«استثنائية ووطيدة».. تفاصيل إعلان الشراكة بين المغرب وفرنسا
مجموعة من الاتفاقيات الثنائية الاستراتيجية، أشرف على توقيعها العاهل المغربي الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
تلك الاتفاقيات التي تعبر عن الشراكة الاستثنائية الوطيدة بين المغرب وفرنسا، وتهدف إلى تمكين البلدين من مواجهة التحديات التي تواجههما بشكل أفضل.
- المغرب وفرنسا إلى حقبة جديدة من الشراكة.. دفء الاقتصاد يذيب جليد الخلافات
- المغرب وفرنسا.. شراكة دافئة في قطاعات الطاقة النظيفة والنقل
شراكة استثنائية وطيدة
ووقع العاهل المغربي، الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الإعلان المتعلق بالشراكة الاستثنائية الوطيدة بين البلدين.
وترمي هذه الشراكة إلى تمكين البلدين من رفع جميع التحديات التي تواجههما بشكل أفضل، وذلك عبر تعبئة جميع القطاعات المعنية بالتعاون الثنائي والإقليمي والدولي.
وبحسب نص الإعلان، الذي وصل "العين الإخبارية" نسخة منه، فإن قائدي البلدين، قرراً "تشدين مرحلة جديدة من التاريخ الطويل المشترك بين فرنسا والمغرب من خلال الارتقاء بالعلاقة بين البلدين إلى مستوى “شراكة استثنائية وطيدة”.
وقد أكد رئيسا الدولتين على طموحهما المشترك في أن تعكس هذه الشراكة بين فرنسا والمغرب، عمق العلاقات القائمة بين البلدين والضاربة جذورها في التاريخ، ومتانة الروابط الإنسانية والثقافية ذات التنوع الغني والفريد، والتي تشكل أساس صداقتهما وتعاونهما منذ عدة عقود".
بالإضافة إلى إرادتهما المشتركة في استثمار مكتسبات الشراكة وأوجه تكاملها للدفع بها بشكل لا رجعة فيه نحو مرحلة جديدة، وذلك في القطاعات الاستراتيجية التي تستجيب للتحولات التي تشهدها البلدان والتقلبات التي تطبع السياق الإقليمي والدولي.
ناهيك عن رغبتهما في تمكين العلاقات الفرنسية-المغربية من إطار استراتيجي شامل ومستقر ودائم، من خلال شراكة متينة تتطلع إلى المستقبل، وتحظى بالدعم على أعلى المستويات في كلا البلدين، مع إشراك جميع مكوناتهما والعمل على تنفيذها بشكل ملموس ومتطور ومبتكر، للاستجابة إلى تطلعات الأجيال الحالية والمستقبلية.
وأيضاً حرصهما على العمل كشريكين استراتيجيين في جميع المجالات، لاسيما الحوار السياسي، والشراكة الاقتصادية، والتبادل الإنساني. مع اعترافهما بالمساهمة القيّمة للجماعات الترابية والمؤسسات التمثيلية والفاعلين الاقتصاديين والشباب والمجتمع المدني، وكذا المغاربة المقيمون بفرنسا والفرنسيون المقيمون بالمغرب، ورغبتهما في مواصلة تعزيز إسهامهم في هذه الشراكة.
بالإضافة إلى رغبتهما في تمكين المغرب وفرنسا من خلال هذه “الشراكة الاستثنائية الوطيدة”، من مواجهة جميع التحديات التي تواجهها البلدان، على شكل أفضل، وذلك عبر تعبئة جميع القطاعات المعنية بالتعاون الثنائي والإقليمي والدولي.
جهود مشتركة
وفي نفس الإعلان، أكد الجانبان أن الجهود المشتركة التي يبذلها البلدان على الصعيدين الثنائي والدولي ستظل قائمة على أساس المبادئ التالية: العلاقة بين دولة ودولة، والمساواة في السيادة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وفي اختيارات السياسة الخارجية، واحترام الالتزامات المبرمة، والثقة، والشفافية، والتشاور المسبق، وتضامن ومسؤولية كل طرف تجاه الطرف الآخر.
بالإضافة إلى تأكيد التزامهما بتسخير “الشراكة الاستثنائية الوطيدة” لخدمة ثلاثة أهداف كبرى، تتمثل في تعزيز التقارب السياسي والاستراتيجي بين المغرب وفرنسا لتمكينهما من مواجهة التحديات الكبرى الراهنة، وتعميق وتحديث الشراكة بين البلدين خدمةً للتنمية الاقتصادية والتماسك الاجتماعي واستقلاليتهما الاستراتيجية، مع مواصلة تدعيم تعاونهما المتميز في مجال الروابط الإنسانية والرأسمال البشري والثقافة، والمتجذر في إطار فرانكفونية قائمة على القيم والانفتاح.
قطاعات استراتيجية
وقد حدّدا، على وجه الخصوص، عدة قطاعات استراتيجية يمكن إيلاؤها قدراً أكبر من الاهتمام والجهد : الأمن الصحي وإنتاج اللقاحات؛ والماء وتدبير الموارد المائية؛ والفلاحة، والتدبير الغابوي والأمن الغذائي، وتعزيز البنيات التحتية والطرق والمسارات البحرية والتنقل الحضري، والربط والانتقال الطاقي والطاقات المتجددة، والذكاء الاصطناعي.
بالإضافة إلى التعاون في مجالي الأمن والدفاع، والتعاون في مجالات التربية والبحث العلمي والتكوين الجامعي، والتعاون الثقافي، خاصة في مجال الصناعات الثقافية والإبداعية والتراث، والتعاون في مجال الرياضة وتنظيم التظاهرات الكبرى، في إطار الألعاب الأولمبية والبارالمبية المنظمة بباريس في 2024، وفي أفق بطولة كأس العالم لكرة القدم 2030 بالمغرب.
ويشيد قائدا البلدين بالتعاون الطموح الذي أرسياه وعززا دعائمه في مجال الهجرة، ويدعوان إلى وضع أجندة شاملة في هذا المجال، بحيث تشمل، في الآن ذاته، تسهيل التنقلات النظامية، ومكافحة الهجرة غير النظامية، والتعاون في مجال إعادة القبول ومنع عمليات المغادرة بالطرق غير القانونية، وكذا تعزيز التنسيق بين دول المصدر وبلدان العبور وبلدان الإقامة، على أساس مبدأ المسؤولية المشتركة.
أمن واستقرار
وعلى الصعيد الإقليمي، شدد قائدا البلدين على الأهمية المحورية التي يوليانها في حوارهما الاستراتيجي الثنائي لكل من أفريقيا والفضاء الأطلسي، والعلاقات الأورو-متوسطية والشرق الأدنى والأوسط.
واتفقا على تطوير مشاوراتهما من أجل تشجيع مبادرات مشتركة تهدف إلى الإسهام بشكل جماعي، مع البلدان المعنية، في أمن هذه المناطق واستقرارها وتنميتها.
وأشاد ماكرن بالعمل المهم الذي يقوم به العاهل المغربي الملك محمد السادس من أجل استقرار أفريقيا وتنميتها وبالمبادرات الملكية التي تم إطلاقها في هذا الشأن.
ولفت الإعلان إلى أن ملك المغرب يتابع عن كثب الجهود المهمة التي تبذلها فرنسا من أجل تجديد الشراكة القائمة بين فرنسا والاتحاد الأوروبي والبلدان الأفريقية وملاءمتها مع تحديات القرن الحادي والعشرين، في إطار الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
إرادة قوية
وعلى الصعيد الدولي، أكد قائدا البلدين إرادتهما القوية للإسهام معاً في تسوية الأزمات التي يواجهها المجتمع الدولي، سواء فيما يتعلق بالتصدي لتفاقم النزعات الخلافية وتراجع سيادة القانون، أو فيما يخص تحسين مستوى حماية الممتلكات العالمية المشتركة (المناخ، البيئة، التنوع البيولوجي، المحيطات)، لاسيما في إفريقيا والفضاء الأورو-متوسطي.
واتفق قائدا البلدين على أن يشرفا بصفة مباشرة على تتبع "الشراكة الاستثنائية الوطيدة” بين المغرب وفرنسا. وسيضطلعان بتحديد أولوياتها وإعطائها الزخم اللازم لإنجاحها. وسيقومان بصفة منتظمة، لاسيما عبر عقد اجتماعات حسبما تقتضيه الضرورة، بتتبع التقدم المحرز في تنفيذ “الشراكة الاستثنائية الوطيدة”.
واتفقا كذلك على تعيين لجنة تتبع استراتيجية مصغرة ومتساوية الأعضاء تتولى تقديم أي مقترح من شأنه أن يسهم في تعميق مضمون “الشراكة الاستثنائية الوطيدة”.
وتضطلع هذه اللجنة بدور مكمل لعمل الهيئات المكلفة بقيادة أشكال التعاون الثنائي، ولا تحل محلها.
أوسع نطاق ممكن
وأكد قائدا البلدين أن مجال تطبيق “الشراكة الاستثنائية الوطيدة” بين المغرب وفرنسا يشمل أوسع نطاق ترابي ممكن، وذلك على ضوء الموقف الفرنسي المعبر عنه بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لجلوس الملك محمد السادس على العرش.
هذا الموقف الذي أكد فيه الرئيس الفرنسي ما يلي: “أعتبر أن حاضر ومستقبل الصحراء المغربية يندرجان في إطار السيادة المغربية بالنسبة لفرنسا، والحكم الذاتي تحت السيادة المغربية يعد الإطار الذي يجب من خلاله حل هذه القضية. وإن دعمنا لمخطط الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب في 2007 واضح وثابت. ويشكل هذا الأخير، من الآن فصاعدًا، الأساس الوحيد للتوصل إلى حل سياسي، عادل، مستدام، ومتفاوض بشأنه، طبقاً لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة “.
وجدد الرئيس الفرنسي، بصفة خاصة، تأكيد التزامه بأن تواصل فرنسا مواكبة جهود المغرب، من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية لهذه المنطقة لفائدة الساكنة المحلية”.
تجديد للعلاقات
ومن جهة أخرى، أجرى العاهل المغربي الملك محمد السادس، بالقصر الملكي بالرباط، مباحثات مع الرئيس الفرنسي ماكرون، تمحورت حول الانتقال نحو مرحلة جديدة للعلاقات القوية بين المغرب وفرنسا، في إطار شراكة استثنائية متجددة، وخارطة طريق استراتيجية للسنوات المقبلة.
وقال بيان للديوان الملكي المغربي، وصل "العين الإخبارية" نسخة منه، إن قائدي البلدين يتعزمان من خلال هذه الشراكة المتجددة إعطاء دفعة حاسمة للعلاقات الممتازة متعددة الأبعاد بين المغرب وفرنسا، من أجل الأخذ في الاعتبار طموحات البلدين، ومواجهة التطورات والتحديات الدولية سويا.
وهمت المباحثات أيضا القضايا الإقليمية والدولية. وهكذا، يورد البيان، اتفق قائدا البلدين على العمل بشكل منسق من أجل تعزيز التوجه الأورومتوسطي، الإفريقي والأطلسي، ضمن مقاربة للعمل المشترك تخدم الازدهار والتنمية البشرية والمستدامة.
وشددا على أهمية تجديد الشراكة بين ضفتي المتوسط بشكل معمق من أجل بناء مستقبل أكثر استقرارا، ومستداما ومزدهرا، بالنسبة لمجموع المنطقة، مع الاستجابة للرهانات السوسيو اقتصادية والبيئية الراهنة.
من جهة أخرى، أشاد ماكرون بالدور البناء، الذي يضطلع به الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، خدمة للسلم في الشرق الأوسط.
ودعا قائدا البلدين إلى وقف فوري للهجمات في غزة ولبنان، مع تأكيدهما على أولوية حماية السكان المدنيين، وأهمية ضمان وتيسير وصول المساعدات الإنسانية الكافية، مع وضع حد لتأجيج الوضع على المستوى الإقليمي.
وذكر ملك المغرب والرئيس الفرنسي بالطابع الاستعجالي لإعادة إحياء مسلسل السلام في إطار حل الدولتين، دولة فلسطينية مستقلة، على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
في المقابل، وجه رئيس الجمهورية الفرنسية دعوة رسمية إلى الملك محمد السادس، للقيام بزيارة دولة إلى فرنسا، وهي الدعوة التي قبلها العاهل المغربي، والتي سيتم الاتفاق على تحديد تاريخها عبر القنوات الدبلوماسية.
زيارة تاريخية
ويجري الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، زيارة دولة إلى المغرب، انطلقت الإثنين، وتستمر لثلاثة أيام، وهي الزيارة التي تُعد تاريخية، بالنظر لبرنامجها الحافل، وأيضاً ما يُتوقع لها من مُخرجات يُنتظر أن تشكل انعطافاً محورياً في العلاقات الثنائية بين البلدين.
زيارة يُرافق فيها ماكرون زوجته بريجيت ماكرون، ووفد كبير يشارك فيه ما لا يقل عن 9 وزراء بينهم وزير الداخلية برونو ريتايو، إضافة إلى العديد من رجال الأعمال الفرنسيين ومنتخبين، إلى جانب شخصيات فنية وثقافية ورياضية.
ولكونها تأتي بعد ثلاثة أشهر من الإعلان التاريخي لفرنسا بدعمها سيادة المملكة المغربية على الأقاليم الجنوبية للمملكة، فهذه الزيارة -بحسب الخبير في الشؤون الدولية المعاصرة محمد بودن- ستكون «نُقطة تحول محورية وحاسمة في العلاقات بين البلدين للعقود الثلاثة القادمة».
وأوضح بودن، في حديث لـ«العين الإخبارية»، أن هذه الزيارة وسياقاتها تجسد التزاما بين البلدين بدعم المصالح الحيوية للبلدين والمشتركة بينهما، كما أنها فرصة لإعادة تأكيد فرنسا على موقفها الأخير الواقف إلى جانب المغرب في ملف الصحراء، واصطفافه للشرعية الدولية بالاعتراف بسيادة المملكة على كامل ترابها.
aXA6IDMuMTQ0LjI1Mi41OCA= جزيرة ام اند امز