الدرعية عاصمة التأسيس.. 6 قرون في خدمة ضيوف الرحمن
تحتفل السعودية بيوم التأسيس 2024، وسط فخر واعتزاز بالدور الذي قامت به "الدرعية" عاصمة التأسيس، في خدمة ضيوف الرحمن على مدار قرون.
ويوافق اليوم الخميس، ذكرى تأسيس الدولة السعودية الأولى، مع تولي الإمام محمد بن سعود حكم الدرعية، العاصمة الأولى للدولة وتبعد عن مركز الرياض العاصمة حاليا 20 كيلومترًا.
ورغم أنه يؤرخ لتأسيس المملكة في عام 1139 هـ، أي قبل نحو 3 قرون، إلا أن تدشين بداية عهد رعاية ضيوف الرحمن من الدرعية يعود إلى تأسيسها عام 850هـ/ 1446م، أي قبل نحو 6 قرون من الزمان.
واستمرت العناية بالحجاج منذ ذلك التاريخ مرورا بتأسيس المملكة، وعبر ملوكها المتعاقبين، وصولا لعهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان.
تأمين قوافل الحج
لطالما انطوت رحلة الحج طوال الأزمنة المتعاقبة على مشاق وأخطار كثيرة كانت تحيط بحركة القوافل التي تحمل حجاج بيت الله.
ونشأت الدرعية على ضفاف وادي حنيفة عام 850هـ/ 1446م، حينما قدم مانع المريدي هو الجد الأعلى للأسرة السعودية المالكة إلى المنطقة، واضعًا اللبنة الأولى لتأسيس الدولة، لتصبح هذه المدينة نقطة عبور مهمة لقوافل الحج والتجارة، ومركزا مهمًا للاستقرار، وفي تلك الفترة لم تكن الأحوال السياسية جيدة في شبه الجزيرة العربية، فقد كانت تعاني الإهمال والتفكك والتناحر وانتشار الجهل والأمية.
وبعد تأسيسها عام 850هـ/ 1446م، تحوّلت الدرعية إلى إحدى أهم محطات توقف قوافل الحجيج؛ نظرًا لتميز موقعها الاستراتيجي ووفرة الغذاء والماء، والأمن والأمان والاستقرار في ظل وجود سلطة سياسية قوية أسهمت بفاعلية كبيرة في تأمين طرق القوافل من قطاع الطرق، ووفقًا لوثيقة قديمة يظهر الأثر الجليّ لأمير الدرعية إبراهيم بن موسى بن ربيعة بن مانع المريدي في تأمين وصول قوافل الحجيج إلى مكة المكرمة بكل يُسر وطمأنينة.
الدولة السعودية الأولى
وبعد نحو 3 قرون، تولى الإمام محمد بن سعود الحكم وأسس الدولة السعودية الأولى عام 1139هـ/ 1727م، وعمل بعد توليه الحكم لترتيب الأوضاع التي لم تكن مستقرّة في نجد آنذاك نتيجة انتشار الأمراض والأوبئة والخلافات السائدة بين البلدات في ذلك الوقت، وحافظ على طرق قوافل الحجاج والتجارة، وأضحت الدرعية في عهده ذات سلطة مستقلة تمامًا عن أي قوى إقليمية.
واتسعت رقعة الدولة السعودية في عهد نجله الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود بضمه عدة نواح، وهو الأمر الذي تجلى في ازدياد إيرادات الدولة وتسهيل تأمين طرق الحج وخدمة الحجيج.
وبعد تولي الإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود - ثالث أئمة الدولة السعودية - الحكم عام 1218هـ/1803م، أتمّ توحيد الحجاز فدخلت الجيوش السعودية مكة المكرمة وأصبح خادمًا للحرمين الشريفين بعد إنهاء نفوذ القوات العثمانية آنذاك، وداوم الإمام سعود على أداء الحج سنويًّا طوال مدة حكمه، ولُقب بـ "سعود الكبير" إشارةً إلى ما وصلت إليه الدولة في عهده من عظمة واتساع، حيث امتدت من أطراف الفرات والشام شمالًا حتى صنعاء ومسقط جنوبًا، ومن ساحل الخليج العربي شرقًا حتى البحر الأحمر غربًا.
واستمرت الدولة السعودية الأولى إلى عام 1233هـ (1818م)، وعاصمتها الدرعية ودستورها القرآن الكريم وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، نجح خلالها الإمام محمد بن سعود ومن خلفه من أئمة تلك الدولة في إرساء الوحدة والأمن في الجزيرة العربية، وتأمين قوافل ضيوف الرحمن.
توحيد المملكة
وهكذا كانت الدرعية منذ تأسيسها محور ارتكاز رئيس لتأمين رحلات الحج وخدمة الحجاج وتقديم الدعم والرعاية لهم، وامتد هذا الشرف العظيم حتى توحيد المملكة العربية السعودية على يد المغفور له الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود، حينما أولى الحرمين الشريفين وقاصديهما من الحجاج والمعتمرين جميل الرعاية والاهتمام.
فبعد انتهاء الدولة السعودية الثانية التي استمرت خلال الفترة من (1240هـ /1824م- 1309هـ /1891م) شهدت المنطقة فراغا سياسيا وفوضى في وسط شبه الجزيرة العربية استمر قرابة عشر سنوات، حتى تمكن الملك عبدالعزيز آل سعود في الخامس من شهر شوال عام 1319هـ- الخامس عشر من يناير/ كانون ثاني 1902 من إعادة تأسيس الدولة السعودية الثالثة بعد أن استرد مدينة الرياض، ليبدأ صفحة جديدة من صفحات التاريخ السعودي، ويضع لبنة من لبنات الوحدة والاستقرار والنماء.
وبعد 3 عقود من الكفاح، وتحديدا في 17 جمادى الأولى عام 1351 هـ الموافق لـ19 سبتمبر/ أيلول 1932، صدر أمر ملكي للإعلان عن توحيد البلاد وتسميتها باسم المملكة العربية السعودية، اعتباراً من الخميس 21 جمادى الأولى عام 1351ه الموافق 23 سبتمبر/أيلول 1932، لتبدأ مرحلة مهمة في الارتقاء بخدمة ضيوف الرحمن.
فقبل أن يكتمل توحيد المملكة، أخذ الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن على عاتقه مسؤولية رعاية وأمن وأمان وإكرام ضيوف الرحمن، لتكون الركن الأساس في بناء الدولة منذ اللبنات الأولى لتأسيسها.
وبعث رسمياً رسائل إلى أمراء المدن التي دخلت الحكم السعودي، آنذاك، لبدء الاستعداد لاستقبال الحجاج مبكراً في 15 من محرم عام 1343هـ.
نقلة نوعية
وسار على نهج الملك عبدالعزيز أبناؤه من بعد من ملوك المملكة المتعاقبين، وصولا لعهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي تولى مقاليد الحكم 23 يناير/كانون الثاني 2015، وشهدت رعاية ضيوف الرحمن في عهده نقلة نوعية وإنجازات قياسية.
وبعد عام واحد من توليه الحكم، أطلق الملك سلمان عام 2016 خارطة طريق لرسم مستقبل البلاد تحمل اسم "رؤية 2030" تقود لنهضة شاملة في مختلف المجالات.
وفي 28 مايو/أيار 2019، دشن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، بحضور ولي عهده الأمير محمد بن سلمان، برنامج خدمة ضيوف الرحمن أحد برامج رؤية المملكة 2030.
وشهدت خدمة ضيوف الرحمن تطورات متلاحقة خلال الأعوام الماضية تحت مظلة رؤية المملكة 2030، كان أبرزها استمرار التوسعة السعودية للحرمين وزيادة المساحات والخدمات لزيادة طاقتها الاستيعابية، من خلال زيادة التوسع في منظومة الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن والارتقاء بها مع التحسين الجذري للإجراءات، وإثراء الرحلة الدينية والتجربة الثقافية، وعكس الصورة الحضارية للمملكة في خدمة الحرمين الشريفين وضيوف الرحمن.