قايد صالح.. جنرال وضع "الدستور" بوصلته لقيادة الجزائر
قايد صالح جرى تكريمه قبل وفاته "على مجهوداته الكبيرة في حماية الجزائر وتجنيبها سقوط قطرة دم واحدة خلال المظاهرات الشعبية".
"صان الأمانة وحفظ الوديعة وأوفى بالعهد في فترة من أصعب الفترات التي اجتازتها البلاد".. بهذه الكلمات نعت الرئاسة الجزائرية قائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح الذي توفي، الإثنين، إثر أزمة قلبية عن عمر ناهز 79 عاما.
قايد صالح الذي انحاز للحراك الشعبي والاحتجاجات المناهضة لنظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة وتعهد بحماية المتظاهرين، تمسك بالدستور وجعله بوصلته في المرحلة الانتقالية؛ حيث دعا إلى إقرار شغور منصب الرئيس.
كما أصر على إجراء الانتخابات الرئاسية من أجل ملء حالة الفراغ السياسي رغم رفض الحراك الشعبي والاحتجاجات التي تعج بها البلاد جراء علاقة المرشحين بالنظام السابق.
جاءت وفاته بعد أيام من تولي عبدالمجيد تبون رئاسة البلاد، التي شهدت تكريم قايد صالح بوسام الاستحقاق الوطني كأول عسكري جزائري يكرم به .
ونعت الرئاسة الجزائرية، في بيان، قائد أركان الجيش ونائب وزير الدفاع الوطني "الذي فاجأه الأجل المحتوم صباح هذا اليوم بسكتة قلبية ألمت به في بيته ونُقل على إثرها إلى المستشفى المركزي للجيش".
وأضاف البيان أنه "بهذا المصاب الجلل تفقِد الجزائر أحد رجالاتها الأبطال الذي بقي إلى آخر لحظة وفيا لمساره الزاخر بالتضحيات الجسام".
نبذة عنه
وُلد أحمد قايد صالح (79 عاما) في 13 يناير/كانون الثاني عام 1940 بمنطقة "عين ياقوت" في محافظة باتنة الواقعة شرقي الجزائر، وهو أبٌ لـ7 أبناء.
بدأ حياته محاربا في الثورة التحريرية الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي (1954 – 1962)، وعُيّن خلالها قائدا لكتيبة في جيش التحرير الوطني، الذي كان جناحا عسكريا لجبهة التحرير الوطني.
بعد استقلال الجزائر عام 1962، تنقل أحمد قايد صالح إلى الاتحاد السوفيتي على غرار كثير من قادة الجيش الجزائري، لإجراء دورة تكوينية استغرقت عامين، وذلك من 1969 إلى 1971، تحصل خلالها على شهادة من أكاديمية "فيستريل".
قايد صالح، كان أيضا واحدا من أفراد الجيش الجزائري الذين شاركوا في الحربين العربية – الإسرائيلية عامي 1967 و1973، مع الجنود الرابضين في سيناء (شمال شرق) المصرية.
تقلد أحمد قايد صالح في مشواره العسكري عددا من المناصب، والتي بدأت بقائد لكتيبة المدفعية، وقائد للواء، وقائد للقطاع العملياتي الأوسط بالناحية العسكرية السادسة في محافظة بشار (جنوب غرب الجزائر)، وقائد لمدرسة تكوين ضباط الاحتياط بالناحية العسكرية الأولى في محافظة البليدة (وسط الجزائر).
كما شغل منصب قائد للقطاع العملياتي الجنوبي بالناحية العسكرية الثالثة في محافظة تندوف (جنوب غرب الجزائر)، ونائبا لقائد الناحية العسكرية الخامسة.
وواصل قايد صالح تدرجه في سلم الوظائف العسكرية؛ إذ تولى قيادة الناحية العسكرية الثالثة، ثم الثانية، وتمت ترقيته إلى رتبة لواء في يوليو/تموز 1993.
عام 1994 عُين قائدا للقوات البرية في عهد الرئيس السابق اليامين زروال.
وفي أغسطس/آب 2004 عينه الرئيس الجزائري السابق عبدالعزيز بوتفليقة رئيسا لأركان الجيش الجزائري، ليتقلد في يوليو/تموز 2006 رتبة فريق، ويُعين في 11 سبتمبر/أيلول 2013 نائبا لوزير الدفاع الوطني، رئيسا لأركان الجيش.
حصل على العديد من الأوسمة أبرزها وسام جيش التحرير الوطني ووسام الجيش الوطني الشعبي، ووسام مشاركة الجيش الجزائري في الحروب العربية مع الاحتلال الإسرائيلي، ووسام الاستحقاق العسكري.
رجل ميدان
منذ توليه منصبه قائدا لأركان الجيش الجزائري، تبنّى الفريق أحمد قايد صالح مقاربة عسكرية وأمنية تهدف بحسب ما ذكرته وزارة الدفاع الجزائري في أكثر من مناسبة، لاقتلاع جذور الإرهاب والجماعات الإرهابية.
وخاض حربا ضروسا ضد معاقل التنظيمات الإرهابية، وألحق الجيش الجزائري هزائم كبرى بتنظيم القاعدة الإرهابي، وشكلت الوحدات العسكرية المنتشرة على طول الحدود الجزائرية سدا منيعا ضد محاولات تنظيم داعش الإرهابي اختراق الحدود الجزائرية.
مكنت مقاربة الرجل العسكري المعروف بأنه "شخصية عسكرية ميدانية" من دحر فلول الجماعات الإرهابية والقاعدة في الجزائر.
ولم تسجل البلاد في الأعوام الأخيرة أي عملية إرهابية، معتمدا في ذلك على استراتيجية الضربات الاستباقية التي شلت تحركات الإرهابيين، وفرَضَ مراقبة شديدة على الحدود الجزائرية التي يصفها الجيش مرارا بـ"الملتهبة".
لم تتوقف استراتيجية وزارة الدفاع الجزائرية في عهد قايد صالح على محاربة الإرهاب، بل سعت لاستحداث قدرات الجيش، باقتناء أحدث الأسلحة العسكرية والحربية خاصة من روسيا لقواتها البرية والجوية والبحرية.
ونفذ الجيش الجزائري في الأعوام الأخيرة عشرات المناورات العسكرية البرية والبحرية والجوية في مختلف مناطق البلاد، كانت "طوفان 2018" الأضخم في تاريخ الجزائر، وشهدت للمرة الأولى مشاركة مشتركة لمختلف القوات العسكرية البرية والبحرية والجوية.
على الصعيد السياسي، رفض قائد أركان الجيش الجزائري في العامين الأخيرين دعوات أحزاب وشخصيات سياسية للتدخل في العملية السياسية، ووجه خلالها رسائل قوية لمختلف الأطراف الفاعلة في الساحة السياسية للبلاد، مفادها أن "الجيش استقال من السياسة، ويرفض الزج به في حسابات ومصالح حزبية ضيقة"، كما قال قايد صالح ردا على تلك الدعوات.
رحيل مشرف
شاءت أقدار الجزائر أن يرحل قائد أركان الجيش بعد تجاوز البلاد أصعب أزمة سياسية كادت أن تعصف بمؤسساتها، كما أكد ذلك خبراء أمنيون في وقت سابق لـ"العين الإخبارية".
ومنذ بدء الأزمة السياسية، أخذ الجيش الجزائري برئاسة قايد صالح على عاتقه حماية البلاد ومرافقة الأزمة السياسية، وحماية المظاهرات الشعبية المطالبة بالتغيير الجذري.
كما أصرت المؤسسة العسكرية في موقف غير مسبوق على "الحل الدستوري للأزمة السياسية" من خلال العودة إلى الشرعية الدستورية المتمثلة في الانتخابات الرئاسية.
ختم قائد صالح مشواره العسكري بأعلى وسام استحقاق وطني بالجزائر من درجة "صدر" بعد تكريمه من قِبل الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون خلال مراسم تنصيبه "على مجهوداته الكبيرة في حماية الجزائر وتجنيبها سقوط قطرة دم واحدة خلال المظاهرات الشعبية" كما قال تبون، ليكون بذلك "أحمد قايد صالح أول عسكري جزائري يكرم بذلك الوسام".
ومنذ استقالة بوتفليقة في أبريل/نيسان الماضي، حرص قايد صالح على توجيهات خطابات شبه أسبوعية للجزائريين، قال خبراء لـ"العين الإخبارية" إنها كانت تحمل 3 رسائل، وهي "تطمين بأن الوضع متحكم فيه وتجديد للعهد بمرافقة مطالب الحراك، وتحذير للأطراف الداخلية والخارجية من كشف مؤامراتها".
وسبق لباحثين جزائريين أن أكدوا لـ"العين الإخبارية" أن "الجيش نجح في استعادة نفسه بعد عقود من سرقته من ضباط عملوا في الجيش الفرنسي خلال احتلال فرنسا للجزائر".
وقدموا مقارنة بين دور الجيش الجزائري في أزمة التسعينيات وأزمة 2019؛ حيث ذكروا بأن "جيش التسعينيات كان مسروقا من ضباط فرنسا، والنتيجة كانت عشرية كاملة من الإرهاب ذهب ضحيتها قرابة ربع مليون جزائري، بينما جيش 2019 هو جيش مسترجع من ضباط فرنسا، وتمكنت الجزائر من إحباط مؤامرات داخلية وخارجية استهدفت أمنها واستقرارها" كما ذكر الراحل الفريق أحمد قايد صالح في تصريحات سابقة.
aXA6IDE4LjIyMC4yMDAuMzMg
جزيرة ام اند امز