مني مناوي.. المعلم يضع سلاحه ويعتلي عرش دارفور مجددا
لم يكن مني أركو مناوي بالاسم الغريب على المشهد السوداني والدولي، فهو من أكثر الشخصيات شهرة خلال العقدين الماضيين.
ويرتبط اسم مناوي رئيس حركة تحرير السودان بالحرب الضارية في دارفور غربي البلاد، واستحق بجدارة لقب رجل الحرب والسلام، فهو أحد العناصر الرئيسية التي فجرت ثورة الكفاح المسلح في الإقليم ضد حكم الجنرال المعزول عمر البشير، بينما وقع اتفاقيتي سلام في مسيرته، الأولى مع السلطة السابقة والثانية في جوبا قبل أشهر بحثاً عن الخروج من نفق القتال إلى رحاب الاستقرار.
وتَوّج الرجل مسيرته باعتلاء عرش دارفور بعد أن أصدر رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك الأحد مرسوما دستوريا بتعيينه حاكماً عاماً على الإقليم الذي كان في أحراشه مقاتلاً لنحو 17 عاماً، وذلك استجابة لاتفاق جوبا لسلام السودان الذي تم توقيعه في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وبرز مني أركو مناوي كشخصية سياسية لأول مرة في العام 2001 عندما أسس إلى جانب آخرين تحالفا سياسيا في إقليم دارفور والذي تحول إلى حركة تحرير السودان وتولى فيها منصب الأمين العام، بينما كانت رئاستها من نصيب المحامي عبدالواحد محمد نور، والتي أطلقت شرارة التمرد ضد حكم البشير في جبل مرة عام 2003.
وبحسب وقائع الأحداث، استمر مني قائداً ميدانيا في حركة تحرير السودان حتى نشت الخلافات بينه وعبدالواحد محمد بعد أن قرر أركو الانخراط في محادثات سلام مع الحكومة المركزية في الخرطوم وقتها.
وجرى عقد مؤتمر بمنطقة "حسكنيتة" بولاية جنوب دارفور عام 2006 تم فيه عزل عبدالواحد محمد نور عن رئاسة حركة تحرير السودان إثر رفضه الانخراط في محادثات سلام مع حكومة الخرطوم، وإسناد رئاستها إلى مناوي الذي سارع بتوقيع اتفاق مع السلطة في أبوجا النيجيرية في ذات سنة التفاوض، وشكل هذا المؤتمر قاسمة ظهر لحركات التمرد بالإقليم، وفق مراقبين.
وعاد مناوي إلى الخرطوم واضعاً سلاحه إلى جنب، وتولى بموجب اتفاق أبوجا منصب كبير مساعدي الرئيس المعزول عمر البشير في القصر الرئاسي، ورئيساً للسلطة الانتقالية لإقليم دارفور التي نشأت وقتها بمقتضى الاتفاق ذاته.
ولكن لم يمضٍ طويلاً إلا واكتشف أركو مستوى الخداع الإخواني ونقض هذا التنظيم الإرهابي العهود والمواثيق، وظل يشكو باستمرار من التهميش داخل القصر الرئاسي، فأختفى غاضبا لفترة وجيزة خلال العام 2008، قبل أن يعود في 2010 إلى ميدان القتال مجدداً ضد حكومة المعزول، في خطوة وصفت بالتصحيحية يومها.
المعلم يحمل السلاح
ولد حاكم إقليم دارفور الجديد، في مدينة كتم بولاية شمال دارفور في العام 1968م، وتلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة فوراوية، ثم مدرسة كرنوي المتوسطة، ومدرسة الفاشر الثانوية إلى أن ذهب وتخرج من جامعة لاجوس تخصص لغة إنجليزية.
