بالصور.. أيام "علاء الديب" الوردية في "القاهرة للكتاب"
استضافت قاعة ضيف الشرف بالقاهرة للكتاب ندوة عن الراحل علاء الديب بمناسبة صدور طبعة جديدة من روايته الأخيرة "أيام وردية".
قبل أسبوع واحد من حلول الذكرى الأولى لرحيله (18 فبراير)، وعلى شرف صدور طبعة جديدة من آخر رواياته "أيام وردية"، استضافت قاعة ضيف الشرف بمعرض القاهرة للكتاب ندوة عن الكاتب الراحل علاء الديب، شارك فيها الناقد محمود عبدالشكور والكاتب والروائي حمدي عبدالرحيم، وأدارها الكاتب والناقد إيهاب الملاح.
الندوة التي استغرقت قرابة الساعتين، على شرف إبداعات علاء الديب ومسيرته الإنسانية، ومحاولة استجلاء أثره في الحياة الثقافية المصرية والعربية لأكثر من خمسة عقود متصلة، تقاسمها كتاب ثلاثة ينتمون لجيلين مختلفين، منهما اثنان من جيلين متقاربين (إن لم يكونا ينتميان للجيل ذاته بمعناه الزمني المباشر) يجمع بينهم أنهم ارتبطوا بأواصر محبة وصداقة وتلمذة إبداعية وإنسانية على علاء الديب، وإن تفرقت بهم سبل التناول والتحليل، بين كاتب مبدع وقاص كان الديب من أوائل من نوهوا بموهبته وأشادوا بكتابته "حمدي عبدالرحيم"، وبين ناقدين شكل الديب مساحة واسعة من تكوينهما النقدي وثقافتهما الأدبية "عبدالشكور والملاح".
الندوة التي حظيت بتجاوب لافت من جمهور الحضور، دارت حول محورين؛ الأول عن رواية "أيام وردية" التي أعادت دار الشروق إصدار طبعة جديدة منها، وأيضا من سيرته الذاتية المكثفة "وقفة قبل المنحدر ـ من أوراق مثقف مصري"، والثاني عن جانب من سيرة علاء الديب وبعض تفاصيله الإنسانية التي حكى عنها بحماس وشغف الكاتب حمدي عبدالرحيم.
واستهل عبدالرحيم اللقاء بحديث صادق ورائق عن صاحب المقام العالي "علاء الديب"، قائلا إنه نعم بصحبته والتتلمذ على يديه والتبتل في محراب كتابته لسنوات طويلة، عبدالرحيم أحد مريدي وتلاميذ وعشاق علاء الديب وكان من الدائرة المقربة جدا من علاء الديب، لسنوات طويلة وزيارات ولقاءات محبي وأصدقاء الديب لا تنقطع له في بيته الجميل بالمعادي وهو منهم، ولهذا جاء حديثه فائضا بمحبة غامرة وحماس ملتهب عن سيرة الكاتب الكبير.
تدفق عبدالرحيم في حديث شائق وجاذب، أثار إعجاب الحضور، وكشف جوانب من سيرة إنسان ومثقف وكاتب مختلف حمل هموم أبناء طبقته الاجتماعية وانشغل بآلامهم وأحلامهم، وهو بضعة منهم، وجسد كل هذه الهموم والأسئلة المؤرقة في إبداعات ستظل باقية وخالدة ما بقي الأدب الجميل والقيمة المتجددة.
