«العين الإخبارية» في دارفور.. هكذا تحول «بناة المستقبل» إلى «وقود حرب»
فيما الأطفال هم بناة مستقبل أي بلد، يسعى للحفاظ عليهم لضمان استمراريته وازدهاره تحول أطفال السودان، خاصة في دارفور إلى «وقود للحرب» وأصبح مستقبلهم «مظلما».
«العين الإخبارية» تابعت توقف العملية التعليمة في دارفور ومناطق أخرى بالسودان، بسبب القتال دائر بين الجيش وقوات "الدعم السريع"، وسط تزايد المخاوف على مصير ومستقبل ملايين الأطفال الذين شردتهم الحرب وتحولت مدارسهم إلى دور إيواء ومنصات للقتال، خاصة في إقليم دارفور الأكثر تضررا بالحرب، دون بوادر لإنهاء الصراع الذي دخل عامه الثاني.
- قرنان من الصمود.. معارك السودان تهدد القصر الرئاسي
- أزمة السودان.. الأسلحة الثقيلة تهدد 800 ألف مدني في الفاشر
صعوبة فتح المدارس
وفي هذا الإطار أكد عضو لجنة المعلمين في ولاية جنوب دارفور عماد الصادق أن "العملية التعليمية في دارفور كانت ضعيفة للغاية قبل اندلاع الحرب الجارية، وتعاني تدهورا مروعا في البنية التحتية للمدارس والكتاب المدرسي، حيث إن معظم المدارس مشيدة بالمواد المحلية، وجاءت حرب أبريل/نيسان وقضت على ما تبقى.
وأضاف الصادق لـ"العين الإخبارية" أن "فتح المدارس في دارفور أصبح مستحيلا في الوقت الحالي، رغم محاولات وزارة التربية في الولاية فتح المدارس بالتعاون مع منظمة يونيسيف" لكنها فشلت بسبب الغارات الجوية المكثفة على مدن دارفور خاصة التي تخضع لسيطرة قوات "الدعم السريع"، علاوة على أسباب تتعلق بعدم قدرة الحكومة على توفير أجور المعلمين لأكثر من عشرة أشهر، وهو ما أجبر المئات منهم على البحث عن مهن بديلة وهامشية.
ويضيف عضو لجنة المعلمين أن ولايات دارفور التي تخضع ضمن سيطرة الدعم تعيش فراغا دستوريا وإداريا لا يمكن تسيير أي عمل حكومي وأوقفت حكومة المركز جميع المعاملات مع الولاية بما فيها وزارة التربية، فضلا عن أجور العاملين في تلك الولايات.
ويشير عماد إلى أن من بين عشرة ملايين سوداني فروا من ديارهم، بينهم أعداد قليلة من المعلمين، لجهة أن المعلمين اختاروا البقاء بسبب ظروفهم المادية الصعبة اضطروا إلى العيش تحت الغارات الجوية والقصف المدافع والرصاص.
وتحاصر الحرب نحو مليون تلميذ وتلميذة في إقليم دارفور غربي البلاد مع ذويهم في ظل ظروف معيشية وأزمة إنسانية خانقة، في وقت فشلت كل المحاولات لإعادة فتح المدارس وإيصال المساعدات الإنسانية.
وحسب مراقبين فإن الغارات الجوية التي يشنها الطيران العسكري على المدن والقرى التي تقع ضمن سيطرة قوات "الدعم السريع" كانت سببا رئيسيا في عدم الاستقرار، علاوة على عجز الحكومة من سداد أجور المعلمين لأكثر من 10 أشهر.
وظل إقليم دارفور الذي يبعد أكثر من 1000 كيلومتر من العاصمة الخرطوم يعاني صعوبات في مجال التعليم قبل اندلاع الحرب الجارية بسبب الصراع الأهلي والاضطرابات التي استمرت لأكثر من العشرين عاماً.
وتسيطر قوات "الدعم السريع" على (4) ولايات في دارفور من ضمن (5) ولايات، وتخوض معارك للسيطرة على مدينة "الفاشر" عاصمة ولاية شمال دارفور آخر معاقل الجيش وحركات دارفور المسلحة المتحالفة معه.
أطفال في صفوف القتال
ووفق خبراء تربويين فإن وجود الأطفال خارج أسوار المدارس لفترة طويلة جعلهم أكثر عرضة للانخراط في معسكرات طرفي القتال خاصة في إقليمي دارفور وكردفان، التي تشهد حملات تحشيد وتعبئة على أساس أهلي غير مسبوق.
ورأى الخبير التربوي علي آدم عبدالرحمن، المقيم بدارفور، أن "وجود ملايين الأطفال خارج المدارس كان سببا في انضمام الكثيرين منهم إلى صفوف قوات "الدعم السريع" وآخرين إلى معسكرات الجيش والحركات المسلحة مؤخرا في شمال دارفور.
وقال عبدالرحمن لـ"العين الإخبارية" إن الطلاب والتلاميذ أصبحوا في حالة فراغ غير مسبوق بعد إغلاق المدارس، وعرضة لحملات تحشيد وتحشيد المضاد التي تشهدها المنطقة، في وقت يرى ذووهم أن تجنيدهم سيكون حماية لأسرهم من الانتهاكات.
ودعا الخبير التربوي طرفي القتال للعمل على وقف الحرب وإعادة فتح المدارس لإنهاء حالة الفراغ التي يعاني منها الطلاب والتلاميذ في السودان، حتى لا ينجر مزيد منهم إلى أمور تتقاطع مع القوانين، بما في ذلك التجنيد لصالح المرتزقة الإقليمية وعصابات المخدرات.
جهات متورطة في تجنيد الأطفال
وقد أظهرت مقاطع فيديو جرى تداولها على منصات التواصل الاجتماعي مؤخرا، مشاركة أطفال في سن المدرسة في القتال الدائر بين الجيش وقوات "الدعم السريع"، في وقت حذرت فيه منظمات حقوقية من تصاعد عمليات تجنيد الأطفال بواسطة الأطراف المتصارعة في البلاد.
وتشير أصابع الاتهام إلى (3) جهات رئيسية في السودان بالتورط في تجنيد الأطفال، والدفع بهم إلى ساحات المعارك، إذ يشير مختصون إلى أن مقاطع فيديو جرى التحقق من صحتها، أظهرت أن قوات "الدعم السريع" والجيش السوداني، والحركات المسلحة متورطة في السماح للأطفال الانخراط في المعارك.
وقال الخبير القانوني محمود زكريا، في حديثه لـ"العين الإخبارية"، إن "طرفي الصراع لجأوا للتحشيد القبلي وتجنيد الأطفال لتعويض الخسارة في جنودهم بسبب الاستنزاف الذي تعرضت له قواتهم نتيجة إطالة أمد الحرب".
وأوضح أن بعض القبائل في غرب السودان تمد قوات الدعم السريع بمقاتلين على أساس قبلي، بينهم عشرات الأطفال، مما يخالف القوانين الدولية التي تجرّم استغلال الأطفال في القتال.
بالتوازي مع ذلك لفت الخبير القانوني محمود زكريا إلى أن "المبادرة التي أطلقها مناصرون للجيش لتجنيد الشباب من أقاليم شرق وشمال ووسط السودان، لمواجهة قوات الدعم السريع، قامت بتجنيد أطفال في صفوف المقاتلين".
وقال عمر آدم عمر، مدير عام وزارة التعليم في ولاية جنوب دارفور لـ"العين الإخبارية"، "رغم الأوضاع الأمنية والتقاطعات السياسية بالولاية إلا أن خيارات استئناف الدراسة تظل ضرورية".
وحذر مدير التعليم من انحراف خطير في السلوك العام للأطفال والتلاميذ الذي بدأ يتغير للأسوأ من أي وقت مضى.
وأضاف "في حال استمرار توقف العملية التعليمية سنفقد هؤلاء التلاميذ، وسيكون من الصعب عودتهم إلى المدارس حتى ولو توقفت الحرب".
أطفال في سوق العمالة
وخلفت الحرب المتواصلة بين الطرفين واقعا معيشيا قاسيا اضطرت آلاف المحاصرين في دارفور الدفع بأطفالهم لسوق العمل بعد أن توقفت مدارسهم، وهم يعملون مع أسرهم في مهن هامشية والأعمال الشاقة لتوفير لقمة العيش، فيما تلاحق تداعيات الحرب آلاف الأطفال الفارين مع عائلاتهم إلى معسكرات اللجوء والنزوح لولايات أخرى.
وإزاء ذلك تقول مدينة عبدالله محمد، أمين عام مجلس رعاية الطفولة بولاية جنوب دارفور، إن "الأسواق امتلأت بعمالة الأطفال وهم يبحثون عن الغذاء أو مساعدة أسرهم في توفير لقمة العيش بعد أن فقدوا الأمل في الحصول على الإغاثة".
وأضافت في حديثها لـ"العين الإخبارية": "مرور عام على توقف التعليم والظروف المعيشية الصعبة حول الكثير من الأطفال إلى مشردين في أسواق المدن والانخراط في صفوف المقاتلين".
وأوضحت مدينة أن "عائلات كثيرة في دارفور فقدت السيطرة على سلوك أطفالها نتيجة وجودهم لفترة طويلة خارج فصول الدراسة من جهة، وظروف أسرهم المعيشية التي لم تمكنهم من توفير الحد الأدنى من احتياجاتهم من جهة أخرى".
وأشارت إلى أن الحرب أنتجت ظروفا قاهرة في دارفور، وتسببت في توقف صرف رواتب الموظفين في القطاعين العام والخاص لأكثر من عشرة أشهر، الأمر الذي انعكس سلبا على الوضع المعيشي لغالبية الأسر، ما عرض حياة أطفالهم إلى المخاطر المباشرة.
وكان قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان رحب بالمبادرة التي أطلقها ناشطون وقادة أهليون تحت اسم "المقاومة الشعبية" للقتال إلى جانب الجيش، إذ جرى تدريب متطوعين من خارج المؤسسة العسكرية على استخدام السلاح ووجه الفرق العسكرية بتسليح القادرين على القتال دون مراعاة تجنب تجنيد الأطفال.
ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023، يخوض الجيش السوداني و"الدعم السريع" حربا خلّفت نحو 15 ألف قتيل وأكثر من 8 ملايين نازح ولاجئ، وفقا للأمم المتحدة.
وطرحت وزارات التربية والتعليم في ولايات دارفور، بالشراكة مع المنظمات الإنسانية، مشروع معالجة لتوقف الدراسة عبر نظام الحلقات لتلاميذ المرحلة الابتدائية، لكن تعقيدات وصول المنظمات الإنسانية إلى مناطق الحرب حالت دون تنفيذ المشروع الذي يساعد على استمرار عملية التعليم.
aXA6IDMuMTQ1Ljk3LjIzNSA= جزيرة ام اند امز