"برمجة الخوف".. لعبة إعلامية في سياق الحرب الأوكرانية
قبل أن تطأ أقدام الجنود ساحات المعركة؛ كانت وسائل الإعلام التقليدية وغير التقليدية تخوض حربا من نوع آخر تمهد الأجواء للقتال.
هذا ما ذهب إليه لواء ركن طيار متقاعد، عبدالله السيد الهاشمي، في مقالة بصحيفة الاتحاد الإماراتية، المنشور قبل أيام، تحت عنوان "برمجة الخوف من الحرب".
وكتب الهاشمي: "بات واضحاً أن الحروب لم تعد مجرد حروب عسكرية تقليدية، خاصة في ظل الانتشار الهائل لمواقع وشبكات التواصل الاجتماعي".
وأضاف: "ما عاد كثيرون يميزون بين الحقيقة والخيال، بين الصواب والخطأ، وأصبحت الحرب، لعبة بيد الإعلام، يقلّبها كيفما يشاء".
فعلى سبيل المثال، يتأثر الجمهور المستهدف بما يتم نشره من معلومات، تنتقل العدوى بسرعة إلى أهالي وعائلات القيادات والجنود، ثم تتحول المسألة من مسألة عامة إلى مسألة شخصية.
وإذا قرر الجندي، أن يقاتل، ووجد كل الأسباب التي تدعوه لذلك، وأجرى مكالمة هاتفية مع والدته أو شقيقته، وقالت له مثلاً إنها سمعت أن الروس يسيطرون على "كييف"، فبلا شك، أنه سيتأثر بقوة، وسينقل هذه المعلومة إلى زملائه في الوحدة والكتيبة، ثم تجد الجميع مهيئين للدخول في معركة محسومة، لكنها حسمت بصوت الإعلام، قبل كل شيء.
الهاشمي مضى قائلا: "ذلك يبدو منطقياً، أن تلجأ معظم وسائل الإعلام الأمريكية إلى شن حرب إعلامية قوية ضد روسيا، سواء الإعلام الأمريكي الرسمي وغير الرسمي أو مواقع التواصل الاجتماعي، وقد رأينا كيف تحولت فيسبوك ويوتيوب وتويتر إلى مقاطعة الإعلام الرسمي الروسي، وعدم نشر معلومة واحدة مهما بلغت حول الحرب في أوكرانيا".
وتابع: "خلال تخطيط هذه المناورة الإعلامية، منذ اشتعال فتيلها، وجدنا أن الروس أداروها كما يديرون المناورات العسكرية أو الحروب الحقيقية، حيث عرفوا أنه ستتم مقاطعة إعلامهم الرسمي، فلجأوا مبكراً إلى حيل تقليدية ولكنها نافعة، بأن تتولى القوى الناعمة الإعلامية، شخصيات فنية وإعلامية، ليست جزءاً من الإعلام الرسمي، وعبر جميع مواقع التواصل المتوفرة، خصوصاً تطبيق واتس أب".
وكان أول فيديو جرى نشره يظهر الرئيس فيلاديمير بوتين، وبينما كان يُشعل بال العالم بأسره في الحرب مع أوكرانيا، يزور مقهى ويتناول شرابه وطعامه، دون أن أدنى اهتمام>
وفيديو آخر لبوتين أيضا، يمارس الرياضة القاسية، بينما يعرض الفيديو نفسه الرئيس الأمريكي جو بايدن وهو يسقط عن سلم طائرة، وفق تدليل أورده الهاشمي على دور الإعلام في الحرب.
وقال اللواء الركن الطيار المتقاعد، في مقالة أيضا، إن "الاستهانة بالحروب الإعلامية، خلال المعارك الحقيقية، لا يعدّ ذكاء استراتيجياً، فقد رأينا كيف تم تصوير بعض المشاهد المبكرة، قُبيل الحرب، والأوكرانيون يحزمون حقائبهم ويغادرون، ما جعل كثيراً من سكان كييف، وعدد من المناطق الأوكرانية، يغادرون فعلاً، فور سماع دوي أول صافرة إنذار، حيث تم تهيئتهم إعلامياً، بشكل مدروس، بل تم برمجة الخوف من الحرب، في أعماق نفوسهم".
ومضى قائلا: "الروس لديهم إمكانيات وخبرة أكبر في إدارة الحرب الإعلامية، والأوكرانيون أقل خبرة، أما إعلام الغرب، المتعاطف ظاهرياً مع أوكرانيا، فهو يبدو مضطرباً بصورة فظيعة، يستضيف محللين استراتيجيين يتحدثون عن سيناريوهات غير معقولة، وفي النهاية يشير المحلل الاستراتيجي الخبير والمخضرم بما يفيد بأنه ربما أو قد يحدث كذا أو كذا".
واختتم حديثه: "لكن في حقيقة الأمر، لا أحد يعلم ما في رأس السيد بوتين، وأعضاء فريقه الاستخباري والعسكري المقربين من سيناريوهات للتفاوض أو استمرار الحملة العسكرية في أوكرانيا، لحدود معينة، أو الاستمرار أكثر وبلوغ أبعد نقطة لحدود الناتو المتأهب بالأقوال والتصريحات والعقوبات منزوعة الدسم، التي حَسبَ الروس حسابها، منذ وقت طويل".
aXA6IDE4LjIxOS4yNS4yMjYg جزيرة ام اند امز