خبير يحذر: إضراب 2 ديسمبر ناقوس خطر لمستقبل العقد الاجتماعي في فرنسا
"الإضرابات الاجتماعية التي تشهدها فرنسا ليست مجرد رد فعل عابر على ميزانية معينة، بل هي إشارة تحذيرية أوسع لفشل تركيبة العقد الاجتماعي في البلاد"، وفق ما أكده خبير فرنسي لـ"العين الإخبارية".
وأكد الخبير الاقتصادي والاجتماعي الفرنسي الدكتور لوران دو مارش، الباحث في مركز دراسات الحركات الاجتماعية والتنمية الاقتصادية، المتخصص في الإضرابات الاجتماعية في أوروبا أن إضراب الثلاثاء ليس مجرد احتجاج على مشروع موازنة 2026، بل يمثل صرخة تحذيرية حول هشاشة العقد الاجتماعي في فرنسا.
وأوضح لوران دو مارش في تصريح خاص لـ"العين الإخبارية" أن هذا التحرك النقابي، الذي دعت له اتحاد النقابات العمالية في فرنسا وكونفيدرالية الشغل والتضامن، احتجاجاً على مشروع موازنة 2026 وما يتضمنه من "إجراءات تقشف"، يهدف إلى إعادة بناء ثقة العاملين بالدولة ومواجهة سياسات التقشف المتكررة التي أثرت على التعليم، الصحة، والنقل، كما يشكل اختباراً لقدرة الحكومة على الاستماع إلى المواطنين قبل أن تتحول الاحتجاجات إلى أزمات أوسع.
وتطالب النقابات برفع الأجور، الحفاظ على الوظائف، ورفض تخفيضات في التعليم، الصحة، والخدمات العامة، والهدف هو الضغط على الحكومة، خاصة مع إعادة النظر في ميزانية الضمان الاجتماعي، في ظل استياء واسع من سياسات التقشف.
ويعد قطاع التعليم من أكثر القطاعات تأثراً، وذلك بإضراب معلمي المدارس الابتدائية والثانوية، مما قد يؤدي إلى إغلاق مدارس أو إلغاء حصص في بعض المؤسسات، أما المشكلات المحتملة تشمل تعطل الخدمات المرافقة مقاصف، أنشطة ما بعد المدرسة، الحضانة، وربما غياب الحد الأدنى من الخدمات في كل مدينة.
واعتبر أن "هذا الإضراب ليس مجرد رد فعل عابر على ميزانية معينة، بل هو إشارة تحذيرية أوسع لـ فشل تركيبة العقد الاجتماعي في فرنسا".
ورأى الدكتور دو مارش أن سياسات التقشف المتكررة منذ سنوات، التي بدأت بعد الأزمات الاقتصادية العالمية وجائحة كورونا، أضعفت الثقة بين المواطنين والدولة، الإضراب هو محاولة لإعادة تعبئة هذا الرصيد من الثقة عبر العمل الجماعي والنقابي.
وأشار إلى أن القطاع العام يعاني من نقص في الاستثمار البشري، تخفيض الأجور، تجميد الترقية، تسريح الموظفين، وكل ذلك يضع ضغطاً مضاعفاً على الخدمات الأساسية (تعليم، صحة، نقل).
ورأى إذا رفضت الحكومة الحوار الجاد، ليس فقط حول الميزانية، بل حول إعادة بناء سياسة اجتماعية متوازنة، فإن مثل هذه الإضرابات ستتكرر وربما تتصاعد، لأن العاملين لا يرون سوى الاحتجاج كوسيلة للتأثير.
لكنه أيضاً يحذر الإضراب، إذا استمر دون حلول، قد يلحق ضرراً بالمجتمع كله: تعطيل المدارس، قلق الأسر، اضطراب الخدمات، تأخر في المعاملات الإدارية، تراجع الثقة في المؤسسات.
ورأى أن "الإضراب هو صرخة، وليس دعوة للفوضى، يجب أن يستمع إليها قبل أن يتحول الصمت إلى انفجار أكبر".
النقل والخدمات العامة
على الرغم من الدعوة لإضراب عام، فإن التوقعات الرسمية، بحسب وزارتي النقل وإدارات خطوط السكك الحديدية في فرنسا تشير إلى أن شبكات النقل الكبرى مثل المترو، القطارات فائقة السرعة، والحافلات قد تسير بشكل شبه طبيعي، وبعض خطوط القطارات الإقليمية قد تشهد تأخيراً أو إلغاءً محلياً؛ خصوصاً بعض المناطق في الأقاليم والمناطق الريفية.
وتأثرت بعض الخدمات الإدارية (دوائر الحكومة، مراكز التوظيف، إدارات الضرائب، مكاتب الخدمات الاجتماعية)، وقد تُغلق بشكل مؤقت أو تعمل بموارد محدودة.
في القطاع الصحي، إضرابات محتملة، لكن يُتوقع أن تبقى الخدمات الحرجة حاضرة بموجب القوانين التي تضمن استمرارية العلاجات الأساسية.
النشاط العام والمجتمع المدني
وعلى مستوى التجمعات، أكثر من 150 تظاهرة ومسيرة مرتقبة في مختلف المدن الفرنسية، بحسب النقابات.
ومطالب النقابات لا تقتصر على الأجور، تشمل أيضاً رفض تخفيضات الوظائف خصوصاً في التعليم، وتحسين الأجور، أو تأمين حقوق العاملين في القطاع العام، بحسب صحيفة "لوموند" الفرنسية.
أبعاد سياسية واجتماعية أوسع
الإضراب في هذا التوقيت، مع مناقشة ميزانية 2026، قد يؤثر على حراك الرأي العام ويزيد الضغط على الحكومة لتغيير وجهة السياسات أقل تقشف، أكثر دعم للرواتب والخدمات.
ووفقاً للخبير الاقتصادي الفرنسي فإن الإضرابات تعكس تحولاً في وعي المواطنين والعاملين، مجموعة لا تجاهر فقط بالمطالب الاقتصادية، بل بالمطالبة بـ"كرامة الشغل" و"عدالة اجتماعية"، وهو ما قد يعيد تشكيل الضغوط السياسية في فرنسا خلال الفترة المقبلة.
قد يؤدي إلى تزايد دور النقابات العمالية هذا إن نجحت في تعبئة صفوف العمال والمواطنين حول مطالب مشتركة، ما يهدد استمرار بعض الإصلاحات الحكومية إذا ظلت تُفرض من فوق دون حوار.
