برزت تصريحات تشير إلى إمكانية الحوار بين موسكو وحلفاء كييف، في اختراق مهم لمستجدات الحرب الروسية الأوكرانية، ويبدو أن هناك تحركات أمريكية فرنسية متوافقة الرؤى حول أطر المفاوضات مع روسيا، كما تابعنا تحركاً آخر من قبل ألمانيا في الاتجاه نفسه.
فهل تنجح مساعي الحوار في إطفاء فتيل الأزمة عبر تفاهمات وحلول سياسية مقبولة من طرفي الصراع؟ أم ترفض روسيا شروط الحوار؟
أشارت التصريحات الأمريكية الفرنسية الألمانية إلى ضرورة انسحاب روسيا من الأراضي الأوكرانية، مع عدم الاعتراف بضم المناطق الأربعة الأوكرانية كشرط للحوار، في وضعية أشبه بفرض أمر واقع، لو علمنا حجم الدعم الغربي المقدم لأوكرانيا، لاسيما الدعم السياسي والإعلامي والاستخباري، بما فيها ضخ المال والسلاح بأحدث أشكاله، وهي شروط رفضها الكرملين مع إبقاء باب الاتصالات مواربا، فالأحداث متغيرة، وقد تضع حلفاء كييف تحت ضغط أكبر مع دخول فصل الشتاء.
الوساطة الألمانية تختلف عن التوجه الأمريكي الفرنسي، وباقي دول الاتحاد الأوروبي، فبرلين تعاني من أزمة طاقة غير مسبوقة، بسبب نقص إمدادات الغاز الروسية، لأنها كانت تعتمد على روسيا لتأمين 55% من الغاز الذي تحتاجه، بينما ستستقبل الآن عبر محطة ضغط "موريلميزون"، الغاز الطبيعي النرويجي، والغاز المسال من قطر والولايات المتحدة، ومن غير المعروف أنها ستستطيع بذلك تجاوز أزمة الطاقة، ما يفسر الاتصال الأخير لمستشار ألمانيا "أولاف شولتس" مع الرئيس "فلاديمير بوتين"، فمن وجهة نظر اقتصادية، معاداة روسيا ستزيد من أزمة ألمانيا تعقيدا، فالحرب الروسية الأوكرانية أظهرت نقاط الضعف لدى أوروبا في مواجهة موسكو.
أكد اجتماع وزراء خارجية حلف شمال الأطلسي "الناتو" في "بوخارست"، استعداد الحلف في الاستمرار بدعم أوكرانيا بالأسلحة الغربية الحديثة، مع تدريب الجيش الأوكراني، والتأكيد على استمرار المساعدات الإنسانية، ما لا يصب في صالح روسيا، فالغرب مستمر في دعمه في ظل ظروف اقتصادية صعبة، ولم تعد مخاوف استخدام روسيا أسلحة نووية، كما هي في بداية الحرب الروسية الأوكرانية، ما شجع حلف الناتو على اتخاذ مواقف أكثر صرامة.
عند النظر إلى مبادئ الطرفين الرئيسية حول الحوار، سنجد أن روسيا دخلت الحرب بذريعة أمنها الوطني، وان الغرب يريد تقويض استقرارها عبر توسيع أنشطة حلف الناتو، من خلال استغلال الأراضي الأوكرانية، وأن الأراضي التي تم ضمها هي أراضي روسية، وأن أوكرانيا من وجهة نظر موسكو، "أداة نازية" بيد الغرب، والعالم يحتاج لنظام دولي جديد، بينما أوكرانيا تريد استعادة أراضيها وسيادتها، وترفض التفاوض مع الرئيس بوتين، ومن المؤكد أنها ستطالب بتعويضات عن الخسائر، وقد تطالب أيضا بمحاكمة مسؤولين روس.
لذلك، التفاوض بين الطرفين لن يأتي بنتيجة، والتفاوض الحقيقي قائم على الاقتصاد، وهو بين موسكو من جانب، ومن جانب آخر واشنطن وحلفائها في باريس ولندن وبرلين.
لا أعتقد أن روسيا ستتنازل عن موقفها في إخضاع أوكرانيا، والأمر الواقع الذي فرضته على العالم بضم مناطق أوكرانية تحت نفوذها، كما في الوقت ذاته، لن تقبل أمريكا وحلفاءها الأوروبيين، باحتلال روسي لأراضي في أوروبا، كما لا يمكن تجاهل أن النظام الدولي ذات القطب الواحد قد تغير، ليولد نظام جديد لم تتضح ملامحه بعد، ولا تستطيع الأمم المتحدة حل الأزمة الأوكرانية، كما وقفت متفرجة عندما دخلت روسيا عسكريا أوكرانيا.
لا أريد أن أكون متشائما، فالواقعية مطلوبة عند تحليل الأحداث، وبرأيي قد لا تنتهي الأزمة خلال الفترة المتبقية لإدارة بايدن، خصوصا مع التطورات الأخيرة بشأن تسقيف سعر النفط ضمن حرب الغرب الاقتصادية على روسيا، وطالما استمرت الاستراتيجية الغربية ذاتها، في التعاطي مع طموحات روسيا وصعود الصين.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة