موازنة فرنسا 2026.. سيناريوهات مستقبلية بعد رفض تاريخي (حوار)
اعتبرت الخبيرة الاقتصادية الفرنسية، في المركز الوطني للبحث العلمي، المتخصصة في الاقتصاد السلوكي، ماري كلير فيلفال، أن رفض الجمعية الوطنية (البرلمان) لمشروع الموازنة 2026 يعكس أزمة ثقة عميقة بين البرلمان والحكومة.
وتواجه الحكومة شكوكاً في قدرتها على تقديم رؤية اقتصادية متماسكة ومستدامة.
ورسمت ماري كلير فيلفال 3 سيناريوهات مستقبلية محتملة بعد رفض الميزانية.
وفي سابقة في تاريخ الجمهورية الخامسة، رفضت الغالبية الساحقة من الجمعية الوطنية الفرنسية، السبت، مشروع موازنة الدولة لعام 2026.
وقالت فيلفال في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، إن رفض الإيرادات (404 نواب ضد، واحد فقط مع، و84 ممتنعًا) يشير إلى أن النواب لا يثقون بالمعايير التي استخدمها الحكومة لتقدير المنافذ الضريبية أو الإمكانيات الحقيقية لزيادة الإيرادات.
وأوضحت أن هذا النوع من التصويت الجماعي الضخم ليس مجرد خلاف سياسي، بل إشارة إلى خلل هيكلي في كيفية تصميم السياسات المالية، حيث يبدو أن الحكومة لم توفر برنامجًا اقتصاديًا مقنعًا من حيث النمو، والاستثمار، والعدالة الضريبية.
وأشارت فيلفال إلي أن أسلوب الحكومة الفرنسية في الميزانية كان خاطئاً لأنها تعول كثيرًا على تخفيض العجز عبر إجراءات تقشفية أو عبر فرض ضرائب على الشركات والمليونيرات، بدلاً من اقتراح خطة نمو واضحة تساعد على زيادة القاعدة الضريبية من خلال الاستثمار.
السيناريوهات المستقبلية بعد رفض موازنة 2026 في فرنسا
وحول السيناريوهات المحتملة، فقد أشارت الخبيرة الاقتصادية الفرنسية إلي أنه بعد الرفض التاريخي شبه بالإجماع لموازنة 2026 في الجمعية الوطنية، تواجه الحكومة الفرنسية عدة خيارات تحدد مسار المرحلة المقبلة، لكن جميعها محفوف بالتحديات السياسية والاقتصادية.
وأضافت أن أول هذه السيناريوهات هو اللجوء إلى مجلس الشيوخ لمناقشة المشروع انطلاقًا من النص الأصلي للحكومة، حيث يمكن أن يبدأ النقاش في الجلسة العامة نهاية نوفمبر، على أمل التوصل إلى توافق جزئي أو كامل.
وأشارت فيلفال إلي أن الخيار الثاني هو استخدام المادة 49.3 من الدستور، التي تسمح بتمرير الموازنة دون تصويت كامل في الجمعية، وهو خيار اقترحه بعض النواب من معسكر الحكومة كوسيلة لضمان اعتماد الميزانية قبل نهاية العام. هذا السيناريو يواجه مع ذلك مخاطر سياسية كبيرة، إذ قد يزيد من توتر العلاقات بين الحكومة والبرلمان ويضعف صورة الأغلبية في مواجهة المعارضة.
والسيناريو الثالث، وفقاً للخبيرة الاقتصادية يتمثل في اعتماد قانون خاص مؤقت لتحصيل الضرائب القائمة، ما يتيح استمرار عمل الحكومة المالي مؤقتًا حتى مطلع العام المقبل، مع استئناف النقاشات حول الموازنة بعد ذلك، موضحة أن هذا الحل ينظر إليه كخطوة مؤقتة، لكنه يوفر استقرارًا جزئيًا للسوق والمالية العامة، مع إمكانية تعديل الميزانية لاحقًا بناءً على توافق سياسي أوسع.
ورأت أن هناك احتمالا أقل ترجيحًا، لكنه مطروح، وهو اللجوء إلى المراسيم لتطبيق بعض بنود الموازنة بشكل سريع، لكن الحكومة استبعدت هذا الخيار مبدئيًا، معتبرة أنه قد يثير اعتراضات دستورية ومخاطر اجتماعية.
وأوضحت أنه بشكل عام، جميع السيناريوهات ترتبط بقدر كبير من التعقيد السياسي والاقتصادي، وقد يحدد نجاح أي منها قدرة الحكومة على فرض أولوياتها المالية، وضمان استقرار الاقتصاد، وإعادة الثقة في المؤسسات قبل نهاية العام.
مخاطر التقشف على النمو والبطالة
وكما أشارت بعض التوقعات من جانب المنظمات الاقتصادية (مثل OFCE في تسجيلات الجمعية الوطنية) إلى أن الموازنة المقترحة قد تكبل النمو وتضرّ بالتوظيف. بالفعل في نقاش برلماني أُشير إلى أن النفقات المقترحة ستتسبب في تراجع للنمو بـ 0.8 نقطة من الناتج المحلي الإجمالي.
ورأت الخبيرة الاقتصادي الفرنسي أن هذا مشروع اقتصادي خطير، فإذا كان تقليص العجز يأتي على حساب النمو والاستثمار، فإن الاقتصاد الفرنسي قد يدفع ثمنًا كبيرًا.
وعلي الرغم من أن التصويت لم يكن مفاجئًا، لكنه ينذر بصعوبة بالغة في إقرار الموازنة قبل نهاية العام. فبعد 125 ساعة من النقاشات التي اتسمت أحيانًا بالتوتر، لا سيما حول الضرائب على الثروات وعلى الشركات الكبرى، صوت 404 نواب ضد الجزء الخاص بـ"الإيرادات" من المشروع، ما أسقط النص برمته من دون حتى الانتقال إلى مناقشة الجزء المتعلق بـ"النفقات"، بحسب إذاعة "آر إف إي" الفرنسية.
وصوتت كتل اليسار وحزب التجمع الوطني ضد المشروع، فيما انقسم معسكر الحكومة بين معارضين وممتنعين. ولم يصوّت لصالح النص سوى نائب واحد هو هارولد أوارت عن الكتلة الوسطية "ليوت".
وكانت الجمعية قد رفضت موازنة الدولة عام 2024 أيضًا في سابقة ضمن الجمهورية الخامسة، إلا أن رفضها بهذه السعة غير مسبوق.
واعتبرت وزيرة الحسابات العامة، أميلي دو مونشالان، أن "أطول نقاش حول الموازنة» في تاريخ الجمهورية الخامسة كان "عملًا مفيدًا"، لكنها في الوقت نفسه نددت بـ«عدد من الإجراءات غير الدستورية أو غير الواقعية أو غير القابلة للتطبيق".
وعلى منصة "إكس"، هاجمت ما وصفته بـ"الموقف الساخر" للأطراف المتطرفة، معربة في المقابل عن "قناعتها" بإمكانية التوصل إلى تسوية.
غياب دعم المعسكر الحكومي
وبرر معسكر الحكومة غياب دعمه للنص بالإجراءات التي أقرتها المعارضة، واصفًا إياها بـ"الفظائع الاقتصادية"، وفق تعبير بول ميدي (حزب النهضة). من جهته، أشار رئيس الوزراء سيباستيان لوكورنو، في 21 نوفمبر/تشرين الثاني، إلى "مناورات تكتيكية للأطراف المتطرفة تجعل النص فاقدًا للمصداقية".
ومن بين الإجراءات التي أثارت غضب الحكومة: زيادات ضريبية عدة، منها "ضريبة عالمية" على الشركات متعددة الجنسيات يفترض أن تدر 26 مليار يورو، ورفع الضريبة على إعادة شراء الأسهم، وفرض مساهمة على الأرباح الموزعة.
وبحسب دو مونشالان، فإن العجز سيصل إلى 4.1% من الناتج المحلي الإجمالي مع هذه الإجراءات (مقابل هدف 4.7% في النص الأصلي)، فيما سيبلغ 5.3% في حال عدم اعتمادها، معتبرة إياها "هشة".
في المقابل، رفض إريك كوكرال، رئيس لجنة المالية عن حزب فرنسا الأبية، هذا الطرح، معتبرًا أن النص الأصلي "قدم من حكومة كما لو كانت تملك أغلبية"، وكان محكومًا عليه بـ"إغضاب الجميع".
أما رئيس كتلة "موديم" مارك فِزنو فقال: "هذا النص ليس نص أحد بالكامل، لكن على كل طرف أن يتحمّل جزءًا من المسؤولية".
في حين رأى جان فيليب تانغي (التجمع الوطني) أن ما يحدث مجرد "إلهاء"، متوقعًا أن تمرّر الحكومة نصها الأصلي عبر المراسيم أو باستخدام المادة 49.3 من الدستور.
الحصيلة غير كافية
وكان الحزب الاشتراكي، الذي وافق على عدم إسقاط رئيس الوزراء مقابل تعليق إصلاح التقاعد والتخلي عن استخدام المادة 49.3، يأمل أن تفضي النقاشات إلى إجراء يحقق عدالة ضريبية، مثل "ضريبة زوكمان" أو صيغة بديلة، إلا أن هذه المقترحات رفضت.
كما جرى تخفيف الضريبة على الشركات القابضة التي اقترحتها الحكومة بمبادرة من اليمين. وفي ساعات الليل المتأخرة، نجح الاشتراكيون في تمرير ضريبة على الثروة غير المنتجة بصياغة وصفت بالمرتبكة.
واعتمد النواب كذلك زيادة بقيمة ملياري يورو في الضريبة الإضافية على أرباح الشركات الكبرى، ومضاعفة الضريبة على عمالقة التكنولوجيا، فضلاً عن تحديد سقف لبعض الإعفاءات الضريبية مثل اتفاق "دوتريي".
لكن بوريس فالود (الحزب الاشتراكي) شدد على أن "الحصيلة غير كافية"، معتبرًا أن الإيرادات لا تكفي لتعويض التخفيضات المزعجة في السياسات العامة.
وانتقد "تعنت جزء من الكتلة الوسطية"، داعيًا لوكورنو إلى "إعادة النظر في سلطته على معسكره"، مؤكدًا في الوقت ذاته أن الحزب سيواصل "البحث عن تسوية".
المرحلة المقبلة: مجلس الشيوخ
سينتقل مشروع الموازنة الآن إلى مجلس الشيوخ، الذي يُفترض أن يبدأ مناقشته في الجلسة العامة اعتبارًا من الخميس المقبل، انطلاقًا من النص الأصلي للحكومة. ويبدو إقراره قبل نهاية العام مهمة شبه مستحيلة، سواء من حيث المهل أو توافر أغلبية مؤيدة، غير أن الحكومة لا تزال تأمل ذلك، إذ شدد رئيس الوزراء قائلاً: "يجب أن ينجح الأمر".
واقترح المقرر العام للموازنة في مجلس الشيوخ، فيليب جوفان (من حزب الجمهوريين)، على الحكومة اللجوء في نهاية المطاف إلى المادة 49.3 لتمرير الموازنة قبل 31 ديسمبر، على اعتبار أن امتناع الحزب الاشتراكي عن إسقاط الحكومة سيكون أسهل من تصويته لصالح موازنة تُعد عادة مؤشرًا على الانتماء للأغلبية.
كما يمكن للحكومة اعتماد "قانون خاص" يتيح تحصيل الضرائب القائمة مؤقتًا، قبل استئناف النقاشات حول الموازنة مطلع العام المقبل، وهو سيناريو يفضله عدد من قيادات المعسكر الحكومي، إلا أن سيباستيان لوكورنو رأى أنه "ليس الحل"، واستبعدت الحكومة أيضًا، مبدئيًا، خيار تمرير الموازنة عبر المراسيم.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuNTYg جزيرة ام اند امز