الصم وزلزال سوريا.. إشارات النجاة من الكارثة
"أكثر ما أخافني هو أن أعلق أنا أو أي من أفراد عائلتي تحت الأنقاض دون أن نتمكن من طلب الاستغاثة".. هكذا علق لؤي يوسف على كارثة الزلزال.
ولؤي يوسف (51 عاماً) هو رجل أصم يعيش مع عائلته في دمشق، التقته "العين الإخبارية" في أحد المراكز التي تقدم خدمات للصم، بحضور مترجمة للغة الإشارة.
بعينين متسعتين وحركات سريعة كانت المترجمة فرح التل تتابعها وتنقلها على شكل كلمات، تحدث لؤي عن تجربة صعبة عاشتها العائلة المكوّنة من أربعة أفراد جميعهم غير قادرين على السمع أو الكلام، ليلة الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا منذ قرابة أسبوع، وذهب ضحيته الآلاف.
يحكي الرجل الذي يعمل بمجال تصليح آلات الخياطة، لـ"العين الإخبارية": "كنت ليلتها بعيداً عن عائلتي نائماً في مقر عملي في دمشق، وهم في منزلنا شرق المدينة. وأنا مستغرق بالنوم شعرت بأن رأسي يصطدم بالجدار المجاور، وكأن أحداً يهز السرير، ثم استيقظت ورأيت كل شيء يهتز. خفت لأنني لوحدي في المبنى وهو قديم، وقررت فوراً الخروج إلى الشارع، لأرى الجيران كلهم مجتمعين"، ويضيف بأنه حينها شعر ببعض الاطمئنان لكونه إلى جانب أشخاص سامعين، يعرفون تماماً ماذا يحدث ويمكنهم الحصول على المساعدة المطلوبة عند الحاجة، ومن خلال إشارات بسيطة شرحوا له ماذا حصل وأرشدوه إلى مكان آمن يقف فيه.
في أثناء ذلك اتصل لؤي بزوجته عبر الفيديو، لتخبره بالإشارة أيضاً عن مدى خوفها هي وابنها وابنتها: "أخبرتني أنها فوراً أيقظتهم وأبعدتهم نحو مكان آمن، ثم فضّلت الخروج والمكوث مع الجيران حيث شعرت بأمان أكبر، فهم جميعاً من السامعين"، يقول، ويؤكد مرة أخرى على أن "حياة الصم صعبة للغاية خاصة حين الكوارث، فلو وقع البيت على شخص أصم لا يسمع ولا يتكلم، ستكون لديه صعوبة كبيرة في الصراخ أو تحديد مكانه، وكذلك في سماع نداءات فرق الإنقاذ"، ويشير إلى أن هذه التجربة كانت مخيفة كثيراً بالنسبة إليه وإلى عائلته.
حكاية لؤي تشبه ما شعر به مئات الصم في سوريا تلك الليلة، والخوف لدى معظمهم كان مضاعفاً وفق ما أكده كثيرون لـ"العين الإخبارية"، حيث يرون أنه ربما في الأحوال الطبيعية يخاف الصم أقل من السامعين لكونهم لا يستطيعون سماع كثير من الأصوات التي يمكن أن تشكل مصدر خوف أو قلق، لكنهم خلال الأحداث الصعبة، مثل الحرب واليوم الزلزال، يشعرون بقلق أكبر نتيجة عدم سماعهم الأصوات التي يمكن أن تشير لمصدر خطر معين، وعدم قدرتهم على طلب المساعدة أو النجدة، وتشير إحصائيات رسمية إلى أن عدد الصم في سوريا يقارب الـ20 ألفاً.
"عادت إلينا ذكريات الحرب"
ليلة الزلزال، بما حملته من رعب لطريف درويش (45 عاماً)، وهو وزوجته من الصم ويعيشان في حي كشكول شرق دمشق، أعادت للعائلة ذكريات الحرب المريرة.
"لم يقتصر الأمر على خوفنا من الكارثة وتبعاتها، وهو أمر تزيد نسبته عند الصم دون شك، لكننا خشينا أيضاً من أن نعيش مأساة مشابهة لما عشناه قبل أعوام، حين نزحنا عن منزلنا في حي الدخانية بسبب المعارك، وخسرناه بعد أن تدمر تماماً"، هكذا قال طريف لـ"العين الإخبارية" وبجانبه فرح، مترجمة لغة الإشارة، ويضيف بأنه في اللحظات الأولى للزلزال، لم يستطع إلا أن يفكر: "ماذا لو تدمر المنزل الذي نستأجره؟ أين سنذهب؟ كيف سنعيش؟ من سيساعدنا؟". فكر الرجل أيضاً أنه في حال انهيار المنزل فوق رؤوسهم، كيف يمكنهم الصراخ؟ وحتى لو تمكنوا من ذلك، كم من الزمن يمكنهم الاستمرار قبل أن يشعروا بالإنهاك التام؟
ورغم كل هذا الخوف، يقول طريف بأن الحرب الطويلة التي عاشتها البلاد هي التجربة الأصعب في حياته: "الكوارث الطبيعية كالزلزال تأتي من الله، أما الحرب فقد كانت متعبة للغاية بالنسبة إلينا".
وعبر مكالمة فيديو على تطبيق واتس آب، نتحدث مع حسن هنو، وهو أصم من مدينة حلب يعيش اليوم في السويد، وينشط مجتمعياً مع جميع الصم في مدينته إذ يستمر بالتواصل معهم على مدار اليوم لتلبية أي احتياجات أو تساؤلات لديهم، والآن بعد كارثة الزلزال يمضي نهاره وهو يتقصّى أخبارهم ويطمئن عليهم.
يقول لـ"العين الإخبارية": "الزلزال على فئة الصم أخطر بكثير منه على السامعين. الصم لن يتمكنوا من طلب المساعدة أو الصراخ والهرب بالنسبة إليهم سيكون أصعب".
ويتحدث عن عائلة مؤلفة من أب وأم أصمين وأولاد سامعين، انهار البناء الذي يقطنون فيه، وبسبب عدم تمكن الأهل من سماع أصوات أولادهم فقدوا قدرتهم على معرفة مكانهم، لكن فرق الإنقاذ استطاعت انتشال الجميع بصحة جيدة.
وبسعادة وفخر يتحدث عن أحد أصدقائه الصم في حلب، وهو الآن يشارك في عمليات الحفر والإنقاذ، وساهم بمساعدة كثيرين ليخرجوا سالمين من تحت الأنقاض، رغم إعاقته وعدم تمكنه من السمع والتواصل بسهولة.
إجراءات وتوعية
بشكل عام، تفتقر فئة الصم في سوريا لكثير من الخدمات التعليمية والتوعوية المناسبة لحالتهم ونوع إعاقتهم. كثر منهم لا يحصلون على تعليم كافٍ، ونادراً ما يصلون إلى مراحل التعليم العالي. ويحد ذلك من قدرتهم على الوصول لكثير من المعلومات الأساسية. وقد ساهم انتشار مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية في العقد الأخير بردم هذه الفجوة بشكل ملحوظ، لكن ما زالوا بحاجة لتحسين قدرتهم على الوصول لما يلزمهم من معارف ضرورية، أسوةً بالسامعين.
عبر صفحته على فيسبوك والتي تضم قرابة 48 ألف متابع، اعتاد لؤي نشر محتوى توعوي للصم بلغة الإشارة عن مختلف المواقف والشؤون التي يرى ضرورة بالتعريف بها. واليوم يشير إلى أنه سيتابع العمل للتوعية بشأن أهم المعلومات عن الزلازل وكيفية التصرف أثناءها، وحتى بعض أهم الإجراءات الأساسية التي لا بد من اتخاذها بشكل عام تحسباً لأي كوارث.
ويشير مجموعة من الصم أيضاً إلى وعيهم بضرورة امتلاكهم اليوم لأي تجهيزات يمكن أن تكون معينة لهم في حال تكرار كوارث كهذه، مثل أجهزة تضخيم الصوت، لكنهم واعون أيضاً لمعضلة صعوبة توفرها في سوريا.
ويختم حسن بالتنويه لأهمية توفير معينات سمعية خاصة للصم الأطفال كي تزيد قدرتهم على التقاط أي إشارات صوتية أثناء الكوارث، ولضرورة أخذ أي احتياجات خاصة لفئة الصم بعين الاعتبار أثناء الاستجابة للكارثة الحالية.
aXA6IDMuMTQ1LjU5LjI0NCA=
جزيرة ام اند امز