الغضب يكسو درنة المنكوبة.. هل يدفع لوحدة المؤسسات الليبية؟
كارثة كبرى أودت بحياة الآلاف في درنة الليبية، لتشعل نار غضب الأهالي المتبقين بالمدينة، طلبا لمحاسبة المسؤولين، وسرعة الإعمار.
وانفجر أهالي المدينة جراء عدم الإحساس باهتمام المسؤولين، ونظموا مظاهرات عدة خرج فيها المئات، للمطالبة بسرعة الكشف عن نتائج التحقيقات بشأن الكارثة التي حلّت بالمدينة، والبدء بعملية إعادة الإعمار وتعويض المتضرّرين.
- كارثة ليبيا.. ملاحقة قضائية للمسؤولين وحصيلة جديدة للضحايا
- برلمان ليبيا يمنح حكومته مهلة لتجاوز الكارثة.. ورئيسه يحث على الصبر
واحتشد المتظاهرون من أهالي المدينة في ساحة مسجد الصحابة، ورفعوا شعارات تطالب بحلّ المجلس البلدي ومحاسبته، والتحقيق في الميزانيات التي خصصت للمدينة.
وهتف المتظاهرون "السارق واللي خان يشنق في الميدان"، و"دم الشهداء ما يمشيش هباء"، كما طالبوا بـ"إسقاط الأجسام السياسية الحالية وتوحيد البلاد".
ودعوا إلى عقد مؤتمر دولي حول إعمار مدينة درنة، وكذلك محاسبة لجنة استقرار درنة، والتحقيق في كل الميزانيات السابقة المخصصة لدرنة.
كذلك طالبوا "مكتب الدعم في ليبيا التابع لهيئة الأمم المتحدة بفتح مكتب له بمدينة درنة وبشكل عاجل"، وبـ"البدء الفعلي والعاجل بعملية إعادة إعمار مدينة درنة وتعويض المتضررين".
حرق منزل عميد درنة
وألقى الأهالي باللوم في الكارثة على عميد بلدية درنة عبد المنعم الغيثي، بسبب سوء صيانة السدود على الرغم من تخصيص عشرات الملايين، خاصة بعد الحديث عن شبهات فساد في عقود الصيانة.
إلا أنه مع بداية انتهاء المظاهرات الغاضبة اتجه الأهالي إلى اقتحام منزل عميد البلدية، وأشعلوا النار فيه، الأمر الذي تسبب في غضب البعض الآخر من المتظاهرين وطالبوا بفض الاحتجاجات الغاضبة.
وفي محاولة لامتصاص غضب أهالي المدينة، قرر رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب أسامة حماد، الإثنين، إقالة المجلس البلدي لدرنة، وإحالة أعضائه كافة للتحقيق، بحسب وسائل إعلام ليبية.
حالة من الغليان
وتعليقا على هذا يقول رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة درنة، الدكتور يوسف الفارسي، إن "مطالب أهالي درنة ملحة وضرورية في ظل الكارثة الإنسانية الكبرى وحالة الاحتقان بين الأهالي".
وأضاف الفارسي في حديث لــ"العين الإخبارية" أن "سرعة التحقيقات، وتعويض الأهالي، والإعمار بشكل عاجل ضروري جدا في ظل حالة الاحتقان".
وبيّن أنه "يجب على مجلس النواب والحكومة التحرك سريعا في الإعمار وعدم الانتظار إلى اجتماعات مطولة لما تحتاجه المدينة من سرعة علاج الكارثة التي تسببت في هدم المدينة".
ولفت إلى أن "المؤتمر الدولي لإعمار درنة سيكون مراقبا دوليا مما يحافظ على حقوق الأهالي وسرعة إعادة بناء المدينة المنكوبة".
دفعة لإنهاء الانقسام
واتفق مع الفارسي، المحلل السياسي الليبي أحمد أبو عرقوب، في حديث لـ"العين الإخبارية"، الذي اعتقد أن تحركات أهالي درنة جاءت متناغمة مع المزاج العام في ليبيا.
وأشار إلى أن "الجميع في ليبيا يطالب النائب العام بالإسراع في بدء التحقيق للكشف عن أسباب انهيار السدود، والكشف عن المسؤول عن حدوث هذه الكارثة ومحاسبته".
ولفت إلى أن "كارثة درنة وما تبعها أكد على أن الروابط الاجتماعية التي تجمع الليبيين هي أوثق من أن تقطعها الخلافات السياسية، وبالتالي من الطبيعي المطالبة بإنهاء كل أشكال الانقسام السياسي المؤسساتي".
وأكد على أن "المشهد السياسي الليبي بعد كارثة درنة لن يكون كما كان عليه قبل الكارثة، خاصة أن الانقسام السياسي و المؤسساتي كانت فاتورته غالياً جداً على الليبيين، من خسائر في الأرواح، وإهدار للمال العام، وتردي مستوى الخدمات".
وأوضح أن "كارثة درنة كانت ناقوس الخطر الذي أفاق كل الليبيين لحجم الأزمة التي يعيشونها".
وأشار إلى أن "الليبيين الآن يعرفون جيداً ماذا يريدون، وبالتالي أعتقد أن التغيير قادم لا محالة".
ومن جانبه، أكد المحلل العسكري الليبي، محمد الترهوني، أن "التقاعس في صيانة السدود واتهام العميد بها تسبب في حالة غضب".
وأضاف الترهوني في حديث لــ" العين الإخبارية" أنه "رغم الغضب إلا أنه كانت هناك إشادة بالجيش خاصة من الأهالي في ظل تواجد كل القيادات سواء المشير خليفة حفتر القائد العام للجيش، أو اللواء طارق بن زياد، واللواء 166، والجنود للإنقاذ في المدينة بعد الكارثة".
وأشار إلى أن "المظاهرات نادت بصوت واحد بسبب عدم جدية الجهات السياسية لصيانه المدينة وإعادة إعمارها".
وبيّن أن "هناك بعض من يحاول خلق زوبعة في المدينة وإثارة البلبلة".
وشدد على "ضرورة الإسراع في محاسبة المقصرين من المسؤولين من أجل اتخاذ العبرة، وحتى لا يتكرر ما حدث في درنة مع مدن ليبية أخرى".
وكانت الفيضانات الناجمة عن انهيار سدين تحت ضغط الأمطار الغزيرة التي حملتها العاصفة دانيال في 10 سبتمبر/أيلول، تسببت في وفاة ما يقرب من 3338 شخص وفق آخر حصيلة رسمية موقتة أعلنها وزير الصحة في الشرق الليبي عثمان عبد الجليل.
جهود إغاثية مستمرة
وتأتي المظاهرات في حين يواصل عناصر الإغاثة البحث عن آلاف المفقودين الذين يعتقد أنهم باتوا في عداد الأموات من جراء الفيضانات.
والإثنين، أعلنت الأمم المتحدة أن وكالاتها وخصوصا منظمة الصحة العالمية تحاول "منع انتشار الأمراض وتجنب أزمة مدمرة ثانية في المنطقة".
وتوقّعت وكالات تابعة للأمم المتحدة ومسؤولون ليبيون ارتفاع حصيلة القتلى.
وأوضح الهلال الأحمر الليبي أنه أنشأ منصة لتسجيل المفقودين، داعيا السكان إلى تقديم معلومات عمن فُقد أثرهم.
وفي ميناء درنة، كان فريقا الإغاثة الإماراتي والليبي ينسّقان جهودهما من أجل انتشال جثث من البحر.
في الوقت نفسه، تعمل فرق غوص تركية وروسية على محاولة العثور على جثث في أماكن مختلفة من الميناء حيث صبّت السيول الجارفة مع كل ما حملته في طريقها.
والإثنين، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن، في بيان، عن مساعدات إنسانية لليبيا بـ11 مليون دولار، كما أعلن الاتحاد الأوروبي من جهته صرف 5.2 مليون يورو للمساعدات الإنسانية في ليبيا.
كذلك، أعلنت فرنسا التي نشرت مستشفى ميدانيا وأرسلت عمال إنقاذ إلى درنة، أنها ستخصص أيضا "4 ملايين يورو للأمم المتحدة للمساعدات الطارئة وإعادة الإعمار في ليبيا".