اتفاق درعا.. خط جديد يُرسَم على خريطة الصراع في سوريا
بعد جولات مكوكية من المفاوضات، استمرت نحو شهرين، تمكنت قوات روسية مرفوقة بمسؤولين أمنيين سوريين من دخول منطقة "درعا البلد" وإنهاء حالة التصعيد التي تسببت في قلق دولي وإقليمي من قبل دول الجوار.
ووفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن قوات روسية دخلت إلى منطقة درعا البلد برفقة أشخاص من اللجنة الأمنية التابعة للنظام السورية وممثلين عن وجهاء وأعيان درعا في إطار تنفيذ بنود الاتفاق الجديد برعاية موسكو.
وكالة الأنباء السورية أشارت أيضا إلى "بدء عملية تسليم أسلحة وتسوية أوضاع عدد من مسلحي درعا البلد في مركز التسوية بحي الأربعين في درعا البلد".
المفاوضات التي شابها حالات شد وجذب جرت بين اللجنة الأمنية الممثلة عن الحكومة السورية من جهة، وممثلي اللجان المركزية التي تضم وجهاء عشائر وشخصيات محلية من جهة أخرى، وكطرف ثالث لعبت روسيا دور الراعي لتلك المفاوضات.
أزمة تتصاعد
الأزمة تصاعدت في درعا منذ 25 يونيو/حزيران، عندما طالبت القوات الحكومية المعارضة بتسليم الأسلحة الخفيفة بموجب اتفاق وقف إطلاق نار في عام 2018، وهو ما دفع الجيش السوري لمحاصرة حي درعا البلد جنوب شرقي مدينة درعا الخاضع لسيطرة فصائل المعارضة للضغط عليهم وتسليم الحي أو الخروج إلى شمال سوريا.
وبحسب اتفاق التسوية الذي أبرم في يوليو/تموز 2018، يتعين على الفصائل المعارضة قبول تسليم أسلحتها الثقيلة والمتوسطة إلى الحكومة في مناطق درعا البلد، التي تشمل طريق السد والمخيم وسجنة والمنشية وغرز والصوامع، وتسوية أوضاع المسلحين الراغبين بالتسوية وضرورة خروج "الإرهابيين الرافضين للاتفاق" من درعا.
ورغم اتفاق 2018، لاتزال فصائل من المعارضة السورية تسيطر على مناطق في محافظة درعا رغم دخول القوات الحكومية إلى أغلب مناطق المحافظة منذ منتصف شهر يوليو/تموز من العام ذاته.
ضغوط القوات الحكومية قوبلت بهجمات مكثفة من قبل المجموعات المسلحة على الأحياء السكنية بهدف تعطيل أي جهود للحل السلمي وإنهاء سيطرة الإرهاب على مصير الأهالي الذين تحتجزهم كدروع بشرية.
اتفاق مؤقت
وفي 26 يوليو/تموز الماضي، توصلت اللجنة المركزية إلى اتفاق مع حكومة بشار الأسد، تشمل بعض بنودها على "تسليم عدد محدد من السلاح الفردي الموجود لدى الأسر، والاتفاق على تسوية وضع عدد من الأشخاص المطلوبين لدى الدولة، ورفع الحصار عن المدينة".
لكن الفرقة الرابعة؛ أقوى فرق الجيش السوري ويقودها شقيق الرئيس السوري، ماهر الأسد، بدأت بقصف بعض الأحياء في الوقت الذي كانت لا تزال فيه المفاوضات مستمرة بين الطرفين.
الأمر الذي صعد من التوتر ودفع بمسلحي المعارضة إلى الرد على القصف.
اتفاق جديد
وكشف المرصد السوري لحقوق الإنسان، النقاب عن "قبول" اللجان المركزية بدرعا التي تتفاوض مع لجان النظام السوري والوفد الروسي باتفاق جديد يتضمن وقفا لإطلاق النار.
المرصد قال إن وفدا من اللجان المركزية في حوران التقى مع اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري برعاية روسية، في اليوم الأخير من المدة الزمنية لخارطة الطريق الروسية التي حددت نهايتها في 31 أغسطس/آب، وتوصلا لاتفاق يتضمن عدة بنود من بينها وقف إطلاق النار، يدخل حيز التنفيذ اليوم الأربعاء.
بنود الاتفاق الجديد تتضمن بجانب وقف إطلاق النار، إجراء تسويات للمطلوبين، وتسليم السلاح، وتهجير من لا يرغب بإجراء التسوية، ودخول الشرطة العسكرية الروسية إلى درعا البلد، ورفع العلمان الروسي والسوري، ووضع ثلاث نقاط مشتركة بين الأمن العسكري، واللواء الثامن التابع للفيلق الخامس.
وفي وقت سابق، أفادت مصادر للمرصد بأن وجهاء من مختلف مناطق درعا دخلوا على خط المفاوضات مع "اللجنة المركزية" في درعا البلد بطلب روسي، لإقناع عدد من المسلحين بتسليم سلاحهم الكامل وترحيلهم إلى الشمال السوري.
وبعد تنفيذ جميع بنود الاتفاق، يفترض أن يسحب الجيش السوري التعزيزات العسكرية من محيط الأحياء المحاصرة، ثم يفك الحصار عنها.
أهمية درعا
ولمدينة درعا مهد الاحتجاجات في سوريا خلال عام 2011 أهمية سياسية وأمنية كبيرة ليس فقط بالنسبة لدمشق بل لجارتيها الأردن وإسرائيل أيضاً بسبب مجاورة المحافظة للبلدين.
ويمر بها معبر "نصيب" الحدودي بين سوريا والأردن، والذي كان أحد أهم المعابر التجارية للبلدين قبل الحرب الأهلية، ومن ثم فإن تأمينه يشغل أولوية الحكومة السورية الساعي إلى التركيز على جهود إعادة الإعمار.
إذ يغلق الأردن حدوده كلما تجددت الاشتباكات هناك تجنباً لتداعيات الحرب على أراضيها، كما تخشى إسرائيل من انتشار مليشيات حزب الله وإيران التي تقاتل إلى جانب القوات الحكومية في المناطق القريبة من حدودها.
مقومات كثيرة جعلت القوات الحكومية السورية وأذرعها في المنطقة يسعون إلى استعادة السيطرة الكاملة على المحافظة ذات الموقع الإستراتيجي، من حيث كونها بوابة العبور إلى الخليج العربي، والحدود مع إسرائيل.
ويختلف اتفاق التسوية الذي وقعه النظام السوري في محافظة درعا عن غيره من الاتفاقات التي جرت فيما يسمَّى "مناطق خفض التصعيد" الأخرى، في الغوطة والرستن، وقبلهما في حمص والغوطة الغربية، وذلك بسبب وجود لاعبين إقليميين ودوليين مؤثرين، بالإضافة إلى التركيبة الاجتماعية للمحافظة ذات الطبيعة العشائرية المترابطة وانفتاح حدودها على الأردن وإسرائيل، ووجود مصالح أمريكية وإسرائيلية هناك، فضللا عن ارتباط فصائل المعارضة المسلحة في هذه المنطقة بـ"غرفة الموك" التي ترأست قيادتها الولايات المتحدة.
الأوضاع الأمنية والاقتصادية
الوضع الأمني في محافظة درعا يتصف بالهشاشة والتعقيد، وذلك ناتج بدرجة كبيرة عن تعدُّد الفاعلين واختلاف مرجعياتهم وأهدافهم.
المحافظة تشهد استقطاباً ملحوظاً بين الأدوات الروسية والإيرانية؛ وبينما يتبع لروسيا "الفيلق الخامس" و"الأمن العسكري"، تستقطب إيران "الفرقة الرابعة" وفرع "المخابرات الجوية".
وتشهد هذه الأطراف صراعا خفيا حول السيطرة والنفوذ في هذه المناطق. ويُعتَبر عناصر التسويات وتجنيدهم أحد مجالات التنافس بين هذه الأطراف، إذ بينما تعمل روسيا على توسيع ملاك "الفيلق الخامس" وتحويله إلى قوّة موازية لمليشيات إيران وأذرعها في المنطقة، تسعى إيران إلى تجنيد أكبر عدد من هذه العناصر.
ويلعب العامل الاقتصادي، دوراً مهماً في مفاقمة حالة الفوضى وعدم الاستقرار، حيث تعاني المحافظة من نسبة بطالة مرتفعة، تفوق ما هو موجود في المناطق السورية الأخرى، ويعاني الإنتاج الزراعي الذي يعتبر العنصر الاقتصادي الأساسي للمحافظة من بطء شديد في عجلة الإنتاج.
ووفق نتائج مسح الأمن الغذائي المنفّذ عام 2017 بين الحكومة السورية وبرنامج الغذاء العالمي فقد وصلت نسبة عدد الأشخاص غير الآمنين غذائياً في محافظة درعا الى 42.5%، كما أن حوالي 40.4% من سكان المحافظة مُعرّضون لانعدام أمنهم الغذائي، وهذا ربما ما حدث فعلاً مع موجة الارتفاعات السعرية الأخيرة، التي زادت عن 100% لكثير من السلع الأساسية.
وترجع غالبية مشاكل درعا الاقتصادية إلى الحواجز الأمنية والعسكرية المنتشرة حول المحافظة وفرض إتاوات على البضائع الواردة للمحافظة الأمر الذي يساهم في مضاعفة أسعارها المرتفعة أصلاً وكذلك الملاحقات الأمنية التي تتسبب في منع جزء كبير من الشباب من التنقل إلى العاصمة ومناطق أخرى للعمل، ومنع التجار من شراء البضائع من المدن الأخرى.
خريطة السيطرة
وقبيل الاتفاق الجديد كانت تتوزع مناطق السيطرة في المحافظة على أربع قوى رئيسية وهي:
* الفيلق الخامس
يسيطر "اللواء الثامن" التابع لـ"الفيلق الخامس" المدعوم من قبل روسيا، على جزء من مناطق شرق درعا، المحيطة بمدينة بصر الشام، ويمنع مليشيات إيران من التغلغل في هذه المناطق، وتتمتع المناطق التي يسيطر عليها الفيلق بالاستقرار وتوفر الخدمات الأساسية، مثل المياه والكهرباء.
* المليشيات والقوات الحليفة لإيران
تتركز هذه القوى في أجزاء من شرق وشمال حوران، وتمثلها الفرقة الرابعة والمخابرات الجوية، بالإضافة إلى سرايا العرين، اللواء 313 التابع للحرس الثوري، بالإضافة إلى حزب الله الذي أسس معسكرات في منطقة اللجاة، المتصلة مع هذه المنطقة، لتدريب وتجهيز من يتم تجنيدهم من أبناء درعا.
* قوات الجيش
تسيطر القوات الحكومية على غالبية مدينة درعا (درعا المحطّة) بالإضافة للقطاع الأوسط، وجزء من مناطق الريف الغربي.
وتعاني هذه المناطق، وخاصة في الريف الغربي، من فوضى وعدم توفر الخدمات، ويتبع النظام سياسات أمنية متشدّدة فيها.* مناطق سيطرة المعارضة
تسيطر المعارضة على بؤر متفرقة (درعا البلد، وطفس وجاسم)، ولا تزال المعارضة تحتفظ بأسلحتها الخفيفة في هذه المناطق، فيما بدأ بعضها اليوم تسليم أسلحته.
هواجس إقليمية
تطورات درعا تحظى باهتمام دولي وإقليمي واسع حيث تتابعها عن كثب كل من الأردن وإسرائيل، خوفاً من انعكاسها سلباً على أمنهما الداخلي.
ويخشى الأردن من أن يؤدي الصراع في درعا، المحاذية للحدود الأردنية، إلى حركة نزوح جماعية للسكان باتجاهه، ما يضاعف أعباء اللاجئين السوريين، والذين تقدر أعدادهم بأكثر من مليون لاجئ سوري.
كما تنبع مخاوف عمان من الوجود المكثف لقوات ومليشيات إيرانية قرب الحدود وداخل مدينة درعا.
وكذلك هناك ترقب إسرائيلي حذر بسبب قرب درعا من حدودها، وكذلك مساعي إيران في التمركز في جنوب البلاد، واتخاذها قاعدة أمامية لمهاجمة إسرائيل.
فضلا عن مخاوف تركية حيث تدرك أنقرة أن نجاح القوات الحكومية السورية في السيطرة على جنوب البلاد، سوف يدفعه إلى تركيز جهوده على الشمال، خاصة محافظة إدلب، والتي لاتزال تتركز بها قوات إرهابية مدعومة من تركيا.