أطماع فرماجو وتحديات طوسمريب.. عوائق تسبق الانتخابات الصومالية
مدينة طوسمريب تشهد هذه الأيام تحركات سياسية، ولقاءات تشاورية تهدف إلى بلورة رؤية مشتركة للخروج من المأزق السياسي
يشهد الواقع السياسي في الصومال أحداثا متسارعة، ومشاورات لا تتوقف من أجل تحديد النموذج الأمثل للانتخابات المقبلة، بعد تأكيد رئيسة مفوضية الانتخابات المستقلة حليمة إسماعيل إبراهيم، عدم إمكانية إجراء الانتخابات المباشرة بنظام "شخص واحد لصوت واحد" في موعدها المحدد.
وشكل هذا الإعلان صافرة بداية لفوضى سياسية، والبحث عن نموذج بديل، وهو الانتخابات غير المباشرة بنظام"4.5 العشائري"، ويتطلب هذا النوع التوصل إلى اتفاق سياسي بين جميع الفاعلين الرسميين "الحكومة والولايات والمجتمع الدولي" .
وتشهد مدينة طوسمريب (عاصمة ولاية غلمدغ/وسط) هذه الأيام تحركات سياسية، ولقاءات تشاورية متعددة المحاور والسياقات، تهدف إلى بلورة رؤية مشتركة للخروج من المأزق السياسي الناجم عن الخلافات حول الانتخابات العامة المقرر إجراؤها في البلاد نهاية العام الجاري ومطلع العام المقبل.
مخاض عسير
وفي هذه المرحلة يشتد الصراع، وتبرز الخلافات وتتكون التحالفات الجديدة لرسم ملامح المرحلة المقبلة، وذلك لحساسية المرحلة من جهة والسعي إلى تحقيق مكاسب سياسية من جهة أخرى، لجني ثمار الانتقال السياسي التي قد تكون صعبة في مرحلة المخاض العسيرة "الانتخابات المقبلة" .
ويرى الخبراء أن الرئيس الصومالي محمد عبدالله فرماجو يريد البقاء على كرسيه لذلك يتمسك بالنموذج الانتخابي عبر "الاقتراع المباشر"، بغية التمديد ولو لأيام، ويرفض ذلك رئيس حكومته حسن علي خيري الذي أعلن قبل أيام عدم تأجيل الانتخابات عن موعدها.
كما أن الانقسام السياسي والخلافات بدأت تعصف بالبرلمان الصومالي بغرفتيه مجلس الشيوخ والشعب، وهو ما يهدد استقرار البلاد سياسياً في المرحلة القادمة.
ولتجاوز الخلافات السياسية، نظم رؤساء الولايات الفيدرالية في الـ11 من يوليو/تموز الجاري، موتمراً تشاورياً في مدينة طوسمريب التي جمعت الولايات الإقليمية في الصومال.
وصدر عنه بيان مشترك دعا قيادة الحكومة الصومالية إلى المشاركة في الجولة الثانية للمؤتمر، للتباحث حول تحديد آليات دستورية لإجراء الانتخابات غير المباشرة.
وأكد عدم إمكانية تنظيم انتخابات مباشرة لمحدودية الوقت المتبقي من فترة المجلس الفيدرالية الدستورية من جهة وكذلك تأكيد لجنة الانتخابات المستقلة أمام البرلمان الصومالي عدم إمكانية تنفيذها.
ورحبت أحزاب المعارضة ومجلس الشيوخ والمرشحين المحتملين بينما اعترض رئيس مجلس الشعب محمد مرسل شيخ عبدالرحمن، وبعض الأحزاب السياسية المحسوبة على الرئاسة الصومالية.
ودعا رئيس الاستخبارات الصومالي السابق عبدالله محمد علي، في مقابلة مع تلفزيون "كوب جوغ" المحلي، رؤساء الولايات إلى التمسك بمخرجات الجولة الأولى لإنقاذ البلاد وعدم الانصياع لرغبات فرماجو، لتمديد فترة حكمه من جديد.
تحديات مؤتمر طوسمريب
وأفادت تقارير صحفية، أن الرئيس فرماجو طالب من ولاية غلمدغ تسليمه قيادة الجولة الثانية من مؤتمر طوسمريب التشاوري الذي يجمع بين الحكومة الصومالية والولايات الإقليمية، لكن غلمدغ رفضت طلبه، للحفاظ على دورها كوسيط وراع لحل الخلافات السياسية بين الأطراف الصومالية .
ونقل موقع "عاصمة أونلاين" الإخباري المحلي، من مسؤول في رئاسة ولاية غلمدغ فضل عدم ذكرإسمه، قوله " أوضحنا للرئاسة الصومالية عدم إمكانية تسليم رئاسة المؤتمر، ولو كان الرئيس فرماجو يحظى ثقة زعماء الولايات الإقليمية، لما عُقد المؤتمر في طوسمريب بدلاً من مقديشو"
وتابع المسؤول: "لن يحدث أن نقبل بتسليم قيادة المؤتمر للرئيس فرماجو"، وبسبب فتور العلاقات بين الولايات والحكومة منذ بداية 2019م، فإن قيادة الرئيس فرماجو للمؤتمر يعكر فرص نجاحه، ويعد تحديا قائماُ حتى الآن.
ويشير متابعون إلى أن الرئيس فرماجو يحاول استغلال الوقت تنفيذا لسياسة تمديد الفترة الرئاسية، وتلقى تلك الخطوة رفضا من رئيس الحكومة الصومالية حسن علي خيري ،ورؤساء الولايات، وقوى المعارضة ومجلس الشيوخ .
مقديشو ورقة ضغط
تمثيل العاصمة مقديشو بمجلس الشيوخ، الغرفة الثانية للبرلمان الصومالي، حق أقره النظام الفيدرالي الصومالي، واختبر محطات طويلة من المفاوضات الشاقة، قبل أن يجد طريقه نحو التجسيد الجزئي، وسط مخاوف من استثماره لتحقيق مآرب الرئيس الحالي محمد عبد الله فرماجو.
ففي الـ 27 من يونيو/حزيران الماضي، صادق مجلس الشعب الصومالي على قانون تمثيل محافظة بنادر في مجلس الشيوخ الصومالي، وينص القانون على منح المحافظة 13 مقعدا في الانتخابات القادمة .
ورفضت تلك الخطوة ولايتي جوبلاند وبونتلاند، بينما رحبت الولايات الأخرى جنوب غرب الصومال، غلمدغ وهيرشبيلي، حيث إن طرح القضية على طاولة الانتخابات سيشكل تحديا كبيرا على نجاح الجولة القادمة من مؤتمر طوسمريب .
ويستغل الرئيس فرماجو إثارة هذه القضية، كورقة ضغط انتخابية حسب الخبراء، لكسب تعاطف سكان العاصمة مقديشو الذين يعانون من تهميش وعدم تمثيل في المجالس التشريعية للنظام الفيدرالي في البلاد .
المحلل السياسي محمد نور قال لـ"العين الإخبارية" إن التوقيت في إثارة ملف تمثيل مقديشو في مجلس الولايات الفيدرالية من قبل الرئيس فرماجو لايعني بمعزل عن استقطاب دعم سكان إقليم بنادر لتعزيز أطماعه على تمديد فترة رئاسته .
وأوضح نور أن فرماجو يعمل على تصوير نفسه أنه متمسك بمطالب سكان الإقاليم، لاسترداد حقوق السكان.
وأوضح المحلل السياسي أن الرئيس الصومالي سيبعد ملف تمثيل مقديشو عن مفاوضات مؤتمر طوسمريب، لكسب ود رئيسي ولاية بونتلاد وجوبالاند اللذين يعارضان هذه الفكرة، لتمرير مساعيه حول تمديد فترة رئاسته على الأقل لمدة سنتين وهو ما ترفضه القوى السياسية في البلاد.
وأشار إلى أن فرماجو سيخضع لمطالب رؤساء الأقاليم الفيدرالية، وأن مساعيه لتمديد للحصول على فترة إضافية على وشك الفشل نظرا للتوقيت الذي يفصلنا عن موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية إلى جانب الضغوط التي يواجهها من قبل المجتمع الدولي لإيجاد آلية توافقية قبل الانتخابات المقبلة مع رؤساء الأقاليم الفيدرالية.
إفشال مؤتمر طوسمريب
بدوره، قال الأكاديمي والمحلل السياسي الصومالي محمود محمد علسو: "نتطلع إلى استكمال مسار المؤتمر بالنجاح، وننتظر برنامجا توافقيا بين الأطراف وفق جدول زمني محدد، على الموعد الرسمي للانتخابات".
وأضاف علسو لـ"العين الإخبارية" أن عقبات الجولة الثانية أقل من الجولة الأولى، ولكن مشاركة فرماجو في المؤتمر تعد عائقا رئيسيا، ويسعى إلى إفشال هذه الجولة من خلال ضرب الاستقرار سياسياً في طوسمريب، ونشر دعايات عن المؤتمر عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وبخصوص رفض رئيس مجلس الشعب الصومالي الاقتراع غير المباشر، أكد الأكاديمي الصومالي أن "مرسل" يحاول أن يصف النظام "الصيغة العشائرية" الذي انتخب به بأنه غير قانوني، وهذا أمر مرفوض.
صب الزيت على النار
من جانبه، قال زعيم حزب "ودجر" المعارض ، عبدالرحمن عبد الشكور، إن مؤتمر طوسمريب يمثل فرصة أخيرة لفرماجو.
وأضاف عبد الشكور أن فرماجو لم ينجح في جمع رؤساء الولايات في مقديشو لعدم تنفيذ تعهداته معهم بشأن وقف النقاشات البرلمانية حول الانتخابات.
وأشار إلى أن فرماجو صب الزيت على النار في علاقاته مع الولايات لوقوفه وراء حصول محافظة بنادر على 13 مقعدا في مجلس الشيوخ.
وأوضح أن هذا ما دفع رؤساء الولايات لرفض المؤتمر الذي دعا إليه فرماجو سابقا في مقديشو، وعقدوا اجتماعا ناجحا في طوسمريب، اتخذت الولايات موقفا موحدا فيه.
واعتبر المرشح الرئاسي، طاهر محمود غيله، في منشور على حسابه في "الفيسبوك"، أن مؤتمر طوسمريب الذي يجمع بين الحكومة والولايات فرصة ذهبية تستحق الاستفادة، وأن استقرار البلاد الذي يمر فترة انتقالية مرهون بمخرجات المؤتمر .
وأضاف غيله أن الرئيس فرماجو حاول التغلب على الولايات الإقليمية في ثلاثة سنوات ونصف الماضية لكنه فشل في تحقيق ذلك، مضيفا: "على فرماجو أن يدرك أن البلاد بحاجة إلى تشاور وتوافق، إذ لا غالب ولا مغلوب".
فشل المؤتمر خطر على مسار الصومال
بدوره قال زعيم حزب سهن المعارض، عبدالكريم حسين غوليد، في منشور على "الفيسبوك": "نعتقد أن الاجتماع المرتقب بين الحكومة الصومالية والولايات الأمل الوحيد للشعب الصومالي في الفترة الانتقالية".
وأوضح عبدالكريم أن إستضافة المؤتمر التشاوري كانت مسؤولية الحكومة ولكنها فشلت في ذلك، ويشكل المؤتمر فرصة لجميع الأطراف خصوصا الحكومة؛ لأن المسؤولية الكبيرة تقع على عاتقها.
وحذر عبدالكريم من أن ينتهي المؤتمر دون التوصل لنتائج، كون هذا الأمر خطر على مسار بناء الدولة الصومالية والمكاسب التي حققها الشعب في عشرين عاما.
ويتواجد في مدينة طوسمريب (عاصمة ولاية غلمدغ) حاليا، الرئيس عبدالله فرماجو ورئيس الوزراء حسن علي خيري ورؤساء الولايات الإقليمية ( هيرشبيلي، غلمدغ،جوبلاند،بونتلاند وجنوب غرب الصومال) بالإضافة إلى رئيسة مفوضية الانتخابات المستقلة.
aXA6IDE4LjE4OC4xMTkuNjcg جزيرة ام اند امز