الجزائر تودع قايد صالح وتمنح اسمه لـ548 مولودا جديدا
تأثُّر كبير في الشارع الجزائري بعد رحيل قائد الجيش، ومبادرات كثيرة لتوديعه؛ بينها خيم عزاء وعمرات على روحه وتسمية مواليد جدد باسمه.
"أقسمت رفقة قادة النواحي على عدم إراقة قطر دم واحدة".. هي المقولة التي باتت الأكثر ترديدا عند الجزائريين والتي قالها قائد الجيش الراحل أحمد قايد صالح في بدايات الحراك الشعبي؛ "فوعد ووفّى بعهده" كما يقول الجزائريون.
وبعد إعلان الوفاة المفاجئة لقائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، الإثنين الماضي، إثر نوبة قلبية عن عمر ناهز 79 عاما، خيّم الحزن في جميع محافظات الجزائر.
ونعى الجزائريون قائد جيشهم بشكل غير مسبوق لمسؤول عسكري أسقطت معها "نظرة الجزائريين المتوجسة من الجنرالات" كما ذكر خبراء أمنيون لـ"العين الإخبارية".
خيم عزاء مفتوحة
حُزن الجزائريين على فقيد بلادهم ترجموه إلى أفعال عبرت عن مدى تأثرهم برحيل شخصية يقولون "إنها أنقذت البلاد والعباد بإخلاص وحزم".
وأشاروا كذلك إلى أن حالة الحزن التي تخيم على البلاد تمثل وفاءً نادرا لعسكري ومجاهد "أعاد الأمل والثقة والعزة لهم بالانتماء إلى الجزائر بعد سنوات من الإحباط".
ومباشرة بعد إعلان وفاته، أقام جزائريون خيم عزاء مفتوحة في عدة محافظات ومدن بالبلاد على روح الراحل قايد صالح.
وتُلي القرآن الكريم منذ الإثنين الماضي في مختلف الشوارع بشكل لم تعهده الجزائر في تاريخها.
خيم عزاء قرر الجزائريون أن تكون على حسابهم الخاص صدقة على روح فقيد بلادهم الذي فُجعوا لوفاته.
وهي المبادرة التي لقيت استحسان الكثيرين، وانتشرت من منطقة إلى أخرى، وضعت أمام كثير منها لافتات كبيرة كتب عليها "جيش شعب خاوة خاوة (إخوة)"، وصور الفقيد.
ولم يتوقف الأمر عند ذلك، ووضع أصحاب المحال التجارية الخبز مجانا صدقة على روح قايد صالح، إضافة إلى ولائم عزاء بشكل يُخيل أن الراحل من تلك العائلة أو المنطقة.
كما خصصت شركات النقل الخاصة وسائل نقل مجانية لنقل الأعداد الهائلة من الجزائريين الذين قرروا التنقل إلى العاصمة من مختلف محافظات البلاد لإلقاء النظرة الأخيرة على قائد أركان الجيش.
وفي العاصمة الجزائرية، فتح فندق أبوابه مجانا أمام المعزين في وفاة قايد صالح القادمين من مختلف مناطق البلاد، بعد أن أعلن صاحبه عبر مواقع التواصل الاجتماعي أن "الفندق تحت تصرف المعزين مجانا للمبيت".
كما وجهت عائلات بالعاصمة نداءات إلى المعزين القادمين من خارجها، أبلغتهم فيها بأن بيوتهم مفتوحة لهم للمبيت، ولإقامة ولائم العزاء على روح فقيد الجزائر، كما تم تداوله عبر منصات التواصل الاجتماعي.
548 قايد صالح جديدا
ومن المفارقات المؤثرة والمعبرة عن الاحترام والتقدير الكبيرين الذي يكنه الجزائريون لقائد جيشهم الراحل، تسمية 548 مولودا جديدا باسم أحمد قايد صالح في الساعات الـ36 التي تلت إعلان وفاته، الذين ولدوا في مختلف مستشفيات البلاد، وفق ما ذكرته وسائل إعلام محلية.
وتداول الجزائريون صورا لآباء وأمهات يحملون مواليدهم الجدد بأسماء موحدة، "على أمل في أن يكون أبناؤهم أبطالا مثل الراحل قايد صالح" كما صرح بعضهم للتلفزيون الجزائري الحكومي.
تحية عسكرية
مبادرات الجزائريين لتوديع قائد جيشهم تنوعت بأساليب كثيرة تعودوا على إطلاقها بعفوية في مختلف المناسبات والأحداث التي شهدتها بلادهم خاصة في العشرية الأخيرة.
ونشر عدد كبير من الجزائريين -رجالا ونساء وأطفالا- صورا لهم بتحية عسكرية أو "تحية الوداع العسكرية" لقائد الجيش الفريق أحمد قايد صالح، بشعار "تحية عسكرية من كل بيت".
وكتب عدد منهم منشورات مؤثرة، ذكّرت بالدور الكبير الذي لعبه الراحل والمؤسسة العسكرية في مرافقة الحراك الشعبي، إلى جانب دوره في تجنيب البلاد الدخول في أتون الفوضى، وإحباط المؤامرات الداخلية والخارجية التي لطالما حذر منها الراحل في خطبه الكثيرة منذ بدء الأزمة السياسية، ولسان حالهم يقول "نحن جنودك خارج الجيش" كما علق أحدهم.
قايد صالح.. تريند الأسبوع
وبات اسم "قايد صالح" الأكثر تداولا في جميع مواقع التواصل الاجتماعي، وتوحدت صفحات الجزائريين بهاشتاق "#قايد_صالح" الذي تحول في ظرف وجيز إلى "تريند رقم واحد بالجزائر"، ووصل عدد الهاشتاقات في موقع "تويتر" فقط إلى أكثر من "5 آلاف تويت".
كما توحدت صفحات الجزائريين بصور للراحل أحمد قايد صالح باللونين الأبيض والأسود، وساد أسود الحداد والحزن مواقع التواصل بشكل غير مسبوق، بعبارات ومنشورات ترجمت تأثر الجزائريين البالغ لرحيل قائد الجيش.
واستذكرت عدة منشورات خصال الفقيد، ودوره البارز في إنقاذ الجزائر وحنكته في تسيير واحدة من أخطر الأزمات السياسية التي مرت بها البلاد.
وأعادوا كتابة تصريحات سابقة له عن حبه لبلاده وجهاده ضد الاستعمار الفرنسي، وتحذيره من رموز النظام السابق والدولة العميقة.
كما تداول الجزائريون فيديوهات مختلفة من تصريحاته المتتالية طوال الأشهر الـ10 لعمر الأزمة السياسية، وتنقلاته الدائمة من ثكنة إلى أخرى ومن ناحية عسكرية إلى ناحية أخرى، متتبعا أدق تفاصيل التمارين العسكرية والمناورات التي أجراها الجيش الجزائري منذ بداية العام الحالي.
بالإضافة إلى المشاهد الأخيرة للراحل في مراسم تنصيب الرئيس المنتخب عبدالمجيد تبون، الخميس الماضي.
وتداولوا صورة ظهر فيها قايد صالح مبتسما قال جزائريون "إنها كانت ابتسامة راحة لتسليم الأمانة وابتسامة وداع".
بكاء وعمرة على روحه
وفي لفتة إنسانية مؤثرة أخرى، قام معتمرون جزائريون بمبادرة أداء عمرات عن الراحل قايد صالح بالبقاع المقدسة، كما أدى معتمرون آخرون صلاة الغائب.
ونشر عدد منهم فيديوهات، مرددين دعاء موحدا وعدوا جميع الجزائريين إلى ترديده في صلواتهم على روح قائد الجيش، قالوا فيه "لبيك اللهم عمرة لا رياء فيها ولا سمعة عن قايد صالح، فاللهم تقبلها مني ونوّر بها قبره وأثقل بها ميزان حسناته".
وانتشرت فيديوهات لشباب وكهول جزائريين متأثرين بشكل بالغ لوفاة قائد الجيش، رثوا فيها بالدموع قايد صالح بعد وفاته، دعوا له فيها بالرحمة والمغفرة، ومذكّرين بحبه لوطنه ووفائه لعهوده التي قطعها على الشعب الجزائري.
ومن أشهر تلك الفيديوهات، ذلك الذي تداوله الجزائريون لطفلة وهي تبكي على رحيل قائد الجيش، وعندما سألها والدها: لماذا تبكين؟ أجابته بأن "الجزائر بدون طعم بعد رحيله"، وهو الفيديو الذي تفاعل معه رواد مواقع التواصل بتعليقات ترحم، وأخرى أشارت إلى السمعة الطيبة التي تركها الراحل عند جميع فئات المجتمع الجزائري.
وأظهرت ردود فعل الجزائريين على وفاة قائد أركان الجيش، تلك الشعبية الكبيرة التي كان يحظى بها الراحل أحمد قايد صالح، حتى عند من اختلفوا معه في طريقة تسيير الأزمة السياسية.