تسليح الدولار.. "خطيئة استراتيجية" توحد جهود نسف هيمنة "الأخضر" (تحليل)
يثير الدولار الأمريكي غضب الاقتصادات العالمية الكبرى أكثر من أي وقت مضى، في ظل سلطة نقدية تتحكم في تأثيره وحكومة تستغل وضعه الدولي، دونما غطاء منطقي يدعم وضعه المهيمن.
فالولايات المتحدة صاحبة الديون القياسية، لم تتوقف عن استغلال وضع الدولار المهيمن عالميا، وحملت العالم مشكلة التضخم التي ضربت أسواقها عبر رفع الفائدة على نحو عنيف ما دعم عملتها وضرب العملات الأخرى.
ومع ذلك، ورغم مساعي دول في مقدمتها الصين وروسيا لتجاوز الدولار في إطار التنافس الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، فإن العقوبات التي فرضتها واشنطن على موسكو بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا مثلت الشرارة التي أطلقت هذه المساعي.
تسليح الدولار
وكان التعامل الغربي مع روسيا بمثابة جرس إنذار لكل تلك الدول التي تحتفظ بأرصدة دولية بالعملة الأمريكية، حيث قامت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون، على مرأى ومسمع من العالم، بمصادرة أرصدة النقد الروسية الموجودة لديها، وهو إجراء قد يطول أي دولة في أي وقت.
وقال تحليل لموقع "أويل برايس" الاقتصادي إن دولا عدة بدأت تنظر بقلق بشأن هيمنة أمريكا على النظام المالي العالمي وإمكانية قيام واشنطن بـ "تسليحه"، لتبدأ عدة دول باختبار بدائل.
لكن مع ذلك، لا تبدو مهمة زحزحة الدولار عن هيمنته أمرا سهلا، حيث لا تزال البنوك المركزية تحتفظ بحوالي 60٪ من احتياطياتها من العملات الأجنبية بالدولار.
تاريخ هيمنة الأخضر
وكان الدولار قد هيمن على التجارة العالمية وتدفقات رأس المال على مدى عقود عديدة.
وأصبحت الولايات المتحدة، بين عشية وضحاها تقريبًا، القوة المالية الرائدة بعد الحرب العالمية الأولى. فقد دخلت الحرب فقط في عام 1917 وخرجت أقوى بكثير من نظيراتها الأوروبية.
ونتيجة لذلك، بدأ الدولار في إزاحة الجنيه الإسترليني كعملة احتياط دولية، وأصبحت الولايات المتحدة أيضًا متلقيًا مهمًا لتدفقات الذهب في زمن الحرب.
ثم اكتسب الدولار دورًا أكبر في عام 1944، عندما وقعت 44 دولة على اتفاقية بريتون وودز، مما أدى إلى إنشاء نظام تبادل عملات دولي جماعي مرتبط بالدولار الأمريكي والذي كان بدوره مرتبطًا بسعر الذهب.
وبحلول أواخر الستينيات، أصبحت الصادرات الأوروبية واليابانية أكثر قدرة على المنافسة مع الصادرات الأمريكية. وكان هناك معروض كبير من الدولارات حول العالم، مما يجعل من الصعب دعم الدولار بالذهب.
فتوقف الرئيس نيكسون عن التحويل المباشر للدولار الأمريكي إلى الذهب في عام 1971. وقد أنهى هذا المعيار الذهبي والحد الأقصى لكمية العملة التي يمكن طباعتها.
لكن على الرغم من أنه ظل العملة الاحتياطية الدولية ، فقد الدولار الأمريكي بشكل متزايد قوته الشرائية منذ ذلك الحين.
الروبل واليوان.. ملامح منافسة جادة
ومنذ اندلاع الحرب الأوكرانية وتطبيق عقوبات غربية على موسكو، تضاعفت تجارة الروبل واليوان ثمانين ضعفًا.
كما تعمل روسيا وإيران معًا لإطلاق عملة مشفرة مدعومة بالذهب، وفقًا لوكالة الأنباء الروسية "فيدموستي".
والوضع نفسه مع الهند التي تتعامل حالياً مع روسيا بالروبية والروبل، والتي أبرمت صفقة كبيرة مع الكرملين، من أجل زيادة كبيرة في تجارة النفط.
واتفقت الصين مع البرازيل في مارس/آذار الماضي على تجنب الدولار في التجارة وهو اتفاق سيتيح لبكين، أكبر منافس للهيمنة الاقتصادية الأمريكية، وللبرازيل، أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية، إجراء صفقاتهما التجارية الهائلة مباشرة واستبدال اليوان الصيني بالريال البرازيلي والعكس بالعكس، أي باستخدام اليوان، بدلاً من الاعتماد على الدولار.
بالإضافة إلى ذلك ، اتفقت البرازيل والأرجنتين في يناير/ كانون الثاني الماضي على إطلاق عملة موحدة جديدة، تحمل اسم "سور"، بهدف تعزيز التجارة الإقليمية، وتقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي.
وفي تصريحاته لصحيفة "فايننشال تايمز"، أكد وزير الاقتصاد البرازيلي "سيرخيو ماسا"، على أنه سيكون هناك قرار لبدء دراسة المعايير اللازمة لعملة مشتركة، بما يشمل كل شيء بداية من الأمور المالية وصولاً إلى حجم الاقتصاد ودور البنكين المركزيين.
12 دولة تجرب التخلي عن العملة الخضراء
ووفقا لوكالة بلومبرغ، بدأ ما لا يقل عن 12 دولة في أمريكا الجنوبية في تجارب للتخلي عن الدولار.
وإلى جانب روسيا، تخلت الصين أيضا عن التعامل بالدولار مع باكستان وتجرى المحادثات مع دول مثل بنجلادش وكازاخستان ولاوس لتعزيز استخدام اليوان الصيني في التعاملات التجارية.
وكانت وزارة الخارجية الهندية قد أعلنت أن البلاد وماليزيا ستستخدمان الروبية الهندية في التعاملات التجارية بين البلدين، بعد سماح بنك الاحتياطي الهندي بتسوية التجارة الدولية بالعملة الوطنية.
بالإضافة إلى ذلك، قامت البنوك المركزية، خاصةً الروسية والصينية، بشراء الذهب، بأسرع وتيرة منذ أواخر الستينيات من القرن الماضي، وذلك مع تحرك الدول لتنويع احتياطياتها بعيدًا عن الدولار، وصولاً للاستغناء عنه بشكل كامل ونهائي، ومن ثم تخزين المعدن الأصفر النفيس لأغراض استراتيجية.
وفي هذا السياق، تكثف شركات تعدين الذهب الصينية نشاطاتها لاستخراج المعدن الأصفر النفيس، وتقبل على شراء مؤسسات صناعية أخرى للتعدين حول العالم بنشاط ملحوظ، وتعمق لذلك استثماراتها وتوسعها في قارتين، إفريقيا وأمريكا اللاتينية.
وفي يونيو/حزيران 2020، قال "فانج هاي شينج"، نائب رئيس لجنة تنظيم الأوراق المالية الصينية، إن اعتماد الصين على النظام المالي الدولي القائم على الدولار يجعلها عرضة للخطر.
aXA6IDE4LjE5MS4xNTQuMTMyIA== جزيرة ام اند امز