بأي صيغة تحليلية، تتحمل الإدارة الأمريكية ومعها حلفاءها في حلف الناتو المسئولية الأساسية فيما يحدث في أوكرانيا من نتائج بعدما تخلو بشكل فاضح عن حليف كان ينتظر موقفاً أكثر صلابة تجاه الغزو الروسي الغاضب.
وأظهروا أنانية سياسية في عدم المجازفة في أي وعد قطعوه أمام العالم من أي مغامرة عسكرية روسية قد تحدث.
قد يستغرب البعض تجاهل الغرب بأكمله عن أوكرانيا حيث قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي: "تخلى عنا الحلفاء وتركونا نواجه الغزو الروسي لوحدنا". مع أنه يفترض أن الغرب يشتركون مع أوكرانيا في الأيديولوجية السياسية وهم تقريباً من أوصلوا الوضع الحالي بين روسيا وأوكرانيا إلى هذا الحد السيء وبمواقفهم الحالية المترددة ربما يؤدي إلى الأسوأ.
بتجاهل نداءات الرئيس الأوكراني وبحالة التردد في المواقف المطلوبة تكون الإدارة الأمريكية والناتو معه قد ساهموا في تأكيد متغيرين اثنين يتابعها أغلبنا منذ فترة. المتغير الأول: الاستمرار في إضاعة الفرص وهذا كانت فرصة تاريخية بكل معاني الكلمة لإصلاح بعض الأخطاء التي ارتكبوها بحق حلفاء التقليديين منذ أيام الفترة الثانية من حكم الرئيس باراك أوباما ويومها عرف استراتيجيته بـ"الأوبامية" التي بدأت فيها ملامح تراجع المكانة العالمية الأمريكية ويومها صدر تقرير مهم من مركز التقدم الأمريكي يطالب فيه إدارة أوباما إلى انتقال الإدارة الأمريكية نحو القيادة الفاعلة في منطقة الشرق الأوسط بعدما بدأت تتضح ملامح التوسع العالمي للصين وروسيا.
أما المتغير الثاني: أن ما يتم حالياً ليس إلا تكرار لسياسة ارتكاب الأخطاء الاستراتيجية الأمريكية تجاه حلفاءها وهي كثيرة خلال الفترة الأخيرة ما دفعهم إلى البحث عن تفاهمات مع قوى عالمية أخرى أكثر ثقة من الولايات المتحدة وعدم الارتهان إلى تقلبات مزاج ساكن البيت الأبيض. خاصة بعد ذلك الانسحاب المشين من أفغانستان في أغسطس من العام الماضي وما تبعها من مشاهد اللانسانية شعر فيها العالم بأكمله أن أمريكا بدأت تكون "الرجل المريض" وتتراجع فعلاً عن دورها العالمي وهي تفعل دون أي إحساس بالمسئولية الدولية وبإمكانية أن يؤدي إلى خسارة حلفاءها بل وتبرر أخطاءها بأسلوب لا يرقى بما ينتظره الآخرون منها.
بعث الغرب بهذا الموقف الضعيف والمتردد رسائل سلبية إلى الرأي العام العالمي كله بعدم الثقة في مواقفهم الاستراتيجية، وفتحوا باب من الشماتة والاستياء من إمكانية الاعتماد عليهم في اللحظات الحرجة أمنياً. ولكن قبل ذلك كانت هناك جملة من المؤشرات تسببت في تكسير جانب من الثقة السياسية التي كانت حاضرة خلال فترة الحرب الباردة. والشيء الذي يدعو إلى الأسف أن عدم محاولة الإدارات الأمريكية في معالجة تلك الإساءات تحولت لأن تكون مثل "الرمة التي تنخر" في احترام العالم للسياسة الأمريكية التي عمل على ترسيخها رؤساء أمريكيون سابقون مع حلفاءهم الاستراتيجيين.
على غير العادة المعروفة عن أمريكا. تحول السياسيون الأمريكيون بعد عهد أوباما إلى متنافسين من أجل مصالح سياسية حزبية كما يحدث في الدول الصغيرة بدرجة تفوق الحفاظ على الحلفاء والمصالح الكبرى للولايات المتحدة. وبالتالي فإن الأزمة الأوكرانية التي نعيش تفاصيلها هذه الأيام هي ببساطة استمرار لحالة التراجع الأمريكي في العالم فهي التي شجعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى هذا السلوك، الذي وضع العالم كله في حالة من القلق والصدمة لم يفق حتى اللحظة.
حتى هذه اللحظة لم يخطر ببال أحد بما فيهم ناس من داخل المجتمع الغربي نفسه أن يقف كل أعضاء حلف الناتو عاجزين عن مساعدة أوكرانيا. ولم يصدقوا أن مواقف بلدانهم في الأزمات العالمية تتصف بعدم إدراك ما يفعلون تجاه المكانة الدولية للولايات المتحدة والناتو مستذكرين أيام أزمة الصواريخ الكوبية كيف تمت معالجتها عندما تواجدت الحكمة السياسية.
كان يمكن للغرب لو أنهم غلبوا الحنكة والحكمة السياسية في التعامل مع التفكير الاستراتيجي لمخاوف روسيا الغاضبة مع عدم احترامهم للاتفاقيات أن يعيدوا شيئاً من الاحترام والثقة لدى حلفاءهم الجدد ويكونوا جزءاً من خلق نظام يحافظ على استقرار العالم وأمنه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة