«العين الإخبارية» تستشرف فرص نجاح «صفقة أمريكية» لإنهاء التمرد بالكونغو

دخلت الولايات المتحدة الأمريكية على خط الأزمة في شرق الكونغو، بـ"صفقة معادن" جديدة، ربما تُنهي التمرد نهائيا وتحقق الأمن والسلام بالإقليم المضطرب.
الصفقة الجديدة تحقق معادلة "الاستثمار مقابل الاستقرار"، وجوهرها تأمين استثمارات أمريكية في المعادن الحيوية بالبلد الأفريقي، مقابل دعم الولايات المتحدة لجهود إنهاء التمرد في شرق البلاد.
خبراء توقعوا في تحليل لـ"العين الإخبارية" نجاح تلك الصيغة، لكنهم أشاروا في ذات الوقت إلى عقبات قد تعترضها.
وكانت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية ذكرت اليوم الأحد، نقلا عن مصدرين قريبين من المفاوضات بين أمريكا والكونغو، قولهما إن إبرام اتفاق استثمار مع الولايات المتحدة، واتفاق سلام منفصل مع رواندا ممكن بحلول نهاية يونيو/حزيران المقبل، لكن العقبات المحتملة لا تزال كبيرة.
ونقلت الصحيفة عن وزير المناجم في الكونغو كيزيتو باكابومبا، قوله إن إبرام اتفاق مع الولايات المتحدة سيساعد على "تنويع شراكاتنا"، مما يقلل من اعتماد البلاد على الصين فيما يتعلق باستغلال الثروات المعدنية الهائلة.
تفاؤل
في الوقت نفسه، أعرب مسؤولون من الكونغو الديمقراطية عن تفاؤلهم بإمكانية التوصل إلى اتفاق مع واشنطن الشهر المقبل، لتأمين استثمارات أمريكية في المعادن الحيوية، فضلاً عن دعم الولايات المتحدة لجهود إنهاء التمرد في شرق البلاد، والذي تتهم الكونغو رواندا بدعمه.
وذكرت تقارير أممية وغربية أن رواندا تزود حركة "23 مارس" المتمردة في شرق الكونغو بالأسلحة والقوات، في حين تنفي حكومة الرئيس الرواندي بول كاجامي دعمها للحركة، وتقول إن العمليات العسكرية التي ينفذها جيشها تأتي دفاعاً عن النفس في مواجهة "قوى معادية".
صفقة طموحة
ورأى خبراء أن مفاوضات كينشاسا مع واشنطن طموحة للغاية، فالاتفاق الذي يهدف إلى منح الشركات الأمريكية حق الوصول إلى رواسب الليثيوم والكوبالت والكولتان والاستثمار في البنية التحتية والمناجم، قد يؤدي إلى إنهاء 30 عاماً من الصراع في المناطق الحدودية مع رواندا.
لكنهم رصدوا عقبات منها ضرورة استعادة كينشاسا السيطرة على الأراضي التي فقدتها، بما في ذلك مدينتي جوما وبوكافو.
وأبرمت الصين والكونغو اتفاقية "المناجم مقابل البنية التحتية" عام 2008، ما يطرح العديد من التساؤلات حول أبعاد الصفقة المحتملة، ومدى نجاح واشنطن في "مقايضة الاستثمار بالاستقرار"، وعودة بلاد العم سام إلى أفريقيا مجددا لكن من رؤية "أمريكا أولا".
فرص النجاح
وقال الخبير المصري في الشؤون الأفريقية الدكتور رامي زهدي في حديث لـ"العين الإخبارية" إن "الصفقة قد تنجح"، لافتا إلى أن الولايات المتحدة تمتلك من الأدوات الفاعلة ما يمكنها من دعم كينشاسا في مواجهة التمرد شرق البلاد، مقابل ضمانات بالوصول إلى المعادن الحيوية.
وأضاف "الصفقة المحتملة تمثل نموذجًا كلاسيكيًا لمعادلة الاستثمار مقابل الاستقرار وتعكس إدراك واشنطن المتأخر لأهمية الموارد الاستراتيجية الأفريقية في سياق صراعها المفتوح مع الصين وروسيا".
وأوضح أن الكونغو تمتلك أكثر من 70% من الاحتياطي العالمي للكوبالت، إلى جانب احتياطيات ضخمة من الليثيوم والذهب والنحاس، ما يجعلها شريكًا استراتيجيًا محوريًا في سلاسل التوريد العالمية للطاقة النظيفة والتقنيات المتقدمة.
وأكد أن "صفقة المعادن" المرتقبة لا يمكن قراءتها بعيدًا عن البعد الأمني، مضيفا: "المعادلة المطروحة تتطلب مقايضة معقدة بين النفوذ الاقتصادي والجيوسياسي، وهي تعكس توجهًا أمريكيًا براغماتيًا بعودة جديدة إلى أفريقيا ولكن عبر رؤية "أمريكا أولًا"، التي تضع المصالح الاستراتيجية الأمريكية فوق كل اعتبار".
ورقة ضغط
وتابع: "النجاح في تحقيق استقرار شرق الكونغو يتطلب أكثر من مجرد دعم سياسي أو استخباراتي. الصراعات المسلحة في المنطقة تتشابك مع مصالح دول إقليمية مثل رواندا وأوغندا، إضافة إلى شبكات التهريب العابرة للحدود، وشركات متعددة الجنسيات".
ورأى أن نجاح الصفقة يتوقف على مدى قدرة واشنطن على ممارسة ضغط فعّال على كيجالي، وعلى استعداد كينشاسا لاستخدام الدعم الأمريكي ليس فقط لتقوية موقفها العسكري، بل لتفعيل مسار دبلوماسي إقليمي متكامل.
وأوضح أن السلطة في كينشاسا تسعى إلى تعزيز شرعيتها الداخلية عبر إظهار قدرتها على الحصول على دعم دولي حقيقي ينعكس على الأمن والمعيشة، ومن هذا المنطلق فإن ملف الثروات المعدنية لا يُستخدم فقط كوسيلة جذب للاستثمارات، بل كورقة ضغط سياسية لانتزاع مواقف حازمة من العواصم الكبرى تجاه رواندا ودورها في دعم جماعات التمرد مثل حركة "23 مارس".
رهان كينشاسا
ولفت زهدي إلى أن رئيس الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسيكيدي يُدرك أن الاستثمارات وحدها لا تصنع شرعية، بل ينبغي تحويلها إلى إنجازات ملموسة في البنية التحتية، وتوفير فرص عمل، وتعزيز مؤسسات الدولة في مناطق النزاع، وهو ما يُفسر تصعيده السياسي والإعلامي تجاه كيجالي بالتوازي مع فتح بوابات تفاوض جديدة مع واشنطن وأوروبا.
وقال: "من الواضح أن كينشاسا تراهن على استخدام التفاهمات مع واشنطن لتحسين موقعها التفاوضي دوليًا، وتدويل ملف التمرد بشكل يعزل رواندا سياسيًا ويجعلها تحت الضغط".
وتابع: "هذا الرهان محفوف بمخاطر أبرزها ازدواجية المواقف الغربية. الدعم الأمريكي للكونغو قد يصطدم بالمصالح الأمنية والعسكرية لواشنطن في رواندا، الحليف التقليدي لها في مكافحة الإرهاب بمنطقة البحيرات العظمى".
وأشار كذلك إلى "ضعف المؤسسات الكونغولية، فأي استثمار اقتصادي ضخم سيكون مُهددًا بضعف الحوكمة، والفساد، وغياب الشفافية، ما قد يُفرغ الشراكة من مضمونها التنموي".
ولم يستبعد أن تؤدي الضغوط السياسية على كيجالي إلى رد فعل عسكري مضاد في شرق الكونغو، مما قد يُعقد المشهد ويعيد عقارب الساعة إلى الوراء.
وخلص زهدي إلى أن الصفقة بين واشنطن والكونغو تحمل وعودًا كبرى لكنها محفوفة بتحديات بنيوية وسياسية معقدة.
وقال "إذا كانت الصفقة تمثل اختبارًا لرؤية "أمريكا أولًا" في القارة السمراء، فهي أيضًا بمثابة اختبار لإرادة كينشاسا في تحويل مواردها الهائلة إلى رافعة للاستقرار والتنمية، وليس مجرد ورقة في لعبة الأمم".
تحديات
من جهته، اعتبر الباحث السوداني في الشؤون الأفريقية الدكتور محمد تورشين، أن الاهتمام الأمريكي بمسألة المعادن في الكونغو الديمقراطية يعد "تدخلا أمريكيا واضحا لإعادة الأمن والاستقرار في البلاد".
وقال تورشين في حديث لـ"العين الإخبارية" إنه بالنظر إلى أهمية المعادن الأرضية النادرة "ستبذل الولايات المتحدة دورا مهما جدا في الضغط والتأثير على روندا حتى يتسنى لها أن تعقد اتفاق سلام بين كيجالي وكينشاسا وحركة "23 مارس" المتمردة".
ورأى أن هذه المسألة معقدة جدا في ظل تباين مواقف الأطراف، وقال إن رغبة العديد من القوى الدولية في الاستثمار بهذه القطاعات في الكونغو، ستزيد من صعوبة التوصل إلى تفاهمات بشأن تلك الصفقة.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuNzgg
جزيرة ام اند امز