تفكيك خطاب الإخوان.. مواجهة فكرية لدرء التطرف وصون الدولة الوطنية

أجمع أكاديميون بارزون على أن تنظيم الإخوان يُمثل خطرا مركبا على الدين والدولة والمجتمع، بوصفه حركة أيديولوجية تنتهج خطابا تضليليا متطرفا يختطف النصوص الدينية، ويقوض مفاهيم المواطنة، ويستهدف الدولة الوطنية من الداخل.
جاء ذلك في ندوة علمية استثنائية نظّمتها جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية في أبوظبي، حملت عنوان "تنظيم الإخوان المسلمين: خطاب التطرف والتضليل"، شهدت خمس مداخلات فكرية معمقة قدّمها باحثون ومختصون في الفكر السياسي والديني، تناولوا فيها الأصول الفكرية للجماعة، مساراتها التاريخية، آلياتها الخطابية، علاقتها بالدولة الوطنية، واستراتيجيات اختراقها للمجتمعات، في محاولة جادة لتفكيك بنيتها الأيديولوجية وكشف مخاطرها على الأمن الفكري والاجتماعي.
وأكد المشاركون أن الجماعة قامت على مشروع سياسي لا علاقة له بالإصلاح الديني، واعتمدت في مسيرتها على اختراق المؤسسات، وتزييف الوعي، والتغلغل في الداخل والخارج عبر شعارات "الحاكمية" و"الخلافة"، بينما جوهرها الحقيقي – كما وصفها المتحدثون – تيار شمولي إقصائي يستخدم الدين وسيلة للوصول إلى السلطة.
وشددت المداخلات على أن محاربة الإرهاب لا تكون فقط بالأمن، بل بتفكيك بنيته الخطابية، وتجفيف مستنقعه الأيديولوجي، مع التأكيد على أن تنظيم الإخوان لا يمثل تيارا دعويا، بل مشروعا فكريا سياسيا شموليا يعمل على نسف الدولة الوطنية من الداخل، وتلغيم الوعي الجمعي، واختطاف الدين من رحم الرحمة إلى فوضى التمكين.
ولفت المشاركون إلى أن دولة الإمارات، من خلال تجربتها في المواجهة الفكرية والتنموية، ومن خلال مؤسسات كجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، تقدم نموذجا عربيا رائدا في تحصين المجتمعات، وإعادة الاعتبار للخطاب الديني العقلاني والوطني.
المواجهة بالفكر لا بالشعار
استهلّ الدكتور خليفة مبارك الظاهري، مدير الجامعة، أعمال الندوة بالتأكيد على أن هذا اللقاء العلمي لا يستهدف التجريم أو الإدانة السياسية، وإنما قراءة معرفية تحليلية لخطاب جماعة استخدمت الدين مطية، والمظلومية وسيلة، والخلافة غاية سلطوية.
أبرز الظاهري أن الإخوان حوّلوا الإسلام من دين للسلام إلى مشروع سلطوي مغلق، يجتزئ النصوص ويؤدلج العقيدة، وينصب نفسه وصيًا على الدين، مقابل تجريم الآخر وتفكيك المجتمع والدولة.
كما أشار إلى أن الجماعة "جاءت بمفاهيم غير مسبوقة في التراث الإسلامي"، مثل القول إن إقامة الدولة الإسلامية شرط من شروط التوحيد، واعتماد العنف وسيلة مشروعة، وأسلمة المعرفة، وتوظيف خطاب الضحية للتغلغل في الدول والمجتمعات.
جماعة تكره الدولة وتحتقر الوطنية
وفي مداخلة فكرية دقيقة، قدّم الدكتور رضوان السيد، عميد كلية الدراسات العليا في الجماعة، قراءة شاملة للموقف الإخواني من الدولة الوطنية، منذ التأسيس في 1928 وحتى اللحظة الراهنة.
وأوضح أن الجماعة ومنذ لحظتها الأولى تمردت على الدولة الحديثة، وادّعت حصرية الشرعية باسم الدين، ورفعت شعار استعادة الخلافة على أنقاض النظام الوطني.
وأكد السيد أن التنظيم تحوّل سريعا إلى كيان عنفي، وأسّس “التنظيم الخاص” كجهاز سري للاغتيالات والمواجهات المسلحة، وواصل نهجه هذا حتى مع ما سُمي بالربيع العربي، حين تحالف مع الفوضى وسعى لاختراق المؤسسات تحت شعار “الإسلام هو الحل”.
وحذر من استغلال الجماعة لمراكز دينية ومساجد في أوروبا، حيث تمارس شكلاً مزدوجًا من الخطاب الديمقراطي في الظاهر، والانقلابي التكفيري في العمق، مضيفًا: "ما تريده الجماعة ليس تطبيق الشريعة، بل التمكين، والتمركز في السلطة، أما الشريعة فهي ذريعة".
صناعة العبودية للمرشد
وفي مداخلة ثرية أخرى، تناول الدكتور عدنان إبراهيم، مستشار مدير الجامعة، الخطاب الداخلي للجماعة، مفندًا بنيتها النفسية والتنظيمية.
وأكد أن حسن البنا نفسه جسّد شخصية استحواذية، طالب أتباعه بطاعة مطلقة "كحق الأب على الابن، وحق الشيخ على المريد"، واستدعى بذلك النموذج الفاشي والاستبدادي.
واستعرض عدنان بالأمثلة كيف أن أدبيات البنا وقطب تمجّد القتل السياسي والاغتيال باسم “الحاكمية”، كما فعل عبد المجيد حسن بقتل النقراشي باشا، وهي الجريمة التي امتدحها لاحقا يوسف القرضاوي شعرًا.
وسخر من ما وصفه بـ"مراوغة الجماعة في مفهوم الوطن"، إذ إن حسن البنا يكتب شعرا عن حب الوطن ثم ينفي حدود الوطن الجغرافية ويختزلها في "العقيدة"، ليُفتَح الباب لتفجير مفهوم المواطنة والهوية.
وفي ربط تاريخي لافت، قارن عدنان بين جماعة الإخوان وطائفة الحشاشين الإسماعيلية من حيث الطاعة العمياء، والاغتيالات، والتنظيمات الموازية، قائلاً: "ما كان يحدث في الظلام تحت راية الحاكم بأمر الله يحدث اليوم تحت راية الحاكم باسم الله".
الاختراق عبر المؤسسات والتعليم
من جانبه، قدّم الدكتور خالد ميار الإدريسي، عضو الهيئة التدريسية بالجامعة، طرحا جيوسياسيا معمقا، مؤكدا أن الجماعة لا تعمل بمنطق الدعوة، بل تعتمد نموذج "التهديدات الهجينة" عبر الاختراق من الأعلى والأسفل.
وأوضح أن الاختراق من الأعلى يشمل الهمس في دوائر القرار السياسي، تعطيل التنمية، التغلغل في الإعلام، تسميم العلاقات الخارجية للدول، وتحريك الشارع عند الحاجة.
أما الاختراق من الأسفل فيبدأ من المنظومة التعليمية، ويمر عبر الجمعيات الخيرية، ووصولًا إلى السيطرة على المساجد والتعليم الديني، مع استغلال التمويل الأجنبي وتصدير خطاب “الاعتدال الزائف” في الغرب.
لفت الإدريسي إلى تقارير أوروبية حديثة – أبرزها الفرنسي والألماني – تكشف أن الجماعة تحولت إلى أداة اختراق ثقافي وسياسي في المجتمعات الغربية، وتستثمر تحالفها مع قوى يسارية لخلق مظلة شرعية زائفة.
الحاكمية.. من تأصيل فقهي إلى سلاح تكفيري
في مداخلة ختامية دقيقة المنهج، تناول الدكتور يوسف حميتو، عضو الهيئة التدريسية بالجامعة، مفهوم "الحاكمية"، وبيّن كيف أنه مفهوم دخيل على التراث الفقهي السني، نشأ مع المودودي وسيد قطب في بيئة سياسية متأزمة.
وقارن بين ما كتبه الماوردي والجويني حول الإمامة، وما كتبه قطب حول الحاكمية، مؤكدا أن الفارق جوهري: فالأول اجتهاد فقهي مدني، والثاني تحويل السلطة إلى أصل من أصول التوحيد، ووسيلة لتكفير الحاكم والمجتمع.
وأكد حميتو أن الجماعة أسقطت علم أصول الفقه تماما من تكوينها المعرفي، واستبدلته بـ"المقاصد التبريرية" لتبرير العنف والخروج على الدولة، مشيرا إلى أن جميع مرشدي الجماعة لم يكونوا علماء شرعيين، وهو ما أدى إلى انحراف في الخطاب وتجهيل للأتباع.
كما حذر من خطورة الثنائيات القطبية التي تروّج لها الجماعة (إسلام/كفر، جاهلية/نظام رباني، دار الإسلام/دار الكفر ... )، والتي تنتج خطابا استئصاليا لا يعترف بالتعدد والاجتهاد ولا بالواقع.
aXA6IDE4LjExNy43Ni42NyA=
جزيرة ام اند امز