"حقن الموت".."العين الإخبارية" تفتح دفاتر الحوثي بحق أطفال اليمن
لا تزال صنعاء -واليمن برمته- لم تصح من الصدمة التي هزت أركان البلاد منذ أسوأ جريمة لحقت بالطفولة وخلفت نحو 53 طفلا ضحية من مرضى سرطان الدم.
وللمرة الأولى منذ 8 أعوام من عمر حرب الانقلاب الحوثي، لم يكن الضحايا الأطفال سقطوا قتلى ومصابين إثر هجوم جوي أو بري أو لغم أرضي أو قناص حوثي، وإنما عبر عدو من نوع آخر تسلل إلى أوردتهم في "حقنة دواء".
كما أن الصدمة أن الواقعة بدأت في مستشفى بصنعاء يوم 24 سبتمبر/ أيلول الماضي، وبسبب تعتيم مليشيات الحوثي على الجريمة تمددت إلى مركز علاج مرضى "اللوكيميا" في المستشفى الجمهوري بصنعاء وانتقلت إلى أقصى شرق البلاد في سيئون في حضرموت.
وارتفعت حصيلة الضحايا الأطفال إثر الدواء المغشوش من 8 قتلى في أول يوم إلى 21 قتيلا ونحو 32 مصابا بينهم حالتين سجلتهم الحكومة اليمنية في حضرموت حتى أمس الأحد، بحسب مصدر يمني لـ"العين الإخبارية".
ورغم الهزة العنيفة التي أحدثتها الجريمة إلا أن مليشيات الحوثي والأمم المتحدة لم تشكلا حتى اليوم لجنة تحقيق في قضية باتت محط أنظار الرأي العام المحلي والدولي بعد انكسار حالة التعتيم المتعمد للمليشيات.
حقن الموت
قبل 4 أشهر من وقوع كارثة صنعاء، سلطت "العين الإخبارية" على أنشطة قيادة مليشيات الحوثي المشبوهة في القطاع الصحي بتقرير حمل عنوان "الأرباح قبل الأرواح"، وحددت منتصف يونيو/حزيران الماضي شبكة حوثية من 5 قيادات تدير نحو 20 كيانا أخطرها شركات استيراد الأدوية المزيفة.
ودق التقرير جرس إنذار مبكر من خطورة جلب مليشيات الحوثي الموت لليمنيين ليس عبر الرصاص والمدافع فحسب، وإنما أيضا عبر "حقن أدوية" مسرطنة وفتاكة ومنتهية الصلاحية وما كارثة أطفال اللوكيميا إلا إحداها.
وهذا ما أقر به عضو المكتب السياسي للحوثيين القيادي البارز علي العماد في تسجيل صوتي مسرب تلقته "العين الإخبارية"، بوجود تجار مستوردين ونافذين للمبيدات أصبحوا يدرون شركات لاستيراد وبيع الأدوية المغشوشة.
وأقر بأن المليشيات الحوثية تعيش حالة طوارئ غير معلنة بعد تحول قضية أطفال اللوكيميا إلى الرأي العام، مؤكدا امتلاكه تفاصيل الواقعة منذ حدوثها لكنه يخاف أن يؤجج ذلك الرأي العام المحلي والدولي، إشارة لإخفاء متعمد تمارسه المليشيات خشية انكشاف مخططاتها.
وقال القيادي الحوثي أن مستشفى الكويت في صنعاء هو من قام بشراء الدواء وليس ذوي المرضى كما أجبروهم بالحديث بذلك لوسائل الإعلام، مشيرا إلى أنه "حصل ظرف طارئ وقرر الأشخاص شراء العلاج الموجود بالسوق، فصدموا بالكارثة".
واعترف القيادي البارز أن عدد الضحايا في اليوم الأول كان يزيد عن 28 طفلا بين وفيات ومصابين في اليوم الأول، ما يشير إلى أن الأرقام أعلى بكثير مما ظهر على وسائل الإعلام.
وعن من يتحمل مسؤولية الكارثة، حمل القيادي الحوثي "الهيئة العليا للأدوية والمستلزمات الطبية بصنعاء" بقيادة محمد المداني المسؤولية الكاملة، مؤكدا أن جهاز الرقابة والمحاسبة الذي يديره أصدر أكثر من تقرير يثبت عدم قيامها بمهمتها وفساد "يشيب الرأس" بما فيه تعطيل المختبر المركزي للهيئة العليا.
وذكر أنه أطلع ما يسمى وزير الصحة بصنعاء طه المتوكل تقارير فساد "الهيئة العليا للأدوية"، مؤكدا أنها تحولت إلى مصدر إيرادي واقتصادي للجماعة ككل، حيث تدخل كثير من الأدوية في تعرفة "مزورة" ويتم ذلك بالتنسيق مع شركات خارجية.
كما أن أكثر من 70 بالمائة من موظفي الهيئة العليا للأدوية أصبحوا يعملون في شركات خاصة لتصبح متواطئة وشريكة مع شركات الاستيراد التي لا تتبع المعاير بشأن تخزين الأدوية.
وتحدث القيادي الحوثي عن التداخل الكبير في الصلاحيات بين كيانات مليشيات الحوثي بشأن الرقابة وتولي المهام ما خلق فوضى في مؤسسات الدولة الخاضعة لسيطرتها.
وفيما اتهم القيادي الحوثي الشرعية بمنع نحو 400 صنف من أصناف الدواء إلا أنه أكد أنها أصبحت تدخل عبر التهريب لكن هيئة الأدوية لم تقم بدورها ولم تنزل للصيدليات لفحص الأدوية والمختبر كذلك.
واعترف العماد بفشل ما يسمى "وزير الصحة" الحوثي في إدارة القطاع الصحي، مشيرا إلى أنه يفتقر للأدوار الإدارية والإشراقية والرقابية من نوع آخر وأن الجريمة نتاج طبيعي عن التقصير الذي يحدث بصفوف المليشيات.
وفيما كشف عن تحول التجار المستوردين والنافذين للمبيدات إلى تجار لبيع الأدوية المضروبة، نبه هيئتي الأدوية والمواصفات من ضرورة تكثيف عملها لكشف الأدوية المزيفة التي تغرق مخازن التجار في الأسواق.
تسرب الأدوية.. حرب حوثية أخرى
لم تكتف مليشيات الحوثي بإرسال الأطفال إلى الموت عبر حمل السلاح في ميدان المعركة، ولكنه جلب الموت إليهم بعد استيراد أدوية كيماوية مغشوشة أودت بحياة العشرات وسربتها إلى المناطق المحررة.
ووفقا لوكيل وزارة الصحة اليمنية الدكتور سالم الشبحي لـ"العين الإخبارية"، قضية أطفال اللوكيميا بصنعاء تعيد التذكير بالتدمير الممنهج والفساد والعبث الذي مارسته المليشيات الانقلابية الحوثية بحق القطاع الصحي.
وأكد أن كارثة مليشيات الحوثي لا تقتصر على حربها الدموية في الجانب الإنساني ولكنها تسببت "بعدم السماح للمنظمات بالتدخلات في إعطاء اللقاحات للمواطنين إلى جانب إرباك الوضع الصحي وانتقال الأمراض إلى المحافظات المحررة".
وبحسب المسؤول في وزارة الصحة المعترف بها دوليا فإن مليشيات الحوثي تقف خلف تدفق "ودخول الأدوية غير المصرح بها أو المنتهية وهي مشكلة أخرى لا تقل خطورة عن الحرب"، مشددة على ضرورة أن "تمر جميع الأدوية والمستلزمات الطبية تحت رقابة وفحص الهيئة العليا للأدوية في عدن".
وأقر الشبحي بتسرب بعض الأدوية إلى المحافظات المحررة، مما قد تسبب الخطر على المواطن لكنه أرجع ذلك إلى "الحدود المفتوحة" مع مليشيات الحوثي.
وطالب الشبحي وهو رئيس الصحة والبيئة في المجلس الانتقالي الجنوبي في تصريح لـ"العين الإخبارية" الجهات الأمنية المعترف بها باليمن بتشديد المراقبة الحدودية الصارمة والتفتيش ومنع أي تجاوزات غير مصرح بها رسميا إلى المحافظات المحررة.
كما ندعو "جميع المنظمات الدولية أن تفتح مراكزها الرسمية في العاصمة عدن ومخازنها للأدوية كذلك حتى يتسنى لنا الإشراف والمراقبة على الجميع".
كذلك طالب الشبحي "جميع الصيدليات بعدم التعامل مع الأدوية غير المصرح بها من الهيئة العليا للأدوية في عدن وعلى أجهزة الرقابة الدوائية بالنزول المتكرر والمفاجئ إلى داخل المخازن والصيدليات ومراقبة كل الأعمال الدوائية منها صلاحيتها وكيفية خزنها وبيعها والتراخيص المتعلقة بذلك وإحالة المخالفين للجهات ذات الصلة".
تدمير القطاع الصحي
جرعة الأدوية الملوثة التي وزعتها المليشيات الانقلابية على عدد من المستشفيات، فتحت مرة أخرى ممارسة الحوثي لتدمير ممنهج للقطاع الصحي الحكومي في مناطق سيطرته.
وتنوع هذا التدمير طبقا لوزير الإعلام اليمني معمر الإرياني من "استهداف البنية التحتية للمستشفيات والمراكز الصحية، ونهب الأجهزة والمعدات، واستبدال قيادات وزارة الصحة والوحدات التابعة بعناصر حوثية تفتقر للمؤهلات والخبرة ،ووقف مرتبات الكادر الصحي والتمريضي".
كما "قامت مليشيات الحوثي بالاستيلاء على عدد من كبريات المستشفيات الخاصة تحت مبررات مختلفة، ومارست عمليات نهب وابتزاز منظم تجاه البعض الآخر، ما أدى إلى تراجع مشاركة القطاع الخاص، وإغلاق عدد من المستشفيات الخاصة وتسريح كوادرها، وتراجع مستوى الخدمات التي يقدمها ما تبقى منها للمواطنين".
وقال الإرياني إن "مليشيات الحوثي نفذت عمليات تضييق على كبار شركات الأدوية التي عملت في هذا المجال وتمتلك الخبرة، واستبدلتها بشركات وهمية مملوكة لقياداتها، بهدف استخدامها كغطاء لعمليات بيع الأدوية المجانية المقدمة من منظمة الصحة العالمية ومنظمات دولية، وإنعاش سوق الأدوية المهربة المقلدة ومنتهية الصلاحية".
كما "شنت مليشيات الحوثي حملات منظمة لإفشال الحملات الوطنية التي نفذتها الحكومة الشرعية بالتنسيق مع جهات مانحة لتحصين الأطفال، وقامت بالتضييق على عمل المنظمات الدولية، ونهب المساعدات من الأدوية التي تقدمها للأمراض المستعصية، لإعادة تدويرها في السوق، وتخزينها لفترات طويلة في بيئة غير مناسبة".
وكانت الحكومة اليمنية حملت يوم الجمعة الماضية، مليشيات الحوثي المسؤولية الكاملة عن ما وصفتها "فاجعة صنعاء" التي أودت بحياة عشرات الأطفال إثر جرعة دواء قاتل.
يأتي ذلك وسط دعوات منفصلة لمنظمات يمنية ودولية للمجتمع الدولي لا سيما منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف" وكافة الجهات الدولية ذات الصلة لفتح تحقيق دولي وعاجل في تداعيات وفاة 21 طفلا مصابا بالسرطان بصنعاء.
وبدأت القصة عندما حقن الأطباء في مستشفى الكويت في صنعاء مرضى السرطان من الأطفال بدواء "الميثوتركسيت" وهو نوعًا من العلاج الكيميائي، يعمل على إبطاء نمو الخلايا السرطانية أو إيقافه.
في اليوم التالي، وفقا لمصادر تحدثت لـ"العين الإخبارية"، بدأت أعراض التشنج والغيبوبة تظهر على أجساد الأطفال ما أدى إلى نقل الحالات الحرجة إلى المستشفى الجمهوري لكن 21 طفلا لفظوا أنفاسهم فيما أصيب 30 طفلا آخرين.
aXA6IDE4LjIyMy40My4xMDYg جزيرة ام اند امز