كما درس مناوي اللغة الفرنسية في تشاد عامي 1994 – 1996م، وعمل كمعلم لمدارس الأساس في منطقة بوبا، ومن ثم عمل بالتجارة بين ليبيا والكاميرون ونيجيريا، قبل أن يلتحق بالعمل السياسي لأول مرة في عام 2001 تحت راية حركة تحرير السودان مع عبد الواحد محمد نور.
وينتمي حاكم إقليم دارفور الجديد إلى قبيلة الزغاواة ذات الامتداد الواسع في المنطقة، وخرج في رحلة الكفاح المسلح تحت راية رفع التهميش السياسي والاقتصادي.
وخلال فترة عمله في الكفاح المسلح شارك مناوي في تأسيس تحالفات مع قوى سياسية مدنية ومسلحة، بينها إعلان الفجر الجديد المبرم في كمبالا وتحالف نداء السودان، والجبهة الثورية التي تولى فيها منصب نائب الرئيس، وكل ذلك ضمن مساعٍ حثيثة لإسقاط نظام الإخوان الذي ألحق الدمار والخراب بالبلاد.
قبول واسع
ويقول عنه الصحفي المتخصص في شؤون دارفور "محمد علي محمدو"، إنه قائد متفرد ويحظى بقبول واسع في السودان وخاصة إقليم دارفور، واحترام بصفوف حركة جيش تحرير السودان التي يتولى رئاستها.
وأضاف محمد في حديثه لـ"العين الإخبارية" "مناوي لا يتعامل كرئيس مع منسوبي حركة تحرير السودان، بينما كصديق ورفيق لهم يعرفهم جميعها بالاسم والمنطقة من أصغر فرد إلى أكبرهم بمقدار حفظه لأفراد عائلته الصغيرة، ولديه مقدرة على حل كافة المشكلات التي تطرأ بتنظيمه بيسر".
ويصفه بأنه "سياسي ومثقف ذو نظرة قومية لقضايا الوطن ومؤمن لحد بعيد بالتنوع الذي يشهده السودان، واعتبر محمد علي أن هذه الميزات تؤهل مني أركو مناوي لقيادة إقليم دارفور بأفضل ما يكون، الشي الذي سيسهم في استقرار الإقليم.
ويشير الصحفي السوداني، إلى أن مناوي كان مهتماً بالثقافة وأصقل نفسه بالمعارف واللغات خاصة الإنجليزية والفرنسية التي يجيدهما بطلاقة وكثيرا ما سهل عمل منسوبي المنظمات الدولية التي تقدم العون الانساني في اقليم دارفور.
ويقول رفيق دربه، أحمد عبدالكريم "لقد نشأنا وترعرعنا سويا مع مناوي، فهو هميم ومتواضع ويتحلى بحكمة متناهية ستعينه في معالجة التعقيدات التي يمتاز بها إقليم دارفور، لقد وكان قائداً منذ صغره عندما أسندت إليه رئاسة رابطة منطقته فوراوية".
وأضاف عبدالكريم وهو أمين التنظيم والإدارة في حركة تحرير السودان التي يرأسها مناوي، إن قائدهم ينحدر من أسرة مثقفة ومتعلمة وتحب المعرفة فجميع أشقائه أطباء ومعلمين، وأصقل نفسه بالمعارف من خلال دراسات أكاديمية داخل البلاد وخارجها قبل أن يلتحق بالعمل الثوري.
وأضاف عبدالكريم الذي تحدث لـ"العين الإخبارية" "نتوقع نجاح مناوي في هذه المهمة لما له من تجارب فقد سبق وأن كان رئيسا للسلطة الانتقالية لدارفور، كما أنه شخص مرن في التعامل مع الآخرين ولديه دراية تامة بدارفور وتقاطعاتها والادارات الأهلية".
وتابع "أعتقد أن أهل دارفور محظوظين فهم كسبوا قائداً شاباً وبخبرات كبيرة ومتواضع وهميم وطويل البال ويحسن التعامل مع الجميع ونعده من أميز القادة على الإطلاق".