مستقبل الجزائر بعد رحيل قايد صالح
شكل توقيت رحيل قايد صالح نقطة فارقة في مستقبل الجزائر، فربما يكون رحيله بعد انتخاب رئيس جديد أنقذ تلك الدولة من هزة عنيفة
فجرت وفاة الفريق أحمد قايد صالح رئيس أركان الجيش الجزائري بشكل مفاجئ، وتعيين اللواء سعيد شنقريحة خلفا له بالإنابة، نقاشا متباينا، بين من يرى الأمر عاديا، ومن يرى أن له تأثيرات مباشرة على ترتيبات ما بعد انتخاب الرئيس.
توضيحاً، يطرح تعيين "شنقريحة" بالإنابة خلفاً لـ"قايد" عدة تساؤلات، لعل أهمها: هل سيؤثر رحيل رئيس الأركان السابق على واقع الداخل الجزائري؟ وهل تتغير طريقة التعامل مع الحراك في ظل رئيس الأركان الجديد؟ وما هو تأثير ذلك في شكل العلاقة مع الرئيس المنتخب ومستقبل الترتيبات داخل الجيش الجزائري؟
انعكاسات واضحة
شكل توقيت رحيل أحمد قايد صالح نقطة فارقة في مستقبل الجزائر، فربما يكون رحيله بعد انتهائه من ترتيبات ما بعد حراك 22 فبراير/شباط 2019 وانتخاب رئيس جديد، أنقذ البلاد من هزة عنيفة، كانت قد تحدث لو لم تصل الجزائر لهذه المرحلة التي تتشكل فيها أولى ملامح خريطة ما بعد 12 ديسمبر/كانون الأول.
وبناء على ذلك، فيمكن القول إن هناك 3 عوامل ترتبط بالحدث وتوابعه، وتشير إلى استمرار الوضع القائم في الجزائر قبل رحيل رئيس الأركان السابق على ما هو عليه، أي أن تعيين "شنقريحة" في هذا التوقيت لن يؤثر على ترتيبات قايد في التعامل مع المرحلة المقبلة.
ويتمثل العامل الأول، في أن انتخاب رئيس جديد للجزائر، وهو وزير للدفاع وفقا للدستور الجزائري، في هذا التوقيت، بالإضافة إلى تأكيد أحمد قايد صالح أكثر من مرة قبل رحيله على عدم التدخل في الحياة السياسية والالتزام بالمهام الدستورية للجيش، يعني أن الجزائر دخلت مرحلة جديدة، أهم ملامحها أن كل الترتيبات انتقلت من قيادة الأركان إلى الرئيس المنتخب.
ومن ثم هناك انعكاسات واضحة من تنصيب "تبون" قبل رحيل "قايد" على التزامات رئيس الأركان الجديد نحو كيفية التعامل مع الحراك، وحدود دور المؤسسة العسكرية في الترتيبات السياسية المقبلة، التي أصبحت بكل تفاصيلها في يد الرئيس.
ويمكن الإشارة إلى أن وجود "شنقريحة" ملازما لـ"قايد" طوال الـ9 شهور الماضية بل يعد -وفقا لمقربين- صانعا رئيسيا في ترتيبات ما بعد اندلاع الحراك، سواء فيما يتعلق بقرار رحيل بوتفليقة أو محاكمة رموز نظامه أو في الاستراتيجية الهادئة في التعامل مع الحراك، أو الالتزام بعدم إراقة نقطة دماء.
ومن ثم يمكن اعتبار درجة تقارب "شنقريحة" و"قايد" -إضافة لشخصية الأول، الذي يصفه خبراء جزائريون بأنه هادئ وقليل الكلام ولا يحب الظهور- عاملا ثانيا، له انعكاساته أيضا على استمرار الوضع على ما هو عليه خلال المرحلة المقبلة.
فمن المؤكد أن حرص "شنقريحة" على عدم البحث عن الأضواء سيمكن "تبون" من أن يقوم منفردا بالبحث عن أرضية مع الحراك الجزائري، لفتح صفحة جديدة في علاقة المؤسسة العسكرية بالسلطة من جهة، بل استمراره في وضع الجدول الزمني لتنفيذ خارطة الطريق، التي أعلن عنها في خطاب تنصيبه، بحضور رئيس أركان الجيش السابق.
وإذا كان البعض يشكك في مضمون قرار تعيين "شنقريحة" الذي تضمن كلمة بالإنابة، فإنه يمكن التأكيد على أن نص قرار تعيين رئيس أركان الجيش الجديد يؤكد استراتيجية جديدة في العلاقة بين المؤسستين العسكرية والرئاسة خلال الفترة المقبلة، والتي ستنعكس بالإيجاب على إدارة "تبون" لشؤون البلاد.
