جزيرة "دييغو غارسيا".. مهد الردع الأمريكي لإيران
الولايات المتحدة اتخذت خطوات للتأهب العسكري تحسباً لأي رد إيراني بعد غارة شنتها طائرة بدون طيار تابعة لها استهدفت قاسم سليماني بالعراق.
لم تترك الإدارة الأمريكية شيئاً للصدفة فيما يخص التصعيد المحتمل من إيران، وبدا واضحاً أن تغريدات الرئيس دونالد ترامب التحذيرية لطهران صحبها تأهب عسكري في الشرق الأوسط، وإن بقيت جزيرة دييغو غارسيا وقاذفات (بي 52) كلمتا السر في الأيام المقبلة.
واتخذت واشنطن خطوات التأهب العسكري، بعد غارة شنتها طائرة بدون طيار تابعة لها قرب مطار بغداد الدولي، استهدفت قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري المصنف إرهابيا، وكذلك أبو مهدي المهندس نائب رئيس مليشيات "الحشد الشعبي" الموالي له.
ومن بين تلك الخطوات الاحترازية، قررت وزارة الدفاع الأمريكية نشر 6 قاذفات "بي 52" الاستراتيجية في جزيرة دييغو غارسيا الواقعة بالمحيط الهندي على بعد نحو 5 آلاف كيلومتر من إيران.
وسبق أن أرسلت واشنطن في مايو/أيار الماضي 4 قاذفات بي 52 إلى الشرق الأوسط بعد توجيه تشكيل إبراهام لنكولن البحري إلى المنطقة، قادمين من قاعدة باركسدال بولاية لويزيانا.
وبعد ساعات من إرسالها إلى الشرق الأوسط، أعلنت الولايات المتحدة إتباعه بقاذفات "بي 52" ردا على التهديدات الإيرانية ضد القوات الأمريكية في المنطقة كردع لإيران في أي محاولة لاستهداف الملاحة البحرية.
قصة الجزيرة
وسط المحيط الهندي، تقع مجموعة من الجزر الصغيرة، تعرف إحداها باسم "دييغو غارسيا"، والتي يصفها عسكريون بأنها حاملة طائرات ثابتة ومقاومة للطوربيدات بفضل طبيعتها الصخرية.
ظلت دييغو غارسيا لسنوات طويلة جزءاً مما كان يُعرف بأراضي المحيط البريطاني، حيث ضمتها لندن إليها كمستعمرة في ستينيات القرن الماضي.
بحلول عام 1966، وقعت بريطانيا والولايات المتحدة اتفاقا يمنح واشنطن الحق في بناء قاعدة عسكرية على الجزيرة حتى تنتهي حاجتها للمرافق العسكرية، وهي صياغة ربما تكون غامضة عن عمد.
وفي مقابل ذلك، منحت موريشيوس 3 ملايين جنيه إسترليني للموافقة على الصفقة، وتمت تسويتها بتخلي أمريكا عن 14 مليون دولار تتعلق بصفقة صواريخ غواصات إلى بريطانيا.
بقيت المشكلة الرئيسية في الجزيرة الصخرية وجود 3 آلاف من السكان الأصليين، وكان أغلبهم من صيادي الأسماك وعائلاتهم، ليتم نقلهم على عجل إلى أماكن أخرى في كل من موريشيوس وسيشيل.
وتقع دييغو غارسيا على بعد أكثر من ألفي ميل قبالة الساحل الشرقي لأفريقيا، وتدور قضية بشأنها حالياً داخل أروقة محكمة العدل الدولية بشأن ملكيتها لموريشيوس رغم احتجاجات بريطانيا.
قدرات عسكرية
أما السر وراء التمسك الأمريكي بالجزيرة فيعود إلى قرار استراتيجي استخباراتي وعسكري؛ إذ يتمثل الأول في تحولها إلى مركز للتنصت والثاني فيرتبط بوجود قاذفات القنابل الأمريكية العملاقة طراز "بي-52".
بدأ النشاط الاستخباراتي الأمريكي على جزيرة دييغو غارسيا عبر نصب مجموعة غريبة الطرز من الهوائيات وأطباق التقاط إشارات الأقمار الصناعية بغرض التنصت على الاتصالات والمواقع العسكرية الخاصة بالاتحاد السوفيتي السابق.
كما استخدمت الجزيرة من قبل البحرية الأمريكية والقوات الجوية ووكالة ناسا، وظل مدرجها الهائل موقعا مخصصا للهبوط في حالات الطوارئ لمكوك الفضاء.
وبمرور السنوات، وتحديداً بعد انتهاء الحرب الباردة، تراجعت أهمية التنصت على الاتصالات الروسية، لتتحول الجزيرة إلى قاعدة عسكرية مهمة للطائرات الحربية الأمريكية الموجودة في الشرق الأوسط وجنوب آسيا.
وبالفعل نجح الجيش الأمريكي في توسيع وتمديد مدرجات الطائرات القائمة لهبوط وإقلاع قاذفات القنابل بي-52 التي تقوم بدك مواقع طالبان في أفغانستان بتأثير مدمر للغاية.
واعترف أسرى طالبان في مقابلات صحفية بأن غارات "بي-52" بصفة خاصة كانت سر تحطم معنوياتهم لكونها قاذفات عملاقة تتمتع بقوة تدميرية؛ حيث تطير على ارتفاعات عالية للغاية يستحيل على أي قوات برية رصدها أو حتى سماع أزيزها.
وتعد القاعدة العسكرية على تلك الجزيرة موطنا لأكثر من ألف جندي وموظف أمريكي، ومنها تم غزو العراق، وكانا بمثابة نقطة إنزال حيوية للقاذفات التي تسافر عبر آسيا، بما في ذلك على بحر الصين الجنوبي.
قاذفات بي-52
يعود تاريخ إنتاج قاذفات القنابل بي-52 الأمريكية، إلى 50 عاماً مضت، أي أنها أكبر عمرا حاليا من الطيارين الذين يقومون بقيادتها.
ورغم أن الهدف الرئيسي لهذه القاذفات في البداية كان نقل أسلحة نووية إلى أجواء الاتحاد السوفيتي سابقاً قد تراجع هذا الهدف حالياً وبات التركيز عليها في توجيه ضربات مباشرة.
ففي فيتنام اضطر عسكريون أمريكيون إلى استخدامها في قصف الأراضي الوعرة في منطقة (هو تشي منه)، لكن افتقادها إلى الدقة في إصابة أهدافها آنذاك أدى إلى ضياع فعاليتها مقارنة بالقاذفات المقاتلة المحلقة على ارتفاعات منخفضة.
ومع توفير فرق برية لرصد الأهداف وتزويدها بنظام عالمي يحدد المواقع والأهداف بدقة في مساحة 10 أمتار، باتت قاذفات القنابل بي-52 تؤدي دورا مهما.
وقد تم تصميم الجيل الأول من القاذفة على يد شركة بوينج في أربعينيات القرن الماضي، ودخلت الخدمة خلال الخمسينيات، فيما تمتلك الولايات المتحدة نحو 700 طائرة من الطراز نفسه.
وشاركت في الحرب الباردة، وعملية عاصفة الصحراء بمنطقة الخليج في عام 1990، كما شارك عدد منها في هجمات ضد قوات الجيش السوري في 7 فبراير/شباط 2018.
وتتميز B-52 بقدرتها على حمل مجموعة واسعة من الذخائر بجانب قدرتها على الطيران لمسافات طويلة، عبر القارات من دون توقف، وتستطيع إعادة التزود بالوقود في الجو.
ويمكن للقاذفة أيضاً حمل 32 ألف كيلوجرام من المعدات، أي 30 قنبلة تزن كل منها 500 كيلوجرام؛ بل وتستطيع حمل نحو 12 من قنابل الهجوم المباشر المشترك (JDAM)، والتي يتم توجيهها عبر القمر الصناعي، وتزن من 226 إلى 900 كيلوجرام.
وتستطيع قاذفة B-52 حمل قنابل "بايفواي" الذكية الموجهة بالليزر، كما أنها مزودة بحجرات قناصة، إضافة إلى حملها قاذفة صواريخ روتاري التي يمكنها إطلاق 20 صاروخ كروز من طراز JASSM.
ويمكن للقاذفة إطلاق 12 صاروخا مثبتة على أجنحتها، و8 صواريخ مخزنة داخلها، وتحمل صواريخ من طراز AGM-158 JASSM، التي يصل مداها إلى 250 ميلا، وتحمل رأسا شديد التفجير يصل وزنه إلى 450 كيلوجراما.