رغم جهود حركة "النهضة" في تونس لتخفي عوار أيديولوجيتها، فإن سلوكها السياسي كان كفيلا بوضعها في آخر مقاعد الهزيمة أمام الشعب.
لقد قال الشعب التونسي كلمته، التي تردد صداها في قصر قرطاج، ليصدر الرئيس التونسي، قيس سعيد، حزمة قرارات دستورية، انتشلت البلاد من كارثة محققة، كانت السياسات الإخوانية تدفع الدولة والشعب التونسيين نحوها.
والواقع أن جماعات الإسلام السياسي، ومن بينها "النهضة"، التي تم التسويق لها كأكثر فروع التنظيم الدولي للإخوان انفتاحا، بحاجة إلى مراجعة حقيقية لبنيتها الفكرية والأيديولوجية، تتجاوز التحولات الشكلية وربطات العنق والوجوه الحليقة والتصريحات الليبرالية، كما أن تلك الحركات، التي خسرت معاقلها، واحدا تلو الآخر، بحاجة ماسة كذلك إلى الوقوف أمام سيل من التجارب الطويلة الفاشلة لما يقارب القرن منذ تأسيس الجماعة، تخللتها مواجهات دائمة مع الأنظمة والدول وصراعات مرتهنة بالخارج، وصولا إلى آخر نسخة من حركات الإسلام السياسي، التي تم استحداثها في العقدين الأخيرين، عبر الاجتهاد في إخفاء نهج هذه التنظيمات ووجهها الحقيقي خلف مساحيق ثقيلة من الشعارات والمواقف والأفكار المستعارة، من حركات التحرر والثورة والعدالة، وتحويلها إلى قناع يحجب عن العالم والشعوب أصوليتها القائمة على ثنائية الإلغاء والتمكين، إلغاء الآخر والتمكين للجماعة!
لقد خسرت جماعات الإسلام السياسي، وفي مقدمتها الإخوان وفروعها المختلفة، كل الرهانات، منذ تأسيسها عام 1928 في مصر، حيث خسرت وقتها رهانها على العمل السري والاغتيالات من خلال ما عرف داخلها باسم "التنظيم الخاص"، الذي اغتال رئيس الوزراء المصري محمود فهمي النقراشي عام 1948، وتلا ذلك ما يمكن وصفه بـ"التحور" الأخطر في فكر الجماعة وسلوكها عندما لجأت إلى نهج العنف المسلح والتكفير والدخول في مواجهات مفتوحة مع الحكومات والشعوب.
وربما أدرك منظِّرو الإخوان، وما تفرخ عنها لاحقا من تنظيمات مسلحة، خسارة الرهان القائم على الصدام العنيف مع الدول أو محاولة اختراقها وتفكيكها أمنيا واجتماعيا وثقافيا من الداخل، مع تزايد الوعي الشعبي الرافض لفكر الجماعات الأصولية، وسقوط شعاراتها تحت براثن الحقيقة، فلجأت تلك الجماعات، كما رأينا فيما سُمي بـ"الربيع العربي"، إلى الاختباء تحت عباءة الشعارات الليبرالية والاشتراكية المطالبة بالحرية والعدالة الاجتماعية وتقمص شعارات "جيفارا" وخُطب مارتن لوثر كنج، وهي أفكار تتنافى في الأساس مع البنية الثقافية والأيديولوجية، التي تؤمن بها تلك التنظيمات الإرهابية، التي سعت إلى الانقلاب على الديمقراطية من داخلها، كما حدث في السودان ومصر وليبيا وتونس.
ويمكن القول إن رهانات الإخوان الأخيرة، ومن يسير على دربها، قد سقطت، وشاهدنا مسلسل السقوط المريع لهذه المشاريع، وهي تتداعى تباعا في مصر والسودان، وبشكل جزئي في ليبيا، قبل أن تلتحق تونس بركب المتحررين من أغلال الإخوان، الذين ظنوا أنه بإمكانهم ابتلاع دولة بحجم ومكانة تونس، التي تتباهى بمؤسساتها الراسخة ومجتمعها المدني الحيوي والفاعل، دولة تستمد روحها من تراث "ابن خلدون" وقيم الحبيب بورقيبة، مؤسس تونس الحديثة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة