لبنان يغرق في حفلات الزفاف "المليونية" رغم أزمات الاقتصاد وكورونا
رغم كل الأزمات التي يمر بها لبنان، صدم المتابعون لمواقع التواصل الاجتماعي بعدد كبير من صور وفيديوهات حفلات الزفاف، لا سيما في عطلة نهاية الأسبوع، والتي يظهر في بعضها مدى البذخ والترف الذي لا حدود له.
صحيح أن الأسعار "نار" في لبنان، إلا أن ذلك لم يحل دون تنظيم أعراس بمئات آلاف، لا بل ملايين الدولارات، فالمبالغ المدفوعة على الورود لتزين الصالة ومدخلها، إضافة إلى المفرقعات المبهرة، وحدها كفيلة بمعرفة ضخامة المبالغ المالية المصروفة على حفلات الزفاف.
ما يحدث صورة مصغرة عن مشهدين متناقضين، بين عائلات لا يمكنها تأمين قوت يومها، وبين أطعمة باهظة الثمن في حفلات الزفاف مثل (سومو وقريدس وكافيار)، وكل هذه تصطاده كاميرات وتبثه مباشر بدون أي اعتبار لأشخاص يتمنون الحصول على بعض الخضروات أو حبات من الفاكهة، أو حتى على قطعة لحمة أو دواء.
وذكر تقرير اليونيسف أن 77% من الأسر لا تملك ما يكفي من غذاء أو مال لشرائه، و30% من أطفال لبنان ينامون ببطون خاوية.
صحيح أن نسبة الفقر في لبنان وصلت إلى أرقام لم يسبق لها مثيل، إلا أن الطبقة الغنية لا تزال تكمل حياتها وكأنها في عالم آخر لا علاقة لها بما يمر به البلد، وهناك من لا يملكون المال الكافي ومع ذلك يلجأون إلى الاستدانة أو لبيع ما تيسر لهم من أجل "حفلة العمر".
وكما هو معروف ينتظر اللبنانيون فصل الربيع من كل عام ليفتتحوا موسم الأعراس، لكن مع تسلل فيروس كورونا إلى البلد، ومنع التجمعات وإغلاق الصالات السنة الماضية، انطفأ الموسم قبل انطلاقه، وتبدلت خطط الراغبين بالزواج، ليعود الموسم هذه السنة بعد فتح البلد.
تغريد مصلح، عروس رفضت التنازل عن أي حلم لها في حفل زفافها بعد سنة من ارتباطها، وقالت لـ"العين الاخبارية": "رغم ارتفاع الأسعار فإنني حرصت أن يتضن حفل زفافي كل ما أرغب به، فهي ليلة العمر علينا أن نسعد بكل تفاصيلها"، وتضيف: "بالفعل كان حفلاً رائعاً وإن كلّفنا مبلغاً كبيراً".
وحول ما إذا كانت اقتصرت الدعوات على عدد محدود أجابت: "على العكس، حضر الحفل نحو 450 شخصاً"، قبل أن تستطرد متحدثة عن انتشار فيروس كورونا: "كلا كون الصالة كبيرة وخارجية فلا خوف".
لم يكن أمام الشاب داني تلحوق، إلا أن يبيع سيارته لاستكمال تكاليف زفافه، وشرح لـ"العين الاخبارية" قائلا: "بعد سنة من خطوبتي كان عليّ أن أحسم قراري وأقيم حفل زفافي، لم يعد بامكاني الانتظار، رغم الحيرة التي سيطرت عليّ، فالمبلغ الذي سبق ووفرته لم يكن يكفي، لذلك لم أجد أمامي مخرجاً سوى بيع سيارتي".
وأضاف قائلا: "تكاليف العرس أثقلت كاهلي، لا سيما في ظل ظروف البلد، فأنا أعمل في التجارة بين منطقة وأخرى، البنزين غير متوفر للتنقل عدا عن الطرقات التي تغلق بين الحين والآخر احتجاجاً على الوضع".
واختتم قائلا: "الله يكون في عون شباب لبنان، الزواج مسؤولية فكيف إن كان في بلد مسؤولوه غير مسؤولين؟"
وعن موسم الأعراس في لبنان، شرح منظم حفلات الزفاف، وائل خداج لـ"العين الإخبارية" الوضع قائلا: "يعد جيدا مقارنة مع العام الماضي الذي لم يشهد حفلات خوفاً من محاضر ضبط بحق المخالفين لإجراءات التعبئة العامة، ورغم ذلك نظّمت نحو 15 مناسبة، ضمت كل منها عدداً صغيراً من المدعوين، أما هذه السنة سننظم 50 حفلاً في وقت كان لا يقل عدد الحفلات التي ننظمها عن الـ200".
هذه السنة تبدل الحال قليلاً، كما يشرح "خداج" قائلا: "من لم يستطع إقامة حفل زفافه بسبب إجراءات كورونا، ومن استفاد من ارتفاع سعر صرف الدولار، احتفل بزفافه هذا العام، كذلك أقام عدد من المغتربين حفلات زفافهم إلا أن نسبتهم لا تتجاوز 5%".
ويضيف: "90% من الأعراس تعود لموظفي القطاعين العام والخاص أي أن رواتبهم بالليرة"، مشدداً: "رغم ذلك لا يمكن مقارنة نسبة الأعراس موسم سنة 2018 بمواسم السنوات التي تلته، إذ يمكن القول إن معظم الأعراس التي أقيمت هذا العام خجولة جداً، فمن كان يوجه الدعوة إلى 200 شخص على سبيل المثال اكتفى بـ50 شخصاً فقط".
وفيما ما إذا كان بعض العرسان يتنازلون عن بعض من أحلامهم ليلة الزفاف أجاب خداج: "نعم، العروس التي كانت تحلم بعرس خيالي ارتضت بالواقع، أصبح هناك أولويات، فرش البيت مثلاً أهم من الحفل، لذلك معظم العرسان استغنوا عن عشاء ليلة الزفاف، إضافة إلى أمور أخرى".
وأضاف: "من جانبي خفضت تسعيرة الزفة، التصوير، السيارة والورد، إذ كانت تكلفتها في السابق بحدود 6 آلاف دولار، على سعر صرف 1500 ليرة، أما الآن سعرنا كل هذه الخدمات بـ 700 دولار فقط، أما الصالات فأسعارها متضاربة".
أضاف خداج: "حتى أن بعض المدعوين يفضلون عدم الحضور، لكي يزيحون عن كاهلهم تكاليف الملابس وتزيين الشعر والمكياج، إضافة إلى أزمة المحروقات التي تحد من حرية التنقل".
وقال: "ما يطرح علامات استغراب هو التعامل مع فيروس كورونا بعدم اهتمام خلال الأعراس، لا أعلم كيف يمكننا أن نكمل بهذا الأسلوب، لا سيما بعد وصول المتحور الهندي إلى لبنان، إذ هناك خشية من أن نعود إلى المربع الأول للإغلاق".