تشير وقائع الحرب الروسية على أوكرانيا، إلى أن المواجهة بين الجانبين صممت لها مسبقا، وأن الولايات المتحدة هي التي ترسم فصول المواجهة الجارية، ولعل اقتراح تشكيل حكومة أوكرانية في المنفى.
تعد من أهم ملامح هذا المخطط، إذ أن المراد من هذه الحكومة أن تشكلت، تحويل المواجهة إلى حرب بين قوة محتلة وقوة محلية، تنضم إليها عناصر الجيش الأوكراني بعد حله أو انحلاله، بفعل يوميات الحرب، بما يؤسس كل ذلك لأفغنة أوكرانيا، كما حدث قبل أثنين وأربعين عاما، عندما غزا الاتحاد السوفييتي أفغانستان، قبل أن ينسحب منها بعد حرب طويلة دامت لعشر سنوات، وما يرجح هذا السيناريو، هو الاجماع على عدم تراجع بوتين عن الحرب، مقابل تمسك الرئيس الأوكراني، فلولديمير زيلنيسكي، بالمقاومة تحت النهاية. السياق المرسوم للحرب الروسية على أوكرانيا، يشير إلى سيناريو الأفغنة، فكل نداءات زيلنيسكي للإدارة الأمريكية وحلف الأطلسي، بفرض حظر جوي فوق أوكرانيا قوبلت بكلمة واحدة، وهي، أننا لا نتدخل بالحرب مباشرة، مع التأكيد الدائم على تقديم الدعم العسكري، والأسلحة، والمعلومات الاستخباراتية، لتمكين الحكومة الأوكرانية من الدفاع عن نفسها حتى النهاية، وهو ما يعني إطالة عمر الحرب أطول مدة ممكنة، لكن السؤال إلى متى ؟ حسابات موسكو لم تكن دقيقة بشأن حرب خاطفة تؤدي إلى إنهيار سريع للحكومة الأوكرانية، وأمام موازين القوى لصالح موسكو، فإن الحكومة الأوكرانية لا تجد أمامها سوى رفع شعار المقاومة، ودعم الجماعات الشعبية المسلحة، كجماعة آزوف التي هي واحدة من العشرات الجماعات التي تقاتل القوات الانفصالية في حوض دونباس، فضلا عن بروز دور لجماعات ما يسمى بالدفاع الوطني في الغرب الأوكراني.
وعلى وقع هذه الانقسامات تظهر اصطفافات على أسس الهوية والعرق والجغرافية، بين شرق أوكراني مؤلف من الروس - سلاف يتبعون لروسيا، وبين السلاف الأوروببين في الغرب،يتطلعون إلى العضوية الأوروبية والانضمام الى حلف الأطلسي، وكأن المراد من هذه الاصطفافات والانقسامات التأسيس لحرب أهلية أوكرانية في الداخل، ولحرب شعبية ضد روسيا التي تسعى للسيطرة على كامل أوكرانيا، بعد أن حولت مجري الأحداث، من مطالبة أوكرانيا الاعتراف بضم روسيا لشبه جزيرة القرم، وباستقلال جمهوريتي دونتيسك ولوغانسك، إلى حرب شاملة على كامل الأراضي الأوكرانية، لكن المشهد العام للحرب الجارية لا يتوقف عند هذه اللوحة، إذ يوما بعد أخر، تزداد تعقيدات الحرب، وتتداخل مع عوامل إقليمية ودولية، وعلى وقع كل ما سبق، بدأنا نشهد زحف المتطوعين والمقاتلين من مناطق مختلفة من العالم إلى أوكرانيا للقتال إلى جانب هذا الطرف أو ذاك، فمشهد زحف المقاتلين الشيشان بزعامة قاديروف للقتال إلى جانب القوات الروسية، يقابله مشهد زحف مقاتلين متشددين من دول أوروبية للقتال ضد الروس هناك، وبدفع ورعاية من حكومات بعض هذه الدول، بل وبتنا نسمع بالأوكران العرب على غرار الأفغان العرب والبوسنيين العرب للقتال ضد روسيا، ولعل المطلوب من كل هذه الطبخة - كما يقال، اغراق روسيا في أوكرانيا بعد جعل الأخيرة مستنقعا، تلفظ الدبابات الروسية على أبواب المدن الأوكرانية أنفاسها، فيما تفعل العقوبات الغربية على روسيا فعلها في إنهاك اقتصادها، ودفع الأوليغارشيين من حول بوتين للتخلي عنه مع خسارة مصالحهم، بغية أرغام روسيا على التجاوب مع الاستراتيجية الغربية في أوكرانيا، سواء القبول بتسوية سياسية أو إرغامها على الانسحاب من أوكرانيا، تحت وطأة الخسائر والتداعيات، كما حصل للاتحاد السوفييتي بعد سنوات من غزوه لأفغانستان. أوجه الشبه بين الحدثين الأفغاني في عهد السوفيات، والأوكراني في عهد روسيا بوتين كثيرة، ورغم اختلاف الظروف إلا أن كل المعطيات تشير إلى دور المخطط الأمريكي الذي يرسم السيناريوهات، ولعل في أفكار وخطط وروى هنري كينسجر وصموئيل هينتنجتون الكثير من المعطيات التي تؤكد على النسخة الجديدة من السيناريو الأفغاني في أوكرانيا.
.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة