«منظومة عميقة» تُهدد استقرار البنتاغون.. صراع أفكار

أثارت تصريحات منسوبة لدان كالدويل، المسؤول السابق في "البنتاغون"، تساؤلاتٍ حول وجود "منظومة عميقة" تُعيق سياسات الإدارة الحالية.
جاءت اتهامات كالدويل خلال مقابلة مع الإعلامي تاكر كارلسون، حيث ربط الرجل الذي أقيل مؤخراً مع اثنين آخرين، بين إقالته وبين معارضة ما وصفه بـ"المصالح الراسخة" داخل المؤسسة العسكرية، وفقا لموقع "ريسبونسبل ستيت كرافت".
وأشار كالدويل إلى مجلس سياسات الدفاع الذي يُقدم المشورة لوزير الدفاع في المسائل المتعلقة بسياسة الوزارة، كمصدرٍ محتمل للتسريبات الإعلامية المزعومة.
صراع بين الاستمرارية والتغيير
ويعكس هذا الجدل انقساماً عميقاً داخل دوائر صنع القرار في واشنطن بين تيارين: تيار التقليديين المؤيد لاستمرار الهيمنة الأمريكية العالمية عبر التدخلات العسكرية وزيادة الإنفاق الدفاعي، ويمثله أعضاء مجلس سياسات الدفاع ذوي الخلفيات المتشابكة مع حروب العراق وأفغانستان.
وتيار الإصلاحيين الذي يدفع نحو مراجعة السياسات الخارجية، وتقليل المغامرات العسكرية، وتركيز الموارد على الأولويات الداخلية، وهو التوجه الذي يُعتقد أن كالدويل وأقرانه كانوا يمثلونه.
محور الاتهامات
ويُعد مجلس سياسات الدفاع، رغم عدم شهرته خارج الأوساط السياسية، أحد أبرز الهيئات الاستشارية المؤثرة في "البنتاغون"، حيث يقدم توصيات لوزير الدفاع حول القضايا الاستراتيجية.
كما يتمتع بنفوذ بالغ داخل البنتاغون باعتباره مستودعًا لمسؤولي الأمن القومي السابقين رفيعي المستوى، والمكلفين بتقديم "نصائح وآراء مستقلة ومستنيرة حول مسائل سياسة الدفاع".
أبرز أعضاء المجلس
سوزان رايس، مستشارة الأمن القومي السابقة في عهد الرئيس باراك أوباما، والمعروفة بدورها في تعزيز التدخل الأمريكي في ليبيا 2011. وميشيل فلورنوي، التي عملت أيضًا في البنتاغون خلال إدارة أوباما وهي الآن مستشارة رفيعة المستوى تعمل مع قطاعي الدفاع والتكنولوجيا، وفق المصدر ذاته.
كما يضم أيضًا مايكل أوهانلون من معهد "بروكينجز"، وهو من أوائل المؤيدين لحرب العراق، وريتشارد فونتين، الرئيس التنفيذي لمركز الأمن الأمريكي الجديد الذي شغل مناصب مختلفة في الأمن القومي خلال الحروب، بما في ذلك مستشار السياسة الخارجية للسيناتور جون ماكين.
وبحسب التقارير، لم يعقد المجلس أي اجتماع منذ تنصيب ترامب، ولن يكون من المفاجئ أن يتم استبداله بالكامل، خاصة وأن وكيل وزارة الدفاع للتخطيط السياسي إلبريدج كولبي يشرف على عليه.
وقد تتغير الوجوه والأسماء والانتماءات السياسية، لكن أعضاء المجلس غالبًا ما يعكسون نفس التوافق الفكري بشأن استخدام القوة الأمريكية واستمرار نفوذها في الخارج، سواء من أجل الحفاظ على النظام الليبرالي العالمي أو لمواجهة صراع القوى الكبرى.
ومن بين الأعضاء السابقين في المجلس شخصيات بارزة في السياسة الخارجية مثل هنري كيسنغر ومادلين أولبرايت، التي اشتهرت بقولها: "ما الفائدة من امتلاك هذا الجيش الرائع الذي تتحدثون عنه دائمًا إن لم نستخدمه؟"
من كيسنجر إلى بايدن
يكشف تاريخ المجلس عن ظاهرةٍ أوسع في واشنطن: تداول النخبة نفسها بين المناصب الحكومية ومراكز الأبحاث والشركات الخاصة، مع الحفاظ على رؤيةٍ متشابهة لدور أمريكا في العالم.
وخلال العقود الماضية، ضم المجلس شخصياتٍ مثل: هنري كيسنغر (وزير الخارجية الأسبق): مهندس سياسة "الاحتواء" خلال الحرب الباردة. ومادلين أولبرايت (وزيرة الخارجية السابقة): التي قالت ذات مرة: "نملك أقوى جيش في التاريخ.. فلماذا لا نستخدمه؟"، وإريك إدلمان (السفير السابق): من أبرز المنظرين لسياسة "الردع المتصاعد" ضد إيران، والداعين لتدخلٍ عسكري في سوريا.
هذه الاستمرارية تُظهر كيف تعيد النخبة إنتاج نفسها رغم تبدل الإدارات، مما يخلق "دولة عميقة" تُشكل سياسات الدفاع بعيداً عن التقلبات الانتخابية، وفق المصدر ذاته.
وبينما أقال ترامب أعضاء المجلس المعينين في عهد أوباما عام 2020، عاد بايدن لتعيين وجوه جديدة من نفس الخلفيات الفكرية عام 2021، مما يؤكد صعوبة كسر هذه الدورة.
التسريبات: أداة في صراع الهيمنة؟
يرى كالدويل أن إقالته – إلى جانب زملائه – قد تكون جزءاً من حربٍ خفية داخل البنتاغون، حيث تُستخدم التسريبات الإعلامية كسلاحٍ لتصفية الخصوم.
ففي حديثه لكارلسون، ادعى أن: "أفراداً يحملون أحقاداً شخصية استخدموا التحقيق كفخٍ لإسقاطنا.. آراؤنا حول تقليص الدور العالمي لأمريكا شكلت تهديداً لمصالحهم".
لكن الغموض يكتنف هذه المزاعم، فوزارة الدفاع نفت عبر متحدثٍ رسمي، وجود تناقضات في تشكيل المجلس، بينما ترفض تقديم تفاصيل عن التحقيقات الداخلية.
وفي الوقت نفسه، تشير تقارير إعلامية إلى أن الخلافات قد تكون مرتبطةً بصراعاتٍ على توجيه السياسات، مثل: الجدل حول حجم الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط، والتعامل مع التحديات الجديدة مثل الصعود الصيني والأزمة الأوكرانية، إضافة إلى التوازن بين الإنفاق على التكنولوجيا العسكرية المتطورة (مثل الذكاء الاصطناعي) وبين الحفاظ على القدرات التقليدية.
aXA6IDMuMTM1LjE5MC4yMzgg جزيرة ام اند امز