أزمة دارفور تتفاقم.. صراع لا ينتهي وجوع يفتك بالأطفال
في قلب دارفور وتحت شمسها الحارقة، يتكشف مشهد مأساوي يهدد بابتلاع أرواح آلاف الأبرياء، في حرب لا تنتهي، ونقص حاد في الغذاء، لتتضافر بيئة مواتية لكارثة إنسانية تزداد سوءاً يوماً بعد يوم.
وفي مخيمات النزوح، تُصيب صرخات الأطفال الجائعين الآذان، وتُخترق صور أجسادهم الهزيلة العيون، ويموت الأطفال واحداً تلو آخر، ضحايا للمجاعة التي تفتك بأجسادهم الضعيفة، وفق بيان تابعته "العين الإخبارية" لرئيس معسكرات النازحين واللاجئين في دارفور، إسحاق محمد عبدالله.
- السودان.. ضربات جوية تذكي معارك دارفور وتضع خطوط النفط تحت النار
- «العين الإخبارية» في دارفور.. هكذا تحول «بناة المستقبل» إلى «وقود حرب»
ورغم الجهود الإقليمية والدولية، ما زالت أزمة دارفور تراوح مكانها، دون حلول سياسية تُنهي الصراع وتُتيح المجال لوصول المساعدات الإنسانية، وتزداد حدة الأزمة مع ازدياد عدد النازحين الذين يفقدون منازلهم وسبل عيشهم، ليجدوا أنفسهم محاصرين في دائرة من الجوع والمرض والخوف.
معسكرات «الموت».. (النزوح سابقا)
وحسب عبدالله، فإن "أزمة المجاعة بلغت ذروتها داخل معسكرات النازحين في إقليم دارفور ووصلت إلى حد لم يسبق له مثيل، مؤكدا أنه أودى بحياة 66 طفلا، نتيجة سوء التغذية وانعدام الأدوية الخاصة بالأطفال.
وأضاف: "عكفنا في الفترة الماضية ننادي باستمرار إدخال المساعدات الإنسانية لإنقاذ أرواح ضحايا الحروب داخل مخيمات النازحين، ولما لم تجد تقاريرنا ونداءاتنا أي آذان تصغي وتستجيب لمطالبنا فقد وقع ما كنا نحذر منه طوال الفترة السابقة، ففي آخر شهر سجل معسكر (كلمة) أسوأ إحصائية وفيات منذ تأسيسه".
وأشار إلى "ظهور حالات الشلل وسط الأطفال، وكل أمراض الأطفال جراء فقدان التطعيم لعام كامل، وأعلن فقدان 38 من كبار السن في شهر واحد، بالإضافة إلى حالات وفيات متفرقة وسط فئات المجتمع الأخرى، منها 6 حالات وفيات لحوامل بسبب انعدام الغذاء وفقدان فرص العمل بشكل كامل".
وقال المتحدث الرسمي باسم منسقية النازحين واللاجئين في دارفور غربي السودان، آدم رجال، لـ"العين الإخبارية": "بسبب الجوع وسوء التغذية الحاد ونقص الأدوية المنقذة للحياة، توفي 110 نازحين بمعسكر (كلمة) بولاية جنوب دارفور، بينهم 66 طفلا، و38 مسنا و6 نساء حوامل."
فرار المنظمات الإنسانية
في خضمّ التطورات المتسارعة على الأرض، أعلنت قوات "الدعم السريع" في بيانٍ اطلعت عليه "العين الإخبارية"، تأمين خروج فرق منظمة "أطباء بلا حدود" من مواقع سيطرتها في المنطقة. كما أعلنت القوات عن تأمين الطرق لخروج المنظمات الإنسانية والمواطنين من مدينة الفاشر إثر الاشتباكات والمعارك المستمرة.
واجتاحت قوات "الدعم السريع" 4 عواصم ولاياتٍ أخرى في دارفور خلال العام الماضي، مما أدّى إلى تعقيد الأوضاع الأمنية والإنسانية بشكلٍ كبيرٍ، وزاد من معاناة السكّان المحليين.
ومع تصاعد وتيرة الاشتباكات، يواجه نحو مليون مدنيٍّ محاصرين داخل الفاشر مصيرًا غير معلوم لعدم استطاعتهم مغادرة المدينة إلى المناطق الآمنة، مع انعدام الأمن الغذائي ومنع وصول المساعدات الغذائية إلى المدينة.
إصابات وسط النازحين
وفي الأثناء، أعلنت غرفة طوارئ مخيم "أبو شوك" بولاية شمال دارفور، في بيان اطلعت عليه "العين الإخبارية"، وقوع إصابات وسط النازحين بالمخيم جراء القصف العشوائي بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" في محيط العاصمة الفاشر.
ومخيم "أبو شوك" الواقع شمال الفاشر الذي يؤوي ما يزيد على 400 ألف نازح ظل يتعرض للقصف العشوائي لوقوعه في محيط المواجهات العسكرية بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع"، ما أدى إلى مقتل ما يزيد عن 50 نازحا وتدمير عدد كبير من المنازل.
ودمرت الحرب سبل عيش ملايين السودانيين، بمن في ذلك العاملون في مهن الزراعة والرعي التي يعمل فيها 80% من القوى العاملة في البلاد، نتيجة لتوسع نطاقها مصحوبا بالهجمات العشوائية على المدنيين.
وفاقمت الحرب من حدة الأزمة الإنسانية في إقليم دارفور، خاصة في مخيمات النازحين، إثر تسبب الاشتباكات الناجمة عنها في تعطيل وصول المساعدات الإنسانية الدولية إلى الإقليم.
وخلفت الحرب الدائرة في السودان منذ منتصف أبريل/نيسان 2023 أكبر أزمة إنسانية على المستوى الدولي، إذ اضطر الناس إلى تناول أعلاف الحيوانات وأوراق الأشجار في دارفور، لعدم توفر الغذاء في مخيمات النزوح البالغة عددها 51 في ولايات دارفور الخمس.
وأُنشئت مخيمات اللجوء في دارفور عندما نزح السكان من القرى إلى المدن الكبيرة بحثا عن الأمان بعد اندلاع الحرب في الإقليم 2003 بين القوات الحكومية وفصائل مسلحة متمردة.
ويشهد إقليم دارفور منذ 2003 نزاعا مسلحا بين القوات الحكومية وحركات مسلحة متمردة، أودى بحياة نحو 300 ألف شخص، وشرد نحو 2.5 مليون آخرين، وفق الأمم المتحدة.
معارك أم درمان
ومع تسارع وتيرة الاشتباكات، أفادت مصادر عسكرية لـ"العين الإخبارية"، أن قوات "الدعم السريع"، قصفت من مواقعها العسكرية بمدينة بحري أحياء شمالي مدينة أم درمان.
وأبلغ شهود عيان "العين الإخبارية"، أن الاشتباكات بين الجيش السوداني، وقوات "الدعم السريع"، أسفرت عن مقتل 5 أشخاص كانوا يستقلون مركبة نقل عام بمنطقة كرري شمالي منطقة أم درمان.
وأصبحت منطقة "كرري" مقر حكومة الخرطوم المؤقتة، في أعقاب سيطرة قوات "الدعم السريع"، على مقر الحكومة وسط العاصمة.
كما تضم المنطقة مجموعة كبيرة من المواقع العسكرية التي تخضع لسيطرة الجيش السوداني، منذ اندلاع الحرب.
ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023، يخوض الجيش السوداني و"الدعم السريع" حربا خلّفت نحو 15 ألف قتيل وأكثر من 8 ملايين نازح ولاجئ، وفقا للأمم المتحدة.