من الصعب التفاؤل الحقيقي بمخرجات أي اجتماع عربي إن لم نغير من أسلوب عملنا الجماعي.
تحمسنا دعوة الرئيس التونسي قائد السبسي، الذي عقدت القمة العربية الثلاثين في بلاده تحت عنوان قمة "الحزم والتضامن"، والتي طالب فيها القادة العرب إلى وقفة متأنية وحازمة لتحديد أسباب الوهن ومواطن الخلل في العمل العربي المشترك من أجل بلورة مقاربات لمعالجة جميع المخاطر والتحديات.
إن هذه الدعوة تدفعنا إلى طرح تساؤل شرعي من الشارع العربي فحواه: هل يمكن أن نشهد كمواطنين عرب ميلاد أسلوب سياسي جديد في إدارة علاقاتنا السياسية؟! هذا السؤال من وحي ما ينتظره الإنسان العربي من تنفيذ لقرارات كل قمة عربية تعقد سواء كانت على مستوى الجامعة العربية أو التجمعات الإقليمية.
إذ يثير انتباه كل من يتابع التعليقات المرافقة للاجتماعات العربية أن هناك حالة من عدم الرضى سواء في التوقعات من كل قمة أو حتى بعد انتهائها ولمدة سبعة عقود كاملة، حيث بقيت أغلب الملفات العربية مفتوحة ودون أي حل بل مع مرور الوقت تفاقمت تلك الملفات وشكلت أزمات وتحديات أخرى وبآثار أكبر مثل قراري الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن القدس باعتبارها عاصمة أبدية لإسرائيل، واعترافه بهضبة الجولان المحتلة بأنها أراض إسرائيلية، مع أن كل القرارات الدولية وكل المواقف السياسية تقول عكس ذلك.
لن نحقق الكثير من الإنجازات السياسية طالما نفكر بنفس الطريقة التقليدية في التعاطي مع العلاقات الدولية التي باتت تتغير بشكل سريع، وبما أن لدينا الكثير من التجارب الواقعية فإن الاهتمام بالعمل الوطني مقدم على أي عمل آخر لا سيما وأن النتيجة في النهاية ستصب لمصلحة من يريد أن ينجح
ولأن لدينا من النماذج الوطنية العربية الناجحة ممن يعمل لمصلحة مواطنيه وبلاده وفي الوقت نفسه يعطي للعمل العربي المشترك اهتماما ضمن مقاييس العلاقات الدولية، وفي الوقت نفسه يتشارك مع العرب اهتماماتهم بحيث لا يؤثر أي منهما على الآخر، بالتالي يمكن اعتبار ذلك نواة لميلاد نظام عربي جديد يفكر بطريقة مختلفة في العمل السياسي، على أساس أن أحد أسباب فشل العمل العربي المشترك يكمن في الخلط بين ما هو وطني وما هو حق للدولة، وبين العمل ككتلة سياسية جغرافية أو تاريخية، وبالتالي تعمل بعض الدول على تخريب مصالح دول عربية أخرى وتعطي لنفسها الحق في ذلك بمجرد أنها تشترك في اللغة والتاريخ.
أنا أزعم أن التعامل العربي بلغة المصالح هو اللغة السياسية المفترضة مع الابتعاد عن التركيز بشكل أساسي على العاطفة التقليدية القائمة على وحدة الدين والتاريخ؛ لأننا لسنا الوحيدين في العالم لدينا تاريخ مشترك بل هناك خصوصية لكل دولة عربية، وهذا من شأنه أن يدفع دولنا لتكون أكثر فاعلية في تحركها السياسي على المستوى الوطني ومن ثم تنسق مع باقي الدول العربية الأخرى.
بالمتابعة اليوم هناك دول عربية تعد من بين الأعضاء في جامعة الدول العربية "بيت العرب" كما يطلق عليه، ولكنها تلعب دوراً كبيراً في إضعاف هذا الكيان السياسي لصالح الدول المهددة للاستقرار، في حين يفترض أن يكمن دور أعضاء الجامعة في خدمة مصلحة شعوب أعضائها، والكارثة أن الخلافات بين هذه الدول لا تستند على أساس المصلحة العربية بل إنها تتجاوز الحسابات القومية وأحيانا الوطنية فقط نكاية في دول عربية أخرى.
لا يمكن لأحد أن يتجاهل أن هذا هو أحد أسباب الوهن والعرقلة في العمل العربي المشترك، الذي أدى لتوجيه انتقادات للجامعة العربية لعجزها عن إيجاد حلول لمشاكل أعضائها حتى فقد ثقته أمام الشعوب العربية التي يفترض انه يمثلها. ولأن الرابط بين أعضاءه قائمة على أشياء عاطفية بالكامل وليس بمعايير العلاقات الدولية التي تقوم على المصلحة فمن الطبيعي أن نعيش حالة من الإحباط والتردد وعدم انتظار قرارات واضحة وصريحة، ومن هنا لا بد أن نجد من يفسد العمل العربي بأي طريقة حتى من باب الانسحاب من الاجتماع لأن الخطاب لم يعجبه.
لقد نالت دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية ثقة الكثير من الرأي العام العربي لأن الدولتين عملتا بالاستناد على معايير وطنية ومن ثم قومية حيوية في مصر عام 2013 واليمن عام 2015، لأنهم وجدوا أنه النموذج الأقدر على الدفاع عن مصالح الدولة الوطنية والإقليم العربي ثم العالمي.
لكن نقطة البداية هي التركيز على الدائرة الوطنية، وبذلك تكون قد نجحت ولو بنسبة بسيطة من أن تعدل طريقة التفكير العربي في إدارة ملفاتها السياسية بما يتناسب وإدارة الدول.
لن نحقق الكثير من الإنجازات السياسية طالما نفكر بنفس الطريقة التقليدية في التعاطي مع العلاقات الدولية التي باتت تتغير بشكل سريع، وبما أن لدينا الكثير من التجارب الواقعية فإن الاهتمام بالعمل الوطني مقدم على أي عمل آخر لا سيما وأن النتيجة في النهاية ستصب لمصلحة من يريد أن ينجح ويخدم الإنسانية.
من الصعب التفاؤل الحقيقي بمخرجات أي اجتماع عربي إن لم نغير من أسلوب عملنا الجماعي، وأعتقد أنه لو تم تغيير هذه الطريقة ستكون هناك أغلبية كبيرة مؤيدة له!!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة