الجزائر بأسبوع.. تبون في "المرادية" ودعوات الحوار تطرق أبواب الحراك
عبدالمجيد تبون يؤدي القسم الدستوري واستقالة الحكومة ورحيل الباءتين وترحيب بالحوار وتملق الإخوان.. كانت أبرز أحداث أسبوع الجزائر
من النهايات انطلقت البدايات، هكذا كانت نهاية أسبوع الجزائر المنصرم الذي مثل بداية لحقبة جديدة في تاريخ البلاد بتنصيب عبدالمجيد تبون رئيسا جديدا كأول رئيس منذ عقدين من الزمان.
- الجزائر في أسبوع.. انتخاب الرئيس الثامن ومحاكمة رموز السابع
- أسبوع الجزائر.. حملات انتخابية تواجه بالعزوف والتصعيد والتحذير
إذ شهد الأسبوع مراسم تنصيب الرئيس المنتخب وأدائه القسم الدستوري، ليوجّه أول خطاب للشعب قدم فيه "استراتيجية تفكيك الأزمة بأبعادها المختلفة" ومخلفاتها التي شهدتها البلاد طوال 10 أشهر، كما ذكر خبراء لـ"العين الإخبارية".
ودخل تبون قصر "المرادية" الجمهوري تاركاً وراءه "لقب الفخامة" الذي كان "معياراً للولاء في عهد بوتفليقة" كما يقول المتابعون، ليجد استقالة نور الدين بدوي رئيس الوزراء تنتظره في مكتبه، ليكلف وزير الخارجية صبري بوقادوم برئاسة الحكومة مؤقتاً، ويقيل وزير الداخلية صلاح الدين دحمون.
في مقابل ذلك، وجدت دعوة الرئيس الجزائري للحوار الشامل مع الحراك والطبقة السياسية "ترحيباً غير متوقع" في سرعته وحجمه، بينما وضع البعض شروطا له.
قَسَم والتزامات
شهد، يوم الخميس، مراسم تنصيب الرئيس الجزائري المنتخب عبدالمجيد تبون، بحضور رؤساء السلطات الثلاث "التنفيذية والتشريعية والقضائية" كما ينص عليه الدستور، بالإضافة إلى كبار القادة العسكريين، وشخصيات سياسية والسفراء المعتمدين بالجزائر.
وبعد أدائه اليمين الدستورية "أمام الشعب وبحضور جميع الهيئات العليا في البلاد" كما تنص عليه المادة 89 من الدستور الجزائري، وجّه تبون أول خطاب للجزائريين، أفصح فيه عن أجندة ولايته الرئاسية للأعوام الـ5 المقبلة.
ومن تعديل الدستور إلى الإصلاح المالي والاقتصادي، جدد تبون التزاماته التي قدمها في برنامجه الانتخابي، معيداً صياغتها كـ"برنامج دولة" في المرحلة المقبلة يقول إنه "يُصلح ما أفسده دهر بوتفليقة"، وإن وصفه البعض بـ"برنامج أزمة" لما تضمنه من إصلاحات عميقة لتراكمات كثيرة ورثها تبون عن النظام السابق.
وفي خطابه، أقر الرئيس الجزائري بصعوبة المهمة التي أتت به بعد حراك شعبي غير مسبوق، "صنع التاريخ وسطر مستقبل الجزائر وأعاد البلاد إلى الشرعيتين الشعبية والدستورية" كما قال.
تبون أبلغ الجزائريين في خطابه بأن "مفتاح" تحقيق ما تبقى من مطالب الحراك وإنقاذ ما يمكن إنقاذه يكونان "عبر تعديل جذري وعميق للدستور" الذي عده "نقطة الضعف الأولى".
وينطلق الرئيس الجزائري الجديد في مهامه بمشاورات واسعة لتعديل الدستور، تعهد بإتمامه في الأشهر الأولى من ولايته الرئاسية.
وترتكز تعديلات تبون على تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية الذي يحصن البلاد من السقوط في الحكم الفردي، ويحدد حصانة الأشخاص، ولا يمنح للفاسد أي حصانة من الملاحقة القضائية، ويمنح الرئيس ولاية قابلة للتجديد مرة واحدة فقط.
بالإضافة إلى تعديل قانون الانتخابات الذي أثار الكثير من الجدل، من خلال "تجريم تدخل المال في العمل السياسي حتى يتمكن الشباب من الحصول على فرصة الترشح، وتكون حملتهم الانتخابية من تمويل الدولة حتى لا يقعوا فريسة للمال الفاسد".
ورأى عدد من الخبراء الأمنيين والأكاديميين الجزائريين في تصريحات لـ"العين الإخبارية" أن "وضوح وجرأة التزامات الرئيس الجديد كانا إيذاناً بنهاية أزمة، وبداية أخرى من نوع جديد.
وترتبط التحديات بمدى قدرة تبون على تفكيك الألغام الصغيرة في حجمها والكثيرة في تعدادها، سواء ما تعلق منها من بقايا جناحي الدولة العميقة في مختلف القطاعات، أو ترسانة القوانين والسياسات التي أفقدت ثقة الجزائريين بالسلطة وجعلت من الفساد سياسة دولة قائمة بحد ذاتها، وأعطت حقوقاً معنوية ومادية غير محدودة لأقلية على حساب الأغلبية.
ما يعني -وفق قراءاتهم- أن المرحلة المقبلة ستشهد صراعاً مختلفاً "من أجل بقاء الدولة العميقة أو إنهاء وجودها"، استبقه قائد الجيش الجزائري برسائل دعم قوية للرئيس المنتخب بأن "يقف بالمرصاد لأعداء الجزائر".
لكن المؤكد هو أن الجزائر على "مشارف طي كتاب كامل" عنوانه "إرهاب الفساد والسياسة" والدخول في آخر "يُقتلع فيه ما يمكن اقتلاعه"، من فصلين، أحدهما "عن زلزال الفساد الذي ضرب الجزائر طوال عقدين وما تلاه من كشف لمؤامرات كانت فيه دوائر أجنبية المستفيد الأكبر من ذلك الفساد" كما أكد المسؤولون الجزائريون.
والثاني عن الانتهازية المسمومة للتيارات الإخوانية التي امتصت وجودها في المشهد من جذور جناحي الدولة العميقة بنظام محاصصة أعطاها ما ليس لها، أرهبت به كل كاشف لعوراتها السياسية، ونسجت من ورائه ارتباطات خارجية مشبوهة طوال عقدين كاملين".
وهو ما يفسر كما ذكر خبراء جزائريون لـ"العين الإخبارية" "الأسباب الخفية لخشية جناحي الدولة العميقة والتيارات الإخوانية من صعود عبدالمجيد تبون إلى سدة الحكم في الجزائر"، وهو "الصعود الذي يعني سقوط خيانات متعددة الأشكال والأوجه".
ويرى المتابعون أن تبون "لم يتسلم فقط مهامه رئيساً للجزائر، بل تسلم أيضا منجل محاربة الفساد والعمالة، سيكشف في المرحلة المقبلة عن ملفات مثيرة تحدث تغييراً جذرياً في واجهة المشهد السياسي للبلاد".
رحيل الباءين
وفي يوم واحد، سلم الرئيس المؤقت عبدالقادر بن صالح مقاليد الحكم للرئيس المنتخب عبدالمجيد تبون، وقدم رئيس الوزراء نور الدين بدوي استقالته، وكلف صبري بوقادوم وزير الخارجية برئاسة الحكومة مؤقتاً وطلب من الوزراء البقاء في مناصبهم لتصريف الأعمال.
اسمان كانا منذ بدء الحراك الشعبي من المطالَبين بالرحيل، رغم أن حكومة بدوي كانت وفق المراقبين الأقرب إلى سهام الرفض الشعبي، لارتباط اسمه في عهد بوتفليقة بوزارة الداخلية التي كانت "المتهم الرئيس بتزوير الانتخابات".
وعلى اختلاف المواقف من عبدالقادر بن صالح، إلا أنه تمكن كما أثبتته الأحداث من أن يُبعد عن شخصه مطالب الرحيل، و"حافظ خلال المرحلة السابقة على الشرط الأدنى للانتقال بالبلاد من الأزمة السياسية إلى الشرعية الدستورية، وتحمّل عبء مرحلة خطرة مرت بها الجزائر رغم وضعه الصحي.
وواجه بن صالح خلال تلك الفترة تلك العاصفة بهدوء رجل الدولة" كما قال تبون في خطابه، الأمر الذي أحدث مفارقة غي متوقعة بأنه "دخل القصر الجمهوري مرفوضاً شعبياً وخرج منه باحترام الرافض قبل المؤيد" كما ذكر أكاديميون جزائريون لـ"العين الإخبارية".
ترحيب في المعارضة وتملق عند الإخوان
الخطاب الأول للرئيس الجزائري حمل وفق متابعين "رسائل طمأنة أربكت الرافضين للعملية الانتخابية لما فيه من مؤشرات كبيرة على إمكانية تحقيق التغيير الجذري في الحكم والسياسات الذي طالب به الحراك"، قدم فيه "تفكيكاً للأزمة وحلولها"، الأمر الذي دفع بمراقبين إلى توقع "انقسام ما تبقى من الحراك الشعبي".
وبعد مقاطعتها للانتخابات، شكلت مواقف بعض الأحزاب المعارضة من دعوة تبون للحوار مفاجأة غير متوقعة.
خاصة تلك الصادرة عن حزبيْ "جبهة القوى الاشتراكية" و"جيل جديد" اللذين رحّبا بها، وجددا شروط التهدئة التي يقولان إنها "ضمان لإنجاح الحوار"، بينها إطلاق سراح سجناء الحراك والرأي.
كما "أسال لعاب التيارات الإخوانية اللاهثة وراء انتهازيتها، والتي انتقلت غالبيتها بسرعة البرق والصوت من نبذ تبون أو الانتخابات إلى المباركة العمياء لكل ما جاء في خطابه".
ويؤكد ذلك وفق قراءات خبراء لـ"العين الإخبارية" أمرين اثنين، وهما: "حالة الإفلاس السياسي الحاد إلى درجة العقم التي وصلت إليها التيارات الإخوانية وعجزها عن صناعة خطابات ومواقف تُجاري التحولات السياسية السريعة التي تشهدها الجزائر".
والثاني يرتبط بما "تبقى لإخوان الجزائر وهو الانتهازية وترصد اقتناص المصالح الحزبية الضيقة مهما تناقضت المواقف والتصريحات".
وهو ما يعني "الدخول في المرحلة الأخيرة من أجندتهم المشبوهة التي ولدت ميتة بلسان الرفض شعبي وعين عسكرية، من خلال محاولة التموقع في المرحلة المقبلة".
aXA6IDMuMTQ1LjEwOC40MyA=
جزيرة ام اند امز