطالب ودور المواطن، وتحطمت فيها أسوار الجامعة، وسقطت قواعد الالتزام الصارمة بأن الجامعة هي منارة للعلم والتعلم بكل الكفاءة والحرية، شريطة أن يكون ذلك داخل أسوارها وليس من خلال استباحة كل شيء وأي شيء.
وحتى يعرف البعض دقة وحساسية منصب إدارة جامعة مثل جامعة القاهرة يكفي أن نرصد الآتي:
تأسست جامعة القاهرة عام 1908 تحت اسم الجامعة المصرية، وهي تضم الآن 20 كلية و5 معاهد و3 مراكز، ويدرس فيها أكثر من 150 ألف طالب، ويعمل بها 12158 أستاذاً وإدارياً وموظفاً.
هذه الجامعة، يوم تولى فيها الدكتور جابر المسؤولية كانت مخترقة من الإرهاب التكفيري بزعامة الإخوان المسلمين، ممنوع فيها النشاط المختلط، تسيطر فيها الزوايا الدينية بإفساد فهم الشباب والشابات للدين الصحيح، النشاط الفني والحفلات والأعمال الإبداعية المسرحية سُنة ممنوعة.
كانت الجامعة في ذلك الوقت منصة للاضطرابات والثورة المضادة ضد ثورة 30 يونيو 2013 ومصدر تفريخ للاضطرابات والمشكلات.
استطاع الدكتور جابر بقيادته لفريق من الأساتذة الشجعان العقلاء في مجلس الجامعة أن يعيد للجامعة دورها المختطف، بأن تصبح مركز علم وعلماء، وداراً لتعلُّم قواعد التفكير العلمي وحرية التعبير المسؤول، ومصدر إشعاع وتنوير دون تجاوز أو تفريط.
استطاع الرجل أن يُحدث حالة من الإصلاح الشامل لجميع مراكز العلم وتطوير المرافق، والأهم وضع القواعد والضوابط السلوكية والتعليمية لطلاب الجامعة.
تم الاهتمام بتطوير الحجر والبشر في الجامعة، وتنمية المراكز العلمية والجهود البحثية والمستشفيات التعليمية، كما تم وضع قواعد صارمة لمواجهة الإرهاب التكفيري، وعاد الإبداع والنشاط الطلابي والاحتفاليات إلى الجامعة مرة أخرى.
تجربة هذا الرجل التي استمرت 4 سنوات من النجاح نحتاج إلى الاستفادة منها عربياً، ونحن نواجه مرة أخرى عواصف سياسية رعدية، تحاول العصف بالاستقرار في العالم العربى مرة أخرى.
نقلاً عن "الوطن" المصرية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة