تصريح السيناتور الجمهوري تيد كروز عن ضغط في الكونجرس لعزل "بايدن"، حال حصول الجمهوريين على أغلبية "متوقعة" في انتخابات التجديد النصفي، نوفمبر المقبل، يفتح صراعًا في الأشهر المقبلة.
لا سيما وأن واشنطن تعيش على وقع ظروف سياسية واقتصادية وعسكرية صعبة، تتمثل في كثير المواقف الخاطئة بالتعاطي مع الشركاء والحلفاء، والدعم العسكري غير المسبوق لأوكرانيا، في ظل انكماش اقتصادي أمريكي داخلي رهيب، وارتفاع أسعار الوقود وتدني الأجور والرواتب.
في المحصلة، فإن الرئيس بايدن وفريق عمله لا يحققون نسبا عالية في استطلاعات الرأي الأمريكية شبه الدورية، والنقمة الشعبية تتزايد أحيانا في ولايات أمريكية تُحسب على الحزب الديمقراطي الحاكم، فضلا عن بقية الولايات التي من المتوقع حصول الحزب الجمهوري فيها على أصوات انتخابية مضمونة.
لكن هناك سؤال يطرحه كثير من المتابعين للشأن الأمريكي، بحكم كون أمريكا أقوى دولة في العالم كما يُقال: هل توجد "دولة عميقة" في أمريكا؟ وهل هناك خفايا في سياسة أمريكا لا تُذكر في الإعلام ولا يطلع عليها الرأي العام؟
أولا: يتصدر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب المشهد الأمريكي، وإنْ كان خارج السلطة، ويحظى بدعم كبير في أوساط الشباب، حتى الطبقات الوسطى، التي كانت على مدى عقود تدعم التوجهات الليبرالية للحزب الديمقراطي المنافس، وقضيةُ اقتحام منزله في فلوريدا من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي، FBI، وإنْ مثلت سابقة خطيرة في تاريخ التعاطي مع رؤساء سابقين، فإنها أكسبته زخْمًا جديدًا من التعاطف، وتصديق موقفه الرامي لتصوير نفسه ضحية سياسات دولة عميقة تستهدفه.
ثانيا: فوز عدد من المرشحين في الانتخابات النصفية القادمة داخل الحزب الجمهوري، بعد دعم ترامب لهم، يدعم وصفه بـ"صانع الملوك"، والذي بات الإعلام الأمريكي يستخدمها لوصف ترامب، بعد هيمنته على دوائر الحزب الجمهوري تقريبًا، والنائبة ليز ديك تشيني، تعتبر مؤشرًا بارزًا على ذلك، بعد الخسارة التي مُنيت بها في ولايتها، لصالح مرشحة جمهورية أخرى يقف خلفها ترامب.
والحكاية السياسية الأمريكية هنا تعيدنا إلى نهاية عام 2020، حين قرر مجلس النواب الأمريكي وقتها التصويت على عزل ترامب، وصوّت إلى جانب الديمقراطيين عشرة نواب جمهوريين، انتقم منهم ترامب واحدًا تلو الآخر كما وعد.
ثالثا: على الضفة الشرقية من المحيط الأطلسي، تعيش القارة العجوز، أوروبا، اليوم على وقع يوميات الخلاف مع روسيا نتيجة الحرب الدائرة في أوكرانيا، لكن هناك أصواتا سياسية وإعلامية بدأت تعلو وتقول: الدولة العميقة في أمريكا تريد إضعاف أوروبا، والموقف الخاطئ من روسيا يجعل أوروبا محتاجة إلى الولايات المتحدة على الدوام، وهذا هو هدف الدعم الأمريكي لقادة أوكرانيا، والمتمثل في قضية "إدارة الصراع" في هذا البلد، وليس إنهاءه، أو دفع الأطراف المتنازعة للجلوس على طاولة الحوار والتفاهم.
رابعا: في دول الخليج العربي، يتوجس كثيرون خيفةً من الاتفاق النووي المزمع توقيعه بين واشنطن وإيران، لا سيما وأن الدول العربية الخليجية غابت عن أجواء المفاوضات في فيينا على مدار شهور، وعدم إشراكها جاء نتيجة رفض واشنطن غير المبرر، وبالتالي يرى البعض أن الدولة العميقة في أمريكا، تنوي "تقوية إيران" على حساب دول المنطقة، دون التطرق لمسائل جوهرية تمارسها طهران عبر دعم مليشياتها المسلحة في دول عربية مثل العراق ولبنان واليمن، وفي الوقت نفسه تمتلك هذه الدول الخليجية خيارات كثيرة، تُبقي فيها على قوتها، وتحفظ من خلالها أمنها، وتعزز كذلك من قدراتها في النمو والتطور وتحقيق السلام المستدام الذي يميزها عن غيرها.
الخلاصة من كل هذا وذاك، أن طرفًا في أمريكا لديه أيديولوجيا معينة، يعتزم فرضها على العالم، وهذا التوجه بات مفضوحًا، والتعامل معه، لا سيما على مستوى محور دول الاعتدال العربي، هو تعامل رفيع المستوى، يحفظ مصالح تلك الدول وسيادتها، ويدعو الجميع لممارسة العمل السياسي الدولي، ضمن قواعد التعاون وليس التناحر.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة