في أزمة تلوث الهواء.. من الجاني؟
وجدت دراسة حديثة نشرتها مجلة "لانسيت الطبية" منذ يومين، أن تلوث الهواء هو أكبر سبب بيئي للوفيات في المدن الأوروبية
وتوصلت الدراسة التي قادها "معهد برشلونة للصحة العامة"، إلى أن أبرز مصادر التلوث هي الانبعاثات القادمة من المناطق السكنية، ثم الأنشطة الزراعية والصناعة، والنقل وقطاع الطاقة والشحن.
وعلى مستوى العالم، تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية أن تسعة من أصل عشرة أشخاص يتنفسون هواء ملوثا، وأنّ حوالي 7 ملايين شخص يموتون كل عام بسبب التعرض لجسيمات دقيقة في الهواء الملوَّث، والتي تخترق الرئتين ونظام القلب والأوعية الدموية، وتسبب أمراض السكتة الدماغية، وأمراض القلب، وسرطان الرئة، والانسداد الرئوي المزمن والتهابات الجهاز التنفسي.
وهناك نوعان من تلوّث الهواء، الأوّل هو تلوّث الهواء الخارجي، وأكبر مصادره حرق أنواع الوقود الأحفوري، والثاني هو التلوث المنزلي أو الداخلي الذي ينتج عن احتراق الوقود المنزلي مثل الفحم أو الخشب أو الكيروسين باستخدام المواقد في أماكن سيئة التهوية، إلا أن النوع الثاني ليس أقل خطورة، إذ لا يزال حوالي 3 مليارات شخص في العالم، أي أكثر من 40 في المائة من سكانه، غير قادرين على الوصول إلى أنواع الوقود النظيف للطهي مما يجبرهم على استنشاق الهواء الملوث داخل منازلهم.
الدول النامية تتحمّل العبء الأكبر من الأزمة
وفي الوقت الذي يؤثر فيه تلوث الهواء على الجميع، يحدث هذا التأثير بشكل غير متساوٍ، وتقع الدول النامية في قلب هذا الأزمة، فتشير تقديرات الصحة العالمية إلى أن أكثر من 90% من الوفيات المرتبطة بتلوث الهواء تحدث في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، خاصةً في آسيا وأفريقيا، كما يرى البنك الدولي، أن نحو 95% من وفيات تلوث الهواء تحدث في البلدان النامية، حيث يتعرض مليارات الأشخاص لتركيزات الجسيمات الدقيقة بقُطر 2.5 ميكرون، سواءً خارج المنازل أو داخلها، التي تتجاوز بشدة التقديرات المسموحة التي وضعتها منظمة الصحة العالمية.
ولا تتوقف تأثيرات تلوث الهواء الشديد على الخسائر الفادحة في الأرواح في الدول النامية، لكن يصحبها أيضاً خسائر اقتصادية عنيفة، فوفقا لدراسة أعدها البنك الدولي في 2016، تكلف الوفيات الناجمة عن تلوث الهواء اقتصادات بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أكثر من 9 مليارات دولار سنويا، بينما تشير التقديرات العالمية التي تضمنها تقرير آخر للبنك عام 2021، إلى أن تكلفة الأضرار الصحية الناجمة عن تلوث الهواء تبلغ 8.1 تريليون دولار في السنة، أي ما يعادل 6.1% من إجمالي الناتج المحلي العالمي.
في الوقت نفسه، تقدر الأمم المتحدة أن أعداد الوفيات المبكرة الناتجة عن تلوث الهواء ستشهد زيادة تتجاوز 50 في المائة بحلول عام 2050، ورصدت حالياً أعلى مستويات للتلوث في إقليم شرق المتوسط وجنوب شرق آسيا، والتي تتجاوز الحدود التي وضعتها المنظمة بأكثر من 5 مرات، تليها المدن المنخفضة والمتوسطة الدخل في أفريقيا وغرب المحيط الهادئ.
وفي المقابل، هناك أزمة أخرى في التعامل مع قضية تلوث الهواء تتعلّق بضعف توفر البيانات في الدول النامية، فوجدت المنظمة أن هناك ثمانية بلدان فقط من أصل 47 بلدا في أفريقيا توفرت لديها بيانات حول تلوث الهواء، بينما كان لدى أوروبا أعلى عدد من الأماكن التي تقوم بإبلاغ البيانات، بالرغم من أن مستويات تلوث الهواء بشكل عام تبلغ الحد الأدنى في البلدان ذات الدخل المرتفع، خاصةً في أوروبا والأمريكيتين وغرب المحيط الهادئ.
وبينما يتحمّل سكّان الدول النامية النصيب الأكبر من الآثار الصحية لتلوث الهواء، فإن التأثير يزداد سوء على الفئات الأكثر ضعفا وهشاشة، فوجد تقرير للبنك الدولي في عام 2022، أن هناك 716 مليون شخص فقير، ممّن ينفقون أقل من دولارين في اليوم، يعيشون في مناطق بها هواء ملوّث وغير آمن، ويقع حوالي نصفهم في ثلاث دول فقط هي الهند ونيجيريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية.
الأطفال هم أكبر المتأثرين:
في الوقت نفسه، يعتبر الأطفال في الدول النامية من أكثر الفئات الهشة المتأثرة بتلوث الهواء، فوفقاً لـ"اليونيسيف"، يعيش حوالي مليوني طفل في مناطق تتجاوز فيها مستويات تلوث الهواء المعايير التي وضعتها منظمة الصحة العالمية، مما يعرضهم إلى تنفس هواء سامّ يضر بصحتهم وتطور أدمغتهم، في الوقت نفسه، يتوفى أكثر من نصف مليون طفل دون سن الخامسة سنوياً جراء أسباب متعلقة بتلوث الهواء، ويعاني عدد أكبر منهم من أضرار دائمة تلحق بنمو الدماغ والرئة.
ويظل مرض التهاب الرئة من الأمراض المعدية الرئيسية المسببة للوفاة بين الأطفال دون سن الخامسة، إذ يودي بحياة ما يصل إلى 2,400 طفل يومياً. وترتبط وفيات الأطفال الناجمة عن التهاب الرئة ارتباطاً قوياً بنقص التغذية، ونقص المياه المأمونة والصرف الصحي، وتلوث الهواء في داخل البيوت، ونقص إمكانية الحصول على الرعاية الصحية، وكلها تحديات منتشرة في الدول النامية والأكثر فقرا، وتتفاقم بشدّة بفعل تغير المناخ.
ووفقاً لليونيسيف أيضاً، "يُقدر أنه يتم إدخال نحو 7 ملايين طفل دون سن الخامسة في المستشفيات سنوياً في البلدان المنخفضة والبلدان المتوسطة الدخل بسبب إصابتهم بالالتهاب الرئوي، ويحتاجون إلى الأكسجين ليبقوا على قيد الحياة.
الدول النامية تفتقر إلى تقنيات قياس تلوث الهواء
يرى البنك الدولي أن تلوث الهواء وتغير المناخ وجهان لعملة واحدة، لذا يجب التصدي لهما معاً لحماية صحة الناس، خاصة في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل التي لا تمتلك بنية تحتية ولا تقنيات كافية لقياس تلوث الهواء.
ووجدت دراسة أجراها البنك الدولي أنه لا يوجد سوى جهاز واحد لرصد الجسيمات الدقيقة بقُطر 2.5 ميكرون على مستوى سطح الأرض لكل 65 مليون شخص في البلدان منخفضة الدخل، وجهاز واحد لكل 28 مليون شخص في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، لكن في المقابل، يوجد جهاز لكل 370 ألف شخص في البلدان مرتفعة الدخل، وهو ما وصفته الدراسة بـ"المشكلة الخطيرة" لأن غياب القياسات يعني عدم التعامل مع الازمة بالشكل الصحيح، مطالبة بمساعدة هذه البلدان على إنشاء شبكات الرصد وتشغيلها لتقديم بيانات موثوقة عن جودة الهواء.
ووفقا لآخر تحديث لمنظمة الصحة العالمية، يرصد الآن نحو 117 بلدا نوعية الهواء، والنتيجة أن هناك أقل من 1% من المدن في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل هي التي لا تتجاوز فيها مستويات التلوث الحدود التي وضعتها منظمة الصحة العالمية، بينما كان هناك 17% من المدن المرتفعة الدخل تتمتع بهواء لا يتجاوز مستويات التلوث.
ووجد تقرير صادر عن شركة "IQAir"، وهي شركة تتعقب جودة الهواء في جميع أنحاء العالم، أن 13 دولة ومنطقة فقط في العالم من أصل 131 دولة منطقة شملها التقرير، كانت تتمتع بجودة هواء "صحية" العام الماضي، حيث ارتفع تلوث الهواء إلى مستويات تنذر بالخطر في عام 2022.
ووجد التقرير أن متوسط تلوث الهواء السنوي في نحو 90% من البلدان والأقاليم التي شملها التحليل تجاوز إرشادات جودة الهواء لمنظمة الصحة العالمية، وهو ما اعتبرته مؤشراً خطيراً وإخلالاً بالمساواة البيئية.
aXA6IDMuMTM4LjMyLjUzIA== جزيرة ام اند امز