بعث جديد لآثار العراق.. نظام أمني يحطّم آلة النهب والفساد
عاشت آثار العراق حيناً من الدهر تحت مخالب النهب والسرقة والإهمال، لكنها تعود اليوم لنفض غبار النسيان وتحصين محرماتها.
يقول مسؤول محلي في ذي قار، المدينة العائمة على كنوز التاريخ، إن "المتاحف والمدن الأثرية شهدت عصراً جديداً ما بعد زيارة قداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية".
وكان بابا الفاتيكان فرنسيس أجرى زيارة تاريخية إلى العراق في مارس/آذار تنقل خلالها في مناطق مختلفة بينها مدينة أور الأثرية حيث بيت النبي إبراهيم.
وعلى الرغم من رواج تجارة الآثار في العراق وعمليات التهريب التي ما زالت تُمارس بين الحين والآخر، إلا أن السلطات الأمنية باتت تضيق كثيراً على تلك الجماعات.
وكانت الآثار العراقية تعرضت لعمليات نهب وتدمير كبيرة على حقبتين؛ الأولى مع سقوط نظام صدام حسين في أبريل/نيسان 2003، والثانية بعد اجتياح تنظيم "داعش" الإرهابي لمدن شمال وغرب العراق في يونيو/حزيران 2014.
مدير مفتشية آثار ذي قار، عامر عبدالرزاق، يؤكد لـ"العين الإخبارية"، انطلاق حملة كبرى لتأمين 1200 موقع أثري موزعة في أرجاء مختلفة من المحافظة القصية في جنوب العراق.
ويوضح عبدالرزاق أن "الحملة الأمنية هي الأوسع في تاريخ دائرة حماية الآثار حيث يشارك فيها أكثر من 200 عنصر أمني بالتنسيق مع مديرية الجرائم المنظمة وقوات ساندة أخرى".
وتتمثل تلك الحملة بنشر دوريات راجلة وثابتة ونصب نقاط عسكرية ثابتة عند بعض المناطق الأثرية، بحسب المسؤول المحلي في محافظة ذي قار.
ويشير إلى أن "العملية الأمنية لا تنحسر في تأمين تلك المواقع فحسب وإنما في التعامل مع كل التجاوزات الواقعة عند محرمات تلك المناطق".
ويلفت إلى "وجود تجاوزات زراعية وكذلك بنايات مشيدة داخل محرمات في عدد من المناطق الأثرية من بعض الجاهلين بالقانون والأهمية التاريخية لتلك المواقع".
ويؤكد أنه "قبل أيام استطاعت قوة أمنية تابعة للآثار هدم جامع بني داخل محرمات تل الخطوة غرب قضاء الرفاعي".
المدينة الإبراهيمية
وعقب انتهاء الزيارة التاريخية للعراق، شهدت المواقع الأثرية توافد سائحين من دول عربية وأجنبية وخصوصاً صوب مدينة أور التي أدى فيها البابا مراسم الحج وأقام عندها قداساً وصلوات حضرها جمع غفير من طوائف شتى.
في مايو/أيار، أظهرت صور التقطت لسواح أجانب يتوافدون إلى المدن الأثرية في محافظة ذي قار وهم يحملون هدايا تذكارية من متحف الناصرية.
يؤكد عبدالرزاق أن "ملف آثار العراق ما بعد قدوم البابا يختلف عما قبله في كل شيء وخصوصاً ما يتعلق بذي قار"، مشيراً إلى أن "تلك الزيارة حركت الجهود الحكومية بأقصى طاقاتها لتفعيل ذلك القطاع الحيوي والمهم".
ويتابع: "حتى الأمس القريب شهد متحف الناصرية وبعض المناطق الأثرية زيارة مديري شركات سياحية أجنبية بهدف استطلاع الأوضاع وبدء تفويج السائحين".
وتضم محافظة ذي قار، ومركزها الناصرية، نحو 1200 موقع أثري يعود معظمها يعود إلى عصر فجر السلالات والحضارات السومرية والأكدية والبابلية والأخمينية والفرثية والساسانية والعصر الإسلامي.
وتعد الناصرية من أغنى المدن العراقية بالمواقع الأثرية المهمة، إذ تضم بيت النبي إبراهيم وزقورة أور التاريخية، فضلاً عن المقبرة الملكية، وقصر شولكي ومعبد "دب لال ماخ"، الذي يعد أقدم محكمة في التاريخ.
وكشف مسؤول مفتشية آثار ذي قار عن الانتهاء من وضع التصاميم الأساسية لبناء منطقة سياحية كبيرة قرب أور تسمى بالمدينة الإبراهيمية ستضم داخلها فنادق ومزارات وأماكن ترفيهية معدة لاستقبال الزائرين.
ويرجح المسؤول الأثري أن يبدأ العمل على أرض الواقع في بناء المدينة الإبراهيمية خلال الأيام القريبة المقبلة.
بعثات التنقيب تعود بعد غياب
قبل اشتداد جائحة كورونا وتفشي الوباء في العراق، مطلع العام الماضي، كانت بعثات أجنبية تعمل في مجال التنقيب عند محافظة ذي قار، وبعض المناطق الأثرية الأخرى، لكن ظروف الجائحة عطلت سير أعمالها.
اليوم وبعد نحو أكثر من عام ونصف العام، تعود 10 بعثات لمزاولة أعمالها ومن المرجح أن تصل أولى تلك الفرق نهاية الشهر الحالي.
ويؤكد عبدالرزاق أن "مدينة الناصرية على موعد في الـ28 من الشهر الحالي بوصول بعثة إيطالية للتنقيب ستباشر أعمالها عند المدن الأثرية في مينا وأريدو ولارسا".
وكذلك هنالك بعثات أمريكية ومن دول أخرى ستصل تباعاً بحلول نهاية العام الحالي، والتي سيكون اشتغالها عند تلول الهباء (ممكلة لكش).
وتكتسب أعمال التنقيب أهمية كبرى في توثيق الطبقات الحضارية وتحديد الحقب التاريخية وطبيعة الحياة الاجتماعية والدويلات التي كانت قائمة آنذاك بدقة كبيرة.
كما تسهم أعمال التنقيب في الحفاظ على الكنوز واللقى الأثرية من النهب والسرقة ولاسيما أن البلاد تعرضت لأشرس هجمة نهب وسرقة للمتاحف والمواقع الأثرية إبان الفترة التي أعقبت التاسع من أبريل/نيسان 2003.