الإحصائيات اختلفت حول عدد المقاتلين الأجانب خصوصا الأوروبيين منهم في الوقت الذي تشير التقديرات إلى أن عددهم يتراوح بين ٣٠٠٠-٥٠٠٠.
لقد تم تسليط الأضواء في الأيام الماضية على قضية الداعشية البريطانية شاميما بيغوم التي قررت السلطات البريطانية إسقاط جنسيتها. إن قضية بيغوم ليست سوى مثال واحد تم إبرازه في الإعلام، فاليوم قد خسر تنظيم ما يُسمى بالدولة الإسلامية في العراق والشام آخر جيوبه في سوريا، وهذه الخسارة الميدانية تعلن انتهاء المغامرة لعدد كبير من المقاتلين الأجانب الذين ركضوا وراء أوهام إنشاء الدولة الفاضلة والخلافة المزعومة. واختلفت الإحصائيات عن عدد المقاتلين الأجانب خصوصاً الأوروبيين منهم في الوقت الذي تشير التقديرات إلى أن عددهم يتراوح بين ٣٠٠٠-٥٠٠٠ مقاتل، منهم المئات من المعتقلين في سوريا الذين تمت محاكمتهم، والآلاف من المحتجزين كحال شاميما بيغوم في مخيمات احتجاز حتى تبت دولهم في أمرهم.
لا غرابة في وصف عودة المقاتلين الأجانب بأنها أحد "أكبر التحديات" التي تواجه الاتحاد الأوروبي، فمأزق عودتهم أشد تعقيداً من مأزق رحيلهم، ومن بين المأزقين نتعلم ضرورة الاستثمار في تطوير برامج الوقاية من التطرف ومن ثم رسم سياسة دولية أو إقليمية متوائمة
لقد توعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دول الاتحاد الأوروبي بالإفراج عن المقاتلين الأجانب المعتقلين في حال لم تستعِدهم دولهم، وهو ما يُضفي بعداً سياسياً جديداً على هذه المشكلة الشائكة في جميع أبعادها، حيث إن دول الاتحاد الأوروبي ليست واضحة في طريقة تعاملها مع هذا الفوج من أبنائها الإرهابيين العائدين من ساحات الصراع في العراق وسوريا، كما أنها بالأصل لا تتبنى سياسة جنائية موحدة للتعامل معهم بعد أن تمت أدلجتهم وتعليمهم كيفية استخدام الأسلحة وصنع القنابل، بل اتخذت الدول الأوروبية منهجيات متناقضة في التعامل مع هذه الظاهرة، فمنهجية الدنمارك استندت إلى أساس تشجيع المقاتلين للعودة وإعادة دمجهم أما المنهجية البريطانية فهي تقوم على أساس إبعادهم عن العودة بشتى الطرق الممكنة!
وإلى جانب البعد السياسي الذي أشعله ترامب في تغريدته، فإن هناك أبعاد أخرى تزيد المسألة تعقيداً، وهناك العشرات من الأسئلة البديهية التي تطرح على دول الاتحاد الأوروبي من هذا المأزق. فمن الناحية القانونية تثار تساؤلات حول دور القضاء في الجرائم التي ارتكبها هؤلاء المقاتلون وكيفية تجميع الأدلة التي تدينهم وتحدد العقوبة المفروضة عليهم. وما إن كان هناك سجون خاصة بهذا النوع من الجرائم أم في السجون العامة؟ هل تبدأ برامج التأهيل قبل أم أثناء أم بعد المحاكمة؟ وماذا سيحصل بعد انقضاء المحكومية إن لم تكن برامج التأهيل فعالة والتي قد تصل لعشر سنوات؟ وهل تكون برامج إعادة التأهيل إجبارية أم اختيارية؟ ومن الناحية الاجتماعية، ماذا عن القُصر الذين التحقوا بداعش؟ والأطفال الذين ولدوا لأبوين من المقاتلين الأجانب؟ ومن الناحية الاقتصادية كيف ستتم عملية تمويل برامج إعادة التأهيل التي قد تتضمن إجراءات مراقبة ومتابعة مكلفة؟
ولا غرابة في وصف عودة المقاتلين الأجانب بأنها أحد "أكبر التحديات" التي تواجه الاتحاد الأوروبي، فمأزق عودتهم أشد تعقيداً من مأزق رحيلهم، ومن بين المأزقين نتعلم ضرورة الاستثمار في تطوير برامج الوقاية من التطرف ومن ثم رسم سياسة دولية أو إقليمية متوائمة تمكننا من التعامل مع مثل هذه الظواهر قبل أن يقع الفأس في الرأس.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة