محرومون من الفرار.. مستقبل مؤلم لأصحاب الهمم وعائلاتهم بأوكرانيا
لم يكن فوفا يعلم بشأن الحرب الدائرة خارج نافذته ولا يفهم معنى صافرات إنذار الغارات الجوية التي تنطلق منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية.
ولم يعلم أيضا عن الدمار الذي تسببت فيه القنابل الروسية التي سقطت على كييف.. فقط يريد بناء أبراج بألعابه ويضغط على أزرار هاتف والدته لتشغيل الأغاني وأفلام الرسوم المتحركة التي يحبها.
فوفا، هو اسم دلع لفولوديمير، البالغ من العمر 17 عاما، ويعاني من متلازمة أوبيتز كافيجيا، وهي حالة جينية نادرة تتسبب في إعاقة ذهنية شديدة؛ لذا يحتاج رعاية على مدار الساعة وأدوية مضادة للنوبات التشنجية.
لكن تلك الأدوية أصبح من المستحيل الحصول عليها مع تضييق القوات الروسية الخناق على العاصمة الأوكرانية، بحسب ما قالته والدته ناتاليا كومارينكو لشبكة "سي إن إن" الأمريكية.
"أصبحنا غير قادرين على شراء الأدوية التي نحتاج إليها بشدة، الأدوية المضادة للاختلاج ليفيتيراسيتام ولاموتريجين. يتناولها منذ كان بعمر 10 أعوام".. هكذا علقت كومارينكو في حديثها مع "سي إن إن".
أما الإجلاء فليس خيارا لآل كومارينكو لأن حالة فوفا تجعل السفر بالغ الخطورة؛ حيث تقول الأم: "لا نستطيع نقله بالقطار، لأنه قد يعاني من نوبة في أية لحظة وقد ترتفع حرارته. قد لا يعرب دائما عن حاجته للذهاب إلى دورة المياه، لكن لا يمكن تركه بمفرده ولو للحظة حتى"، مشيرة إلى أن القيادة خطر أيضًا؛ في حال تعرض لنوبة.
وتابعت: "لا يمكننا حتى نزول الدرج إلى ملاجئ القنابل.. نختبئ في العالم بردهة شقتنا، أو دورة المياه أو المرحاض".
فوفا وعائلته بين آلاف من العائلات في كييف الذين لا يمكنهم مغادرة المدينة بسبب الظروف الصحية.
وتترأس كومارينكو جمعية خيرية تعمل على جمع وإنشاء شبكات دعم للعائلات الموجودة في كييف ولديهم أشخاص من أصحاب الهمم.
وتمكن ما يتراوح بين 20 إلى 50 من بين 1247 عائلة بالمجموعة على الفرار من العاصمة كييف، بحسب كومارينكو.
ويقدر "المنتدى الأوروبي للإعاقة"، وهو منظمة جامعة لذوي الإعاقة، أن هناك 2.7 مليون شخص يعانون من إعاقات في أوكرانيا.
وطبقًا لمؤسسة الإدماج في أوروبا، هناك حوالي 261 ألف شخص في أوكرانيا يعانون من إعاقات ذهنية تجعلهم معرضين بشدة لخطر الصراع.
ويعيش ما لا يقل عن 100 ألف منهم، معظمهم أطفال، في دور ومؤسسات رعاية. وفرصهم في الخروج من البلاد ضعيفة.
وتتسم رحلة الخروج بأنها طويلة وشاقة، حتى بالنسبة للعائلات التي لا تواجه التحدي الإضافي المتمثل في الإعاقات. أما بالنسبة لمن يتعاملون مع ظروف صحية خطيرة، الأمر شبه مستحيل.
أصبحت دارينا شيسكا عالقة قرب الحدود البولندية مع ابنتها فيكا لعدة أيام. وتعاني فيكا (10 أعوام) من شلل دماغي وربو وتحتاج بشدة لاستئناف علاجها الطبيعي.
وقالت شيسكا: "لم تخضع فيكا لإعادة تأهيل منذ فترة طويلة جدا، وحالتها تتدهور. تكبر باستمرار لكن لا تنمو عضلاتها بنفس الوتيرة، لذا بدأت خسارة التقدم الذي أحرزته. بدأت تسقط أثناء المشي ولا تتحسن ساقيها جيدا، تعاني آلاما في ساقيها الآن".
استغرقت الرحلة من مسقط رأسهما في وسط أوكرانيا إلى الحدود عدة أيام وكانت شاقة على فيكا، حتى أن حالتها تدهورت. وأمضى الاثنان عدة أيام مختبئتين في الأقبية، حيث أصيب فيكا بسعال وضيق في التنفس.
وأضافت: "بدأت فيكا تعاني نوبات خلال الليل. آخر مرة عانت فيها من نوبة كانت بعمر 5 أعوام، ولم تعان من النوبات منذ ذاك الحين"، معربة عن اعتقادها في أن تلك النوبات ناجمة عن ضغط الرحلة والرطوبة في بعض الأقبية التي مكثتا فيها.
وحتى الآن لم تتمكن شيسكا من العثور على وسيلة نقل؛ حيث تعاني من حساسية شديدة من القطط، مما يجعل من المستحيل بالنسبة لهما أن يحذو حذو مئات آلاف الأوكرانيين الذين استقلوا القطارات إلى بولندا.
دخلت الحرب الروسية الأوكرانية التي اندلعت الخميس 24 فبراير/شباط الماضي أسبوعها الثالث في وقت يشتد الخناق الغربي على موسكو مع فرض عقوبات اقتصادية موسعة.
ورغم إجراء جولات مباحثات بين الجانبين الروسي والأوكراني في بيلاروسيا خلال الأسبوع الماضي، إلا أن الأزمة تراوح مكانها دون أي تقدم يذكر، في ظل أوضاع إنسانية تزداد سوءا مع ارتفاع عدد اللاجئين الأوكرانيين إلى أكثر من مليونين.