الديمقراطية في العراق.. "حافلة" نقل عام تعاني الإهمال والفوضى
في يومها العالمي الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة، يبدي مراقبون ومختصون بالشأن السياسي عن آرائهم بالديمقراطية الناشئة بالعراق.
المختصون يتفقون على أن الديمقراطية وآلياتها التي طبقت عبر النظام السياسي ما بعد 2003، عانت الاغتراب والتطويع لأغراض حزبية وسياسية دون أن يكون لتلك المدخلات الجديدة تأثيراً إيجابياً على مستوى التأسيس المؤسساتي وتجلياته في الاستقرار وضبط القرار.
ورغم التغيير الذي حصل في العراق عقب إسقاط نظام صدام حسين، والتحول من حاكم السلطة إلى سلطة الحكم، إلا أن الوقائع على الأرض لا تدلل على إثر كبير للممارسات الديمقراطية وفق مفاهيمها المتداولة والمعتمدة في بناء الدولة، وتعزيز حقوق الأفراد وإعلاء مفردات المواطنة فوق الانتماءات فوق الهويات الفرعية.
وسجل النظام السياسي ما بعد 2003، خمس تجارب انتخابية على المستوى التشريعي، وأقل من ذلك في جوانب اختيار السلطات المحلية فضلاً عن التصويت المباشر على كتابة الدستور، ولكنها لم تأت مدخلاتها بما كان متوقعا، بعدما أمست نتائجها وخيمة تشرعن البقاء للفوضى والانقسام والتناحر والفساد وغيرها.
وخلال تجربة ديمقراطية امتدت نحو عشرين عاما، عاش العراق عدم الاستقرار وشيوع التناحر والصراعات على الهوية والخلافات المذهبية فضلاً عن تسيد القوى غير الشرعية ذات الاجنحة المسلحة والتي عرفت بالفساد وعمليات الخطف والقتل.
معادلة التغيير
رئيس مركز "تفكير السياسي" ، إحسان الشمري، وخلال تصريحات لـ"العين الإخبارية"، يرى أنه وعلى الرغم من أن التغيير جاء تحت مفهوم الديمقراطية لكن أعتقد أنها بدأت تتأكل على أقل تقدير في العقد الأخير من عمر النظام السياسي، لاسيما أن القوى السياسية التي جاءت وفق معادلة جديدة، وهي معادلة التغيير واستبدال النظام الاستبدادي بالديمقراطية هي من شوهت ذلك النظام في العراق".
ويستدرك بالقول: "لذا اهتزت الصورة الديمقراطية وباتت متلازمة للفساد واحتكار السلطة وإسقاط الخصوم بطرق غير شرعية، وربما تكون تظاهرات أكتوبر/تشرين الأول عام 2019، وما شهدته من إعدامات ميدانية وملاحقة للناشطين ورموز الحركة الاحتجاجية خير مثال على تشوه تلك المفاهيم وعجزها عن المرور في تلك البيئة المضطربة".
ويضيف الشمري، "بات من اللزوم إعادة تقييم النظام الديمقراطي ومساراتها التطبيقية في ظل ما آلت إليه وسط دوامة من الأزمات وتوالد التعقيدات بما يفرض تشخيص العلل وإيجاد مواطن الخلل التي دفعت البلاد نحو ذلك المصير".
ويعيش العراق أزمة سياسية خانقة منذ أكثر من 10 أشهر جاءت على بعد انتخابات أكتوبر/تشرين الأول التشريعية المبكرة، وتصاعدت حدتها لاحقاً حتى وصلت إلى الصدام المسلح بين أطراف الخلاف الإطار التنسيقي والتيار الصدري مما أسفر عن مقتل وإصابة العشرات.
رئيس مرصد الحريات الصحفية، هادي جلو مرعي، يصف الديمقراطية في العراق بأنها أشبه "بحافلة"، نقل عام يتم استخدامها حتى الوصول، ومن ثم تركن جانباً دون الاهتمام أو الاكتراث لما قد يلحق بها من أضرار.
ويعطف بالقول: "الديمقراطية في العراق باتت عاملاً أساسياً في ولادة الأزمات كونها جاءت في بيئة تحكمها العقلية الشمولية و تتجذر فيها مفاهيم التسلط والتقاليد الحاكمة على عقلية الفرد".
ويضيف خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "صناديق الديمقراطية وفلسفة تطبيقها تواجه التغريب في العراق وقد أثبت الممارسات الانتخابية التي شهدتها البلاد صحة ذلك الادعاء حين بدأت تشهد عزفاً في مشاركة الناخبين مع كل ممارسة وذلك ان المواطن فقد الثقة بتلك الآليات وبات ينظر لها على أنها لعبة السياسيين".