وهنا يمكن القول إن حرص الرئيس الجديد على خروج القرار بصفة مؤقتة لحين الرجوع لقيادات المؤسسة العسكرية، على الرغم من أن تعيين قائد القوات البرية في منصب رئيس الأركان يعتبر عرفا وتقليدا متبعا يؤطر لعلاقة جديدة بين المؤسستين، سينعكس إيجابا على سلاسة المرحلة المقبلة في الجزائر، وتعطي فرصة للرئيس للتحرك مدعوماً، دون تقييد من تلك المؤسسة التي يعد هو أعلى سلطة فيها.
مستقبل الحراك
ملازمة "شنقريحة" لـ"قايد" منذ اندلاع الحراك في 22 فبراير/شباط 2019 حتى إجراء الانتخابات الرئاسية في 12 ديسمبر/كانون الأول الجاري، واتباعه المدرسة العسكرية نفسها، وتدرجه الوظيفي داخل المؤسسة، وانتماؤهما لسلاح القوات البرية، قد تؤشر إلى اتفاقهما في السياسة المتبعة في التعامل مع الحراك منذ اندلاعه، وتوافقهما أيضا على صدور قرار استقالة بوتفليقة في 28 أبريل/نيسان 2019.
وبناء على ما سبق، يمكن القول إن وجود رئيس للبلاد يمثل وزيرا للدفاع، وهو صاحب قرار تعيين "شنقريحة"، سيلزم الأخير باتباع سياسة الرئيس في التعامل مع وضع الحراك ومستقبله، خاصة أن الرئيس أعلن في خطاب تنصيبه أيضا أنه يمد يده للحوار مع كل الأطراف، بما فيها قوى الحراك.
وما يرجح إلى التزام رئيس أركان الجيش في تعامله مع الحراك بسياسة سابقه هو أنه -وفقا لما يردده خبراء جزائريون- كان مواليا منذ بداية أحداث 22 فبراير/شباط للحراك، بل يؤكد البعض أنه هو الذي أشار إلى قايد صالح بالاستماع إلى الحراك والإطاحة بالرئيس بوتفليقة ومَن معه.
ومن ثم ستظل حماية الحراك قائمة من الرئيس "تبون" ومن قائد أركان الجيش الجديد، وسيتبع "شنقريحة" نفس النهج والسياسة في التعامل مع الحراك، وسيحرص على أدبيات سابقه، التي تضمنت الحرص الكامل على عدم إراقة نقطة دم واحدة.
استمرارية الوضع القائم
تفاصيل ما سبق، بالإضافة إلى أن تعيين "شنقريحة" قائماً بأعمال رئيس للأركان يمثل التزاما وتقليدا متبعا في الجيش الجزائري، فلم يتجاوز تعيين سعيد شنقريحة غيره من قادة الجيش، حيث يعد رئيس الأركان الجديد هو ثاني شخصية في الوظيفة وليس في الرتبة العسكرية، إذ يسبقه فقط الفريق بن على بن على قائد الحرس الجمهوري، يشير إلى أن استمرار الوضع على ما هو عليه، وأن ما قد يقوم به رئيس الأركان الجيد، في التعامل مع كل الأطراف سواء داخل المؤسسة العسكرية أو مع الحراك أو مع المؤسسة الرئاسية، يعد استكمالا لسياسة سابقه.
كما أن الترتيبات داخل المؤسسة العسكرية، التي أجراها خلال الستة شهور الأخيرة كل من قايد صالح والرئيس الجزائري المؤقت عبدالقادر بن صالح، بالإضافة إلى إقالة "تبون" وزير الداخلية صلاح الدين دحمون، تشير إلى تأجيل اقتراب "شنقريحة" من وضع القيادات داخل المؤسسة العسكرية.
ومن ثم ستبقى القيادات لفترة طويلة كما هي، ويكون من صدور قرار مستعجل بشأن الوضع الداخلي في تلك المؤسسة، خاصة أن التغييرات التي أجريت خلال تلك الفترة كانت قوية وأكثرا توافقا بين قيادات المؤسسة.
وفقا لما يؤكده مقربون، ففي بداية نوفمبر/تشرين الثاني عين عبدالقادر بن صالح اللواء محمد بشار رئيسا لدائرة الاستعمال والتحضر (هيئة عمليات القوات المسلحة)، خلفاً للواء شريف زراد، الذي يأخذ المرتبة الثانية من حيث الأهمية داخل الجيش مباشرة بعد رئيس الأركان.
في النهاية، يمكن القول إن تطور الأوضاع في السياق الإقليمي المحيط بالجزائر وانتخاب رئيس جديد يرجح اتجاه الجيش الجزائري إلى فك الارتباط تدريجيا مع الشأن الداخلي، وأن يلعب دور الحارس عن بعد.
بل إن صدور المرسوم الرئاسي المتضمن تحديد مهام نائب وزير الدفاع وصلاحياته في نوفمبر 2013 يظل حاكما للعلاقة بين الرئيس المدني "تبون" ورئيس أركان القوات المسلحة الجديد.
aXA6IDMuMTM5LjEwOC45OSA= جزيرة ام اند امز