شاحنات روسيا وتأخر الحسم بأوكرانيا.. هذا ما تحكيه الصور
عند التفكير بالحرب الحديثة، من المرجح أن يتبادر إلى الأذهان صور الجنود والدبابات والصواريخ، لكن الأهم من كل ذلك هو الشاحنات المتواضعة.
وتحتاج الجيوش الشاحنات لنقل جنودها إلى الخطوط الأمامية، ولتزويد الدبابات بالقذائف، ولتوصيل تلك الصواريخ، وخلاصة القول، بحسب "سي إن إن"، إن أي جيش يهمل شاحناته يعرض نفسه للخطر.
ويبدو أن ذلك بالضبط هو المشكلة التي يواجهها الجيش الروسي خلال حربه على أوكرانيا، بحسب الخبراء الذين يحللون صور ساحات المعركة مع انسحاب قواته من المناطق قرب كييف للتركيز على دونباس.
وأوضح الخبراء أن صور الشاحنات الروسية المدمرة تظهر مؤشرات على صراعات موسكو اللوجستية، وتشير إلى أن تعرض جهودها لتقويض جراء اعتمادها على التجنيد الإجباري، والفساد، واستخدام المركبات المدنية، ناهيك بالمسافات الشاسعة التي تنطوي عليها عمليات إعادة إمداد قواتها، أو المقاومة الأوكرانية المتحفزة والبارعة من الناحية التكتيكية.
وقال ترينت تلينكو، مدقق سابق بوكالة إدارة عقود الدفاع الأمريكية، وأحد أولئك الذين يحللون الصور بحثًا عن أدلة حول كيفية مُضي الحرب: "كل شيء يحتاج الجيش فعله يأتي من شاحنة، السلاح ليس الدبابة، إنه القذيفة التي تطلقها الدبابة، والشاحنة تنقل تلك القذيفة".
وأشار إلى أن وجود الغذاء والوقود والإمدادات الطبية وحتى الجنود أنفسهم يعتمد على خطوط الإمداد اللوجستية التي تعتمد على الشاحنات.
وتحدث تلينكو عن صورة ظهرت مؤخرًا لأضرار إطارات إحدى شاحنات الصواريخ بقيمة ملايين الدولارات، والتي توقع أن تحصل على صيانة من الدرجة الأولى بما أنها قطعة معدات باهظة.
ومع ذلك انهارت إطاراتها بعد بضع أسابيع من الحرب، فيما يشير إليه تلينكو بـ"وضع فشل"، حيث أوضح أنه إذا لم يتم تحريك الشاحنات بشكل متكرر يصبح المطاط في إطاراتها هشا وتكون جدران الإطارات عرضة للتشقق والتمزق.
وقال تلينكو: "إذا كنت لا تجري (صيانة وقائية) لشيء بهذه الأهمية، إذا من الواضح جدا أن أسطول الشاحنات بأكمله تمت معاملته بالمثل".
ورأى فيليب أوبراين، أستاذ الدراسات الاستراتيجية بجامعة سانت أندروز في اسكتلندا، "مؤشر سيئ" آخر على لوجستيات الشاحنات الروسية، يتمثل في استخدام الشاحنات المدنية لتحل محل العسكرية التي فقدت في المعركة.
وقال أوبراين: "الشاحنات المدنية ليست مصنعة بدرجة عسكرية. ليست مصنعة لحمل الحمولات، وليست مصنوعة لحمل قطع معينة من المعدات، وفي عدة حالات لا يمكنها العمل خارج الطرق".
وأضاف: "الميل الواحد في وقت السلم، إذا قدتها في وقت الحرب يشبه 10 أو 20 ميلا (16 إلى 32 كيلومترا) لأنك تدفع الشاحنة بقوة مع حمولات ضخمة"، لافتا إلى أن التبديل بين الاثنين يخلق مشكلة صيانة، حيث قد لا تكون قطع الغيار متوافقة.
وما يفاقم المشكلة، بحسب أليكس فيرشينين، ضابط سابق بالجيش الأمريكي خدم في العراق وأفغانستان، أنه عندما تتعطل الشاحنة لا يكون لدى روسيا موارد كافية لإصلاحها.
وأشار فيرشينين إلى أن الكتيبة التكتيكية التابعة للجيش الروسي -التي كانت في طليعة زحفها إلى أوكرانيا- عادة ما يكون لديها مركبة خفيفة واحدة وأخرى ثقيلة، حتى في الوحدات التي تضم عشرات المركبات.
ورجح أوبراين أن روسيا أهملت شاحناتها إلى حد كبير لأنها ليست براقة بما يكفي لجيش حريص على استعراض أنظمة أسلحته المتطورة.
وقال خبراء إن السبب الجذري في المشاكل اللوجستية التي تواجهها روسيا هما: التجنيد الإجباري والفساد.
وطبقًا لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، حوالي 25% من قوات الجيش الروسي مجندون إلزاميون، لكن يعتقد عدة خبراء أن هذا الرقم قد يكون مضللا، مشتبهين في أن بعض القوات إما تم إجبارهم أو خداعهم للتجنيد.
ويميل المجندون الإلزاميون للخدمة عاما واحدا، ويحتلون الرتب الدنيا، ويشغلون عدة مناصب في سلسلة اللوجستيات، بما في ذلك صيانة المركبات.
وقال تلينكو: "لا يمكنك تعلم أي شيء خلال عام بشأن صيانة المنظومات العسكرية"، كما أن المجند الإلزامي ليس لديه دافع كبير، إذ يعرفون أن فترتهم في الخدمة محدودة للغاية، كما أن هناك مسألة الفساد التي يقول خبراء إنها لاحقت الجيش الروسي لسنوات.
وكتب ماثيو ستيفنسون، الأستاذ بكلية الحقوق بجامعة هارفارد، في مارس/آذار أن الفساد كان له تأثير مدمر بشكل خاص على الصيانة ولوجستيات الإمداد بالجيش الروسي.
وقال: "يبدو أن جميع المشاكل التي تحدث عنها خبراء مكافحة الفساد ومتخصصون الأمن القومي لسنوات تظهر في الحرب الروسية الحالية".
وأشار إلى أن "الفساد -في شكل رشوة أو اختلاس- قد يؤدي أيضًا إلى شراء معدات دون المستوى، على سبيل المثال من خلال إعطاء عقد المعدات أو الصيانة لمزود أقل كفاءة يكون مستعدا لدفع عمولات".