"ترسانة الديمقراطية" الأمريكية.. هل تؤتي أكلها في أوكرانيا على غرار الحرب العالمية؟
أظهر 51 يوما من الحرب الروسية الأوكرانية اتباع الولايات المتحدة استراتيجية "ترسانة الديمقراطية"، حيث تجنبت التدخل المباشر ضد روسيا، بينما تتعاون مع الشركاء والحلفاء في تزويد حكومة كييف بالمال والسلاح.
ويشير شعار "ترسانة الديمقراطية" إلى الجهود الجماعية للصناعة الأمريكية في دعم الحلفاء والتي اتجهت إلى تركيز الجهود في المراكز الصناعية القائمة في الولايات المتحدة مثل شيكاغو وكليفلاند وديترويت نيويورك وفيلادلفيا وبيتسبرغ وأماكن أخرى.
وسبق أن اتبعت الولايات المتحدة تلك الاستراتيجية أثناء الحرب العالمية الثانية حينما قدمت الدعم العسكري لبريطانيا والتي أثبتت نجاحها.
وفي هذا الإطار قال المحلل الاستراتيجي الأمريكي هال براندز في مقال رأي نشرته وكالة بلومبرج للأنباء إنه مع ذلك فإنه مع بلوغ الحرب الروسية مرحلة حرجة، حيث يستعد الروس لتعزيز قبضتهم على شرق أوكرانيا، تشهد ترسانة الديمقراطية استنفادا من شأنه أن يسفر عن عجز شديد بالنسبة للقوات الأوكرانية في هذه الحرب، ويكشف عن الضعف الأمريكي الذي يمكن أن يُفضح تماما في أي مواجهة مقبلة بين الدول العظمى.
ومن بين كل ما قدمته الولايات المتحدة وأصدقاؤها لأوكرانيا، كانت الأسلحة هي الأهم، فما تم إرساله من طائرات بدون طيار، وأسلحة مضادة للدبابات والطائرات، والذخيرة وغيرها من الإمكانيات ساعد أوكرانيا في إلحاق أضرار بالقوات الروسية حتى مع قيام موسكو بضرب القاعدة الصناعية الأوكرانية.
وأبلغ الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الكونجرس بأن الغرب أرسل إلى كييف 60 ألف من الأسلحة المضادة للدبابات و25 ألف من الأسلحة المضادة للطائرات.
ويضع البنتاجون الآن خططا لإرسال المزيد من المدفعية، والطائرات المسيرة الدفاعية الساحلية وغيرها من العتاد لأوكرانيا.
وأعلن البيت الأبيض مؤخرا عن حزمة جديدة تبلغ قيمتها 800 مليون دولار تشمل مروحيات وحاملات جنود مدرعة. لكن الرئيس جو بايدن لم يخطط مطلقا لحرب بهذه الشكل.
استنزاف الأصول العسكرية
وقال براندز، أستاذ كرسي هنري كيسنجر للشؤون العامة في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جون هوبكنز الأمريكية، إن ما كان مفترضا هو أن روسيا ستسيطر بسرعة على أجزاء كبيرة من أوكرانيا، لذلك سوف تدعم الولايات المتحدة تمردا أوكرانيا متأجج ومنخفض الكثافة.
ولكن ما حدث هو أن مقاومة أوكرانيا الناجحة أدت إلى معركة تقليدية عالية الكثافة، تشهد استهلاكا هائلا للذخيرة واستنزافا مركزا للأصول العسكرية الرئيسية.
ويقول مسؤولو البنتاجون إن كييف تستهلك كل يوم ما يصلها خلال أسبوع من إمدادات الذخيرة المضادة للدبابات.
كما أنها تواجه عجزا في الطائرات الصالحة للعمل في ظل ما تواجهه من هجمات جوية روسية وخسائر في القتال. فقد أصبحت الذخيرة نادرة في ماريوبول وغيرها من المناطق.
يؤدي هذا إلى أن تواجه الدول الغربية خيارا واضحا ما بين إرسال المزيد من الامدادات إلى أوكرانيا أو الاحتفاظ بالإمكانيات المحدودة التي قد تحتاج إليها للدفاع عن نفسها.
فقد رفضت ألمانيا إرسال دبابات إلى أوكرانيا على أساس أنها ببساطة لا تستطيع تعويضها. وسرعان ما عانت كندا من عجز في منصات الإطلاق وغيرها من المعدات التي يحتاج إليها الأوكرانيون بصورة ملحة.
الأراضي المكشوفة
وقدمت الولايات المتحدة ثلث المخزون لديها من صواريخ جافلين المضادة للدبابات، ولا تستطيع بسهولة تقديم المزيد دون أن تكون النتيجة تعرض مستودعاتها لعجز شديد- وقد يحتاج الأمر شهورا لزيادة الانتاج بدرجة كبيرة.
براندز قال إنه قبل دخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية، شارك الرئيس فرانكلين روزفلت ومستشاروه العسكريون في مناقشات مكثفة حول ما إذا كان يتعين على واشنطن إرسال أسلحة إلى بريطانيا المحاصرة أم الاحتفاظ بها في حالة اضطرت أمريكا للدفاع عن نفسها.
والآن تصل استراتيجية ترسانة الديمقراطية التي يتبعها بايدن إلى نقطة انعطاف مماثلة في أوكرانيا.
وستحتاج كييف إلى المزيد من الدعم الغربي لصد القوات الروسية التي تتجمع في الشرق، حيث تعتبر الأراضي المكشوفة نسبيا أقل ملائمة للدفاع. كما ستحتاج أيضا إلى المزيد من الأسلحة المتطورة مثل الدبابات والطائرات، لحرمان الروس من تحقيق ميزة حاسمة- وربما تبدأ بالهجوم إذا ما فشل هجوم موسكو في الشرق. لقد هيأت المقاومة الأوكرانية لكييف فرصة جيدة لكسب هذه الحرب، ولكن ثمن أي انتصار سيكون مذهلا سواء بالنسبة للأرواح أو للعتاد. لذلك فإن الحرب في أوكرانيا تعتبر نظرة مسبقة واقعية للمشكلات التي سوف تواجهها الولايات المتحدة في أي حرب مع روسيا أو الصين.
فإذا ما اضطرت واشنطن للدخول في حرب في شرق أوروبا أو غرب الباسفيكي، فإنها سوف تستنفد مخزوناتها من الصواريخ والذخيرة عالية الدقة وغيرها من الإمكانيات المهمة خلال أيام أو أسابيع. وربما سوف تعاني من خسائر في الدبابات، والطائرات، والسفن وغيرها من الأصول المتطورة، والباهظة الثمن والتي يصعب تعويضها.
وأشار براندز إلى أن المخزونات الأمريكية من الأسلحة الرئيسية أقل مما يتخيله المرء، ويرجع ذلك من ناحية إلى القيود على الإنتاج، ومن ناحية أخرى لأن معظم ميزانية البنتاجون التي تبلغ حوالي 750 مليار دولار يتم توجيهها للقوة العاملة والرعاية الصحية وأمور أخرى غير الرصاص والقنابل.
ويجب عدم الاعتقاد بأن بوسع أمريكا في أي حرب طويلة أن تنتج بلا عناء ما تحتاجه للانتصار.
ومع ذلك- بحسب براندز- لا يمكن القول إنه ليس هناك حل للمشكلة، فمن الممكن أن تساعد في حلها الاستثمارات الكبيرة في القاعدة الصناعية العسكرية والمزيد من شراء وتخزين الذخائر الرئيسية.
ويمكن أن تكون لدى الحلفاء الرئيسيين، مثل اليابان، القدرة على مساعدة الولايات المتحدة على زيادة الإنتاج في مجال بناء السفن وغيره من المجالات. وعموما فإن الحروب الصغيرة تعطي صورة لما سيحدث في الحروب الأكبر. ومن ثم فإن حرب أوكرانيا تكشف ما سيحتاجه الأمر لكي تظل ترسانة الديمقراطية على مستوى المهمة.
aXA6IDE4LjExNy4xMDcuOTMg
جزيرة ام اند امز