فيما قدم الملاح للندوة واصفا الراحل علاء الديب بأنه كان مثالا حيا للنزاهة وبوصلة دقيقة للضمير والنقاء والكتابة الخالصة غير المشوبة بأغراض أو مصالح. وحكى الملاح الذي قال إنه لم يلتق به مرة واحدة "كنت أُحبه وأهابه، رغم أنه كان حريصًا على كسر أي مسافات يمكن أن تفصله عن الناس، عن جمهور عاشق للقراءة، عن كاتب خجول يتعثر في كلماته، لم ألتق به أبدًا، أحبه من بعيد لبعيد، أخبرني أحد الأصدقاء ذات صباح بأن الأستاذ علاء الديب قرأ ما كتبتُه عن المرحوم جمال الغيطاني وأشاد به وسأل عني. فرحتُ جدًا، ابتسمت، قلتُ في نفسي "اليوم صرتُ كاتبا". رحمه الله، نبله كان يشمل البعيد والقريب، الكبير والصغير، الخجول والعاشق للشهرة، أسس مدرسة حقيقية في الكتابة الثقافية، عنوانها "عصير الكتب"، هي بحق "عصير" وخلاصة مقطرة، تقوم على القراءة الواعية المستوعبة، والكتابة السهلة اللماحة الذكية".
وأضاف الملاح أن علاء الديب، وهو أشهر من أن يعرف، كاتب وناقد، روائي وقاص، مثقف مصري نزيه من مواليد العام 1939، اشتهر بأعماله القصصية والروائية المتميزة، من أبرزها مجموعة "صباح الجمعة"، ورواية "زهرة الليمون"، وثلاثيته الرائعة التي وضعته في مصاف الطبقة الأولى الممتازة من كتاب الرواية العربية "أطفال بلا دموع"، و"قمر على المستنقع"، و"عيون البنفسج"، وله سيرة ذاتية مكثفة، هي في الحقيقة شهادة غاية الروعة والقيمة عنوانها "وقفة على المنحدر ـ من أوراق مثقف مصري"، هي في حقيقتها تطوير للصفحات التي الألحقها علاء الديب بروايته "أيام وردية" بعنوان "من أوراق علاء الديب"،
عبدالشكور، أكد أنه واحد ممن تتخرجوا في مدرسة علاء الديب الأصيلة، القدرة المذهلة على تقطير وتكثيف الكتابة لتجود بأنضر وأبهى ما يمكن أن تجود به، مضيفا أن الديب رائد مدرسة كبيرة وعظيمة في الكتابة النقدية، وكانت إطلالاته في مجلات صباح الخير وروزاليوسف إعلانات أدبية رفيعة القيمة والجودة لنصوص أثبت الزمن أنها من أجمل وأرقى ما جادت به قرائح أصحابها.
تحدث عبدالشكور عن رواية الديب الأخيرة "أيام وردية" (صدرت للمرة الأولى في عام 2002) وقدمتها دار الشروق في طبعة جديدة، موضحا أن الرواية تعرض لسيرة بطلها "أمين الألفي" الذي يمر بكثير من مشاعر الوحدة، وأسهم في تعزيز انكساراته معاصرته لهزيمة الخامس من يونيو 1967 التي أفقدته صوابه، وجعلته هشا في مواجهة الانحدارات المتتالية وعلى رأسها القضية الفلسطينية، ورصدت الرواية برهافة وتكثيف وفنية عالية التحولات الصارخة في مواقف عدد من المثقفين الذين كان يؤمن بهم، صراعات مُرة عاشها البطل قبل أن يخلد إلى أيامه "الوردية" التي عاشها في آخر عمره بسلام لم يعهده من قبل.
وحلل عبدالشكور الرواية بدقة وإيجاز قائلا إنها "من أنضج وأعمق ما كتب عن جيل الأحلام الهائلة والإنكسارات العظيمة، وبطلها أمين الألفي الأخصائى الإجتماعى بالمنصورة يمثل نموذجا لا ينسى للمثقف المهزوم الذي يحاول أن ينقذ نفسه وسط تغييرات اجتماعية وسياسية عاصفة. رواية صغيرة الحجم، كبيرة القيمة والمعنى، عباراتها شاعرية مكثفة، وشهادتها على زمنها مدهشة وخطيرة".
اختتمت الندوة التي حظيت بمداخلات قيمة من الحاضرين، بقراءة أجزاء من الرواية لمحمود عبدالشكور، ثم إيهاب الملاح الذي قرأ أيضا أجزاء من الشهادة الملحقة بالرواية تحت عنوان "من أوراق علاء الديب".