نهار الأحد 27 فبراير شباط المنصرم، أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن بلاده سوف تنشئ فيلقا "دوليا" أجنبيا للمتطوعين من الخارج بهدف القتال ضد القوات الروسية.
معتبرا أن ذلك الفيلق سيكون دليلا على وجود دعم أممي للقضية الأوكرانية .
هل العالم أمام إعادة استنساخ تجربة أفغانستان؟
تاريخيا كان مستشار الأمن القومي الأمريكي الراحل، زيجينو بريجنسكي، هو صاحب خطة تمويل الراغبين في قتال السوفييت في ثمانينات القرن المنصرم، وهو ما ارتد لاحقا نارا ودمارا على المنطقة أولا، وتاليا على بقية أرجاء العالم، لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية، تلك التي خبرت إرهاب تنظيم القاعدة في نيويورك وواشنطن، ذلك الذي نما وترعرع في تورابورا وقندهار وبقية الساحات الأفغانية، ومن رحم القاعدة ولد تنظيم داعش الإرهابي وبقية الجماعات المسلحة الإرهابية مما نعرف أو لا نعرف .
كارثة أوكرانيا في واقع الأمر ستكون مضاعفة، ذلك أنها ستعطي قبلة الحياة للتنظيمات اليمينية الأوروبية المتطرفة، والتي تتشوق منذ عقد أو أزيد من الزمان لفرصة مماثلة ترتب فيها صفوفها، وتتهيأ لما هو أسوا .
في الأيام القليلة المنصرمة، كشفت مجموعة "سايت إنتلجنس"، والمهتمة بمراقبة شؤون التطرف في أوروبا، عن تحركات سريعة وكبيرة عبر الشبكة العنكبوتية بهدف جمع الأموال وتجنيد المقاتلين اليمينيين الأوربيين الراغبين في السفر إلى جبهات القتال في أوكرانيا .
تلعب ما يعرف ب "كتيبة آزوف"، دورا شديد الخطورة في إحياء دعوة "الفيلق الدولي"، والمسمى هنا خادع ومراوغ، ذلك أن الجيوش النظامية فقط يمكن أن تطلق على عديد قواتها لفظة "الفيالق"، وإن كان التاريخ يحمل لنا صدى مجموعات إرهابية اتخذت ذات الاسم ستارا من قبل، ومنها الفيلق الإخواني، ذاك الذي كان مرشد الإخوان المسلمين حسن البنا سعى في جمعه ليقاتل بجانب النازيين في الحرب العالمية الثانية .
تباعا تبدو الدعوات للانضمام إلى فيلق زيلينسكي تنتشر في عموم أوروبا كالنار في الهشيم، من عند ألمانيا، مرورا بفرنسا ثم فنلندا، وغيرهم من الدول الأوربية .
من ناحية أخرى، لا نغالي إن قلنا أن هناك من ينتظر هذه الفرصة في الشرق الأوسط، لا سيما بعد انكسار تنظيم داعش في سوريا والعراق، لإحياء الحضور الإرهابي في الحاضنة الأوكرانية، هناك حيث الضبابية تسود المشهد، ومن غير أدنى مقدرة على تلمس مستقبل الأيام، حيث يبدو الاستقرار أثرا بعد عين، وهي أفضل ظروف ينشأ فيها الإرهاب المقيت .
هل ما يجري من دعوات لمثل هذا الفيلق تتم من وراء ظهر الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية، لا سيما بريطانيا الوثيقة الصلة بالتيارات الإسلاموية منذ بدايات القرن التاسع عشر؟
الجواب كارثي وينم عن سوء تقدير قاتل من الجانب الأوربي، ذلك أن هناك موافقات تصل إلى حد المباركات الرسمية لأعمال المرتزقة المسماة الفيلق الدولي، فعلى سبيل المثال، قالت وزيرة الخارجية البريطانية، ليز تراس، إنها تدعم الأفراد من بريطانيا الذين قد يرغبون في الذهاب إلى أوكرانيا للانضمام إلى قوة دولية للقتال، بل وأضافت في تصريحات صحافية أن الأمر متروك للناس "لاتخاذ قرارهم بأنفسهم ".
الوزيرة البريطانية ترى أن الأمر "معركة من أجل الديمقراطية"، وأن شعب أوكرانيا يقاتل من أجل الحرية والديمقراطية ...هل هذا منطق سليم؟
قطعا نحن أمام تبرير ميكافيللي، يعود بنا إلى نفس دائرة نشوء وارتقاء الإرهاب في أفغانستان قبل أربعة عقود، ومن غير أدنى تعلم من التجربة الأليمة، التي كانت سببا مباشرا في إلحاق أضرار بالغة بالعالم، شرقا وغربا من جراء الإرهاب المنفلت .
لا يتوقف المشهد عند بريطانيا، فقد سمحت الدنمارك، وهي دولة اسكندنافية تؤمن برفاهية الحياة لا بحتمية الموت على جبهات القتال، لمن يريد من المتطوعين الانضمام إلى بقية الفيلق المذكور، وسرعان ما أنضم إليه البعض من جورجيا، تلك التي لا تزال تحمل ثأرا ضد روسيا منذ عام 2008 .
أما الأكثر إثارة في المشهد فهو انضمام نحو مئة مقاتل ياباني إلى المجموعة عينها، في إشارة لا تخطئها العين لليمين الياباني المتطرف، القائم والقادم والمنادي بنشر صواريخ نووية على الأراضي اليابانية من ناحية، وإلغاء المادة التاسعة من دستور البلاد، والتي فرضت عليه بعد الحرب العالمية الثانية والتي تمنع قيام جيش نظامي مقاتل .
لم نستمع بعد إلى حديث حول وجود مجموعات عربية تسربت إلى أوكرانيا، ممن يعتبرون ما يجري في أوكرانيا منحه غير متوقعة لمتابعة النهج الإرهابي .
لا يبدو من الحكمة أو الحصافة أن تعيد واشنطن التلاعب مرة جديدة بتلك العناصر، ذلك أنها وإن عزفت من قبل على وتر الإسلامويين، إلا أنها هذه المرة ستواجههم ومعهم التيارات اليمينية البازغة في السماوات الأمريكية، والساعين للانسلاخ عن الحكومة الاتحادية، والجميع يتوقع منهم عنفا غير محدود خلال الانتخابات الرئاسية 2024.
أما أوروبا والتي تمضي في اتجاه مجاف ومناف لاتفاقية جنيف التي تحرم أعمال المرتزقة، فيبدو أنها واقعة بين مطرقة الضغوطات الأمريكية وسندان المخاوف من روسيا، وبينهما تنسى أو تتناسى أنها ستصبح لاحقا ملعبا لهذا الفيلق، إذ ستعتبر أوكرانيا ميدان رماية وضرب نار، وربما تدريب على مقاومة الجيوش الأوروبية النظامية .
لم يكن النزاع العسكري الروسي الأوكراني هو الحل، وتاليا لا يمكن أن يكون تحويل أوكرانيا إلى "حاضنة للإرهاب" حلا للدفاع عن أراضيها.
العالم في أزمة عميقة.. فمن يدق ناقوس الخطر